14‏/03‏/2009

كتاب (غَناوي عَلَم) .. وعلامات استفهام

الشاعران: الرويعي الفاخري وسالم العوكلي


بقلم: سالم العوكلي
في زيارتي الأخيرة للباحث في التراث والقاص (أحمد يوسف عقيلة)، وجدته كعادته منهمكاً في سيرة المكان، في غرفته المؤثثة بمزاجه الخاص، والتي تتجاور فيها العديد من التكوينات التراثية والحديثة بشكل أخّاذ، يشبه إلى حد كبير أسلوبه في كتابة القصة، أرفف الكتب وجهاز الحاسوب بملحقاته، أعشاش طيور الجبل، جهاز الكاسيت والنسيج الشعبي بألوانه المبهجة التي ألّفت بينها أصابع أمه، التي مازالت تعيش معه في بيت شعبي بقرية عمر المختار، نبع حكاياته الذي لا ينضب عن زمن المعتقلات وملاحقة المطر.
كان (أحمد) يحدثني عن الزيارة التي قام بها مندوب اليونيسكو لمحاورته عن غناوة العَلَم، التي تفكر هذه المنظمة باعتمادها كإحدى الفنون الشعرية الإنسانية العريقة، مثلما أتبع مع قصيدة الهايكو اليابانية ، كان مبتهجاً بهذه الزيارة التي أثمر عنها كتابه المهم عن غناوة العَلَم، ولا يعكر هذه البهجة سوى ما حصل معه من اعتداء على مادته الخاصة بعد نشر كتاب (غناوي علم) من ضمن منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة، حيث كما يقول ضمّنوا الكتاب بابين - عن طريق النسخ واللصق - من مخطوطه القادم الذي نشره قبل خمس سنوات في موقعه (الجراب)، والذي يعتبر أول موقع ليبي متخصص في التراث على الشبكة، والبابان هما: (الجلامة صفحة 371) من الكتاب المشار إليه، و(هجاوي الرحى صفحة 385). مع العلم إن (أحمد يوسف) قد عمل ضمن لجنة هذا الكتاب وزوّدهم بمجموعة كبيرة من غناوي العَلَم التي جمعها ولم تكن في سياق عمله المتسلسل عن هذا الفن المجنس تحت تسميات مختلفة لا تشملها كلها غناوة العَلَم، فغناوي الجلامة تسمى (قذاذير) ومفردها (قذّارة)، وغناوي الرحى تسمى (مهاجاة)، وهي إذا تتبنى بنية غناوة العَلَم، إلإ أنها بسبب اهتماماتها الخاصة والأداة التي ترافقها لا تقع في حقل غناوة العَلَم التي تتميز بكونها تطرح شجوناً عاطفية مباشرة كثيراً ما يكون الخلاء براحها أو الأعراس، وهذا الاختلاف هو ما جعل من غناوة العَلَم باعثاً على الحشمة في إطار العائلة، بينما في حالات الجلامة ومهاجاة الرحى من الممكن أن تغنى وسط العائلة وبحضور الآباء وأبنائهم، ويعتبر هذا أحد الأخطاء المنهجية في الكتاب، وهو الذي سعى (أحمد يوسف) أن يتفاداه في سلسلة كتبه عن الغناوة، من أجل أمانة الرصد لهذا الفن المتفرد.
كان (أحمد) يحدثني بغضبه الهادئ ونبرة التسامح المعتادة لديه، وكنت أشاركه غضباً غير هادئ، لأنني أدرك جيداً الجهد الذي بذله في تجميع هذه الأبواب، حيث كان يتنقل بأوراقه وبآلة تسجيله في ربوع الجبل الأخضر، متتبعاً احتفالات (الجلامة) في كل واد وكل سهل، وهو الذي لا يملك وسيلة نقل ولا ميزانية لهذا العمل الذي يُمليه عليه التزام فني وأخلاقي تجاه هذا الموروث، كما كان يتنقل بين العجائز من (اجدابيا) إلى (طبرق) لتجميع غناوي المهاجاة، وكان يحفظ حقوق كل من من ساعدوه في هوامش مخطوطاته، وقد نشر هذه المادة في موقعه الشهير بحق حصري، وذكر هذه المخطوطات في كل الكتب التي أصدرها.
ولتصبح فيما بعد تقنية النسخ واللصق أحدث تقنيات سرقة الجهود المتفشية الآن، مع العلم إن اسم (أحمد يوسف عقيلة) لم يُذكر من قريب أو بعيد في هذا الكتاب، الذي لم يرافقه أي تحليل لهذا الفن، خلافاً عن كتاب (أحمد يوسف) الأول (غنّاوة العَلَم.. قصيدة البيت الواحد) والذي أسهمت التحليلات النقدية والتعريفات المفهومية التي تتخلله في لفت نظر المهتمين، سواء من رغبوا في ترجمته مثل الشاعر (عاشور الطويبي)، أو في تبنّيه كفن عريق مثل اليونيسكو.
وأخيراً أتمنى أن لا يحبط هذا الاعتداء غير المبرر حماس (أحمد يوسف) في عمله الدؤوب على التراث، الذي أنجز فيه قدرا كبيراً ، مثل كتابه عن الأمثلة الشعبية، وكتابه عن الخراريف الذي يجمع الحكايات الخرافية كما كانت تروَى في هذه المنطقة، إضافة إلى دواوين شعرية كمخطوطات لبعض الشعراء الشعبيين، وكتابه عن التعابير الشعبية، وغيرها من المخطوطات المدققة والمصححة والجاهزة للطباعة.
(نقلاً عن مدونة الخروبة للقاص: أحمد يوسف عقيلة)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق