19‏/02‏/2009

خامس الأماسي : هيمنة اللغة

الدكتور عباس الحديثي وعلى يساره القاص أحمد يوسف

أقام منتدى أماسي البيضاء الثقافي خامس أماسيه الثقافية لهذا العام، يوم الإثنين الموافق 2009.2.16 بمقر مسرح هواة الفن بالبيضاء، وهي محاضرة بعنوان: (الأبعاد الجغرافية السياسية للغة والهيمنة اللغوية في ظل العولمة)، ألقاها الدكتور: عبّاس غالي الحديثي.. عضو هيأة التدريس بجامعة عمر المختار، وأدار الجلسة القاص أحمد يوسف عقيلة، وبعد انتهاء المحاضرة التي استغرقت ساعة كاملة، أسهم الحضور في إثراء الموضوع بمداخلاتهم وأسئلتهم، فشارك كل من الأستاذ الباحث في التراث ميكائيل الحبوني، والدكتور فتح الله خليفة، والدكتور جعفر حسن الطائي، والشاعر عبدالسلام الحجازي، وألقت مساهماتهم مزيداً من الضوء على هذا الموضوع الشائق، وهذا تلخيص لأهم ما ورد في المحاضرة:

اللغات أصبحت عبر التاريخ مثل الجيوش تهزِم وتُهزَم، ولهذا حاولت أكثر من حكومة حماية لغة شعبها من خطرين:
ـ الأول سيطرة أجنبية تستبدل تدريجيا لغة بلغة.
ـ الثاني تغلغل غير منظم ربما بتعاون جزء من الشعب نفسه.
ولهذا فان الكثيرين يحذرون من ظاهرة خطيرة ـ والتى تتعلق بما نحن فيه من إمكان قيام لغة عالمية مهيمنة واحدة تربط فى المستقبل بين مختلف المجتمعات والثقافات ـ هى الاختفاء السريع والمطرد لكثير من اللغات كنتيجة مباشرة لتغلب اللغات القوية على حساب اللغات الضعيفة. ويتوقع كثير من علماء اللغة اختفاء ما يزيد على نصف عدد اللغات الموجودة فى العالم الآن والتى تقدر بأكثر من ستة آلاف لغة خلال النصف الأول من القرن الحالي. وتظهر خطورة الوضع بوضوح حين نعرف أن معدل اختفاء اللغات يفوق ضعف معدل اختفاء الثدييات، وأربعة أضعاف معدل اختفاء الطيور، وانه لو استمر الأمر على هذا الحال وبهذه المعدلات فان عالم المستقبل لن يشهد سوى حوالي عشر لغات قوية أو أكثر قليلا اذ تقدر جريدة التايمز اللندنية فى عددها بتاريخ 21. ديسمبر عام 2000 أن اللغات الضعيفة تختفي بمعدل لغة واحدة كل اسبوعين تقريبا.

اللغة:
المفهوم - الخصائص – الانواع:
لم تعد اللغة مجرد وسيلة للتواصل والتفاهم بل أصبحت أداة للهيمنة والتأثير والنفوذ مما قاد كثير من الباحثين وصناع القرار الى القيام بالدراسات والأبحاث حول الموضوع والدعوة الى تبنى ذلك على المستوى الوطنى والاقليمى والعالمى مما ادخل اللغة وبالتالى الثقافة والمعلومة ضمن مقومات القوة لأي دولة او مجتمع اواقليم لما يعنيه ذلك من مكاسب اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية .

مفهوم اللغة:
لعل إحدى المشكلات التى تبدو غريبة هى تعريف اللغة نفسها(1) ولهذا فقد تعددت تعاريف اللغة وبالتالى تحديد مفهومها، فيعرفها سابير عام 1921 بانها طريقة بشرية وغير غريزية لنقل الافكار والأحاسيس والرغبات بواسطة رموز تنتج طوعا. اما هول فيذهب الى ان اللغة (نمط سلوك جماعى يقوم البشر بواسطته بالاتصال والتفاعل بعضهم مع بعض برموز شفهية سمعية توفيقية يستخدمونها بحكم العادة).
اما نعوم تشومسكى فيذهب بعيدا بما سبق اذ يقول سوف اعتبر ان أية لغة هى (عبارة عن مجموعة "محدودة اوغير محدودة" من الجمل، كل منها محدودة فى الطول ومركبة من مجموعة محدودة من العناصر) .
ومن أكثر تعريفات اللغة شمولا ذلك الذي قدمته الجمعية الأمريكية للنطق واللغة والمسمع المعروفة بـ(أشا)، تنظر (أشا) الى اللغة على أنها (نظام معقد ديناميكي من الرموز المتفق عليها تستخدم فى شتى أنواع التفكير والتواصل).

خصائص اللغة:
تمتاز اللغة بالعديد من الخصائص لعل أهمها من منظور الجغرافية السياسية هى الآتي:

1- القابلية على النمو والتطور.
2- قابليتها للترجمة.
3- قابلية اللغة على تكوين أقاليم لغوية.
وهكذا قامت اللغة بعدة أدوار متباينة فى الجغرافية السياسية والتاريخ السياسي للعالم وهى:
أولا: قامت بدور الحاجز بين المجتمعات المتباينة اللغات واللهجات، بحكم طبيعتها التطورية.
ثانيا: قامت بدور الجسر بينها عن طريق النقل والترجمة، بحكم قابليتها للترجمة.
ثالثا : قامت بتكوين أقاليم لغوية عالمية، بحكم قابليتها للانتشار والتعلم.

أنواع اللغات:
ـ اللغة الوطنية.
هي لغة جماعة كبيرة من المواطنين فى داخل الدولة الواحدة ولايعني بالضرورة انها لغة الاغلبية فهناك دول كثيرة ليست بها اغلبية لغوية بالمعني الحقيقي للكلمة بل تسودها عدة لغات وطنية. ففي باكستان نجد اللغات الاردية والبنجابية والسندية ولغة الباشتو واللغة البلوشية جنبا الى جنب, وهذه لغات وطنية فى باكستان وليست هناك لغة من هذه اللغات يمكن ان توصف بانها لغة اغليبة.
ـ اللغة الرسمية.
هي اللغة التي ينص عليها فى الدستور, وتوجد انظمة دستورية فى اكثر دول العالم. وينص الدستور فى كل دولة من هذه الدول على تسمية لغة معينة هي اللغة الرسمية فى الدولة. والمقصود باللغة الرسمية، تلك اللغة التي تستخدم فى الادارة وفي المجالس النيابية والتي تصدر بها مراسيم الحكومة وتقدم بها الطلبات الى الوزارات المختلفة وتتعامل بها المؤسسات والوزارات المختلفة.
ـ اللغة الدولية.
اما لغات العمل فهي لغات محدودة العدد استقرت فى السنوات الاخيرة فى أطار التعامل بين الدول. ففي منظمة الامم المتحدة ووكالات المتخصصة مثل اليونسكو نجد مجموعة لغات توصف بأنها (لغات العمل). لقد كانت لغات العمل فى منظمة الامم المتحدة عقب انشائها بعد الحرب العالمية الثانية هي اللغات: الانكليزية والفرنسية والروسية والصينية والاسبانية. ولم يحدث بعد ذلك الا تعديل واحد وذلك بإضافة اللغة العربية الى تلك اللغات الخمس فأصبحت لغات العمل فى الامم المتحدة ست لغات.
كما ان هناك من حاول ان يتميز بين نوعين من اللغات هما:
1 ـ اللغات الميتة: وهي التي لم يعد احد يتحدث بها والتي استطعنا الحفاظ على اثارها كاللاتينية والاغريقية.
2 ـ اللغات المنقرضة: وهي التي ضاعت ذاكرتها بصفة نهائية.

عموما، يمكن تقسيم دول العالم الى مجموعات حسب اللغات وهي:
1 ـ دول أو أقاليم أحادية اللغة:
من الممكن ان تنتشر لغة واحدة فوق مساحة شاسعة عندما يحدث أي من المؤثرات الآتية:
أ ـ هيمنة عسكرية أو إدارية أو تكنولوجية لمجموعة بشرية على باقي أفراد السكان فى المنطقة.
ب ـ تطورات واسعة النطاق فى كل أرجاء الأقليم متمثلة فى نشر الأفكار الثقافية والاقتصادية والعلمية.
ج ـ انعدام العوائق الطبيعية التى تمنع الاحتكاك والاتصال الفكري بين المجموعة البشرية فى الإقليم.
ففي الصين على سبيل المثال انتشرت لغة الماندرين على حساب باقي اللغات واللهجات الصينية، لأن لغة المنادرين التى يتحدث بها سكان شمال الصين، والذين أصبحت لهم السيادة السياسية والإدارية فى كافة أرجاء الصين، نفس الحال بالنسبة للعربية والتى انتشرت مع انتشار الإسلام القادم من شبه الجزيرة العربية، والإنجليزية والفرنسية والأسبانية التى ارتبط انتشارها بالاستعمار والسيطرة على العديد من الدول فى أفريقيا وآسيا والعالم الجديد، والروسية انتشرت بعد سيطرت روسيا على مساحات شاسعة من سيبيريا.

2 - الدول ثنائية اللغة:
عدد من دول العالم لا تستطيع أن تصنع لنفسها شخصية لغوية محددة ولا تقدر أن يكون بها لغة فصحى رسمية على كافة أرجاء الدولة، فسكانها يتحدثون بلغتين أو أكثر. والدولة التى تعترف بلغتين رسميتين لها هى كندا (فرنسية فى الشرق) كويبك والإنكليزية فى معظم الدولة، وبلجيكا التى تسود فيها الهولندية بين السكان الغربيين والفرنسية فى الجنوب بين الوالون .

3- دول متعددة اللغات:
إذا كانت الدولة ثنائية اللغة قد استطاعت أن تتغلب على مشكلة وحدتها بين أرجاء الدولة، فإن بعض الدول تعاني كثيرا من مشكلة تعدد اللغات بين طياتها. فكثير من دول أفريقيا تعاني من تعدد اللغات لتعدد القبائل واحتفاظ كل قبيلة بلغتها، وخير مثال على ذلك ما نجده فى نيجيريا التى يزيد عدد اللغات عن (12) لغة تنتشر بين أرجائها. وكذلك الهند التى هى موطن لحوالي (16) لغة رئيسية على الرغم من أن اللغة الرئيسية حاليا هى اللغة الهندية التى يتحدث بها حوالي 30% من إجمالي سكان الهند والتى أختيرت كلغة رسمية بعد الاستقلال. وأصبحت اللغة الإنكليزية هى اللغة الثانية المتعامل بها فى الكثير من المصالح الحكومية نظرا لخضوع الدولة لفترة طويلة تحت الاستعمار البريطاني.
هذا التصنيف للغات وتوزيعها الجغرافي فى الدول والأقاليم يمكن أن يقود الى أبعاد سلبية لهذا التصنيف والتوزيع منها موضوعة الأقليات اللغوية حيث قد تظهر أقليات قومية موالية للدولة ، ولكنها تطالب بحريتها اللغوية أو استقلالها اللغوي ، وكثيرا ما تعترف الدولة بحرية استقلال الأقليات بلغاتها وتدرسها فى مدارسها ، ويرجع هذا لخوفها من المطالبة بالانفصال عن جسد الدولة ، إذا منعتها من استعمال هذا الحق . فقد اعترفت كندا باللغة الفرنسية فى كويبك ، واعترفت فرنسا بلغة البرتيان، وهولندا بلغة الفريزيان وهى لغة نوردية قديمة.

الهيمنة اللغوية:
يقصد بالهيمنة اللغوية لأغراض هذا البحث هو عدد متكلمي اللغة وانتشارها الجغرافي وشيوع استعمالها فى المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
هذه الهيمنة اللغوية ليست وليدة الوقت الحاضر وبروز ظاهرة العولمة ومفاعليها وإنما سادت من قبل لغات عدة فى أصقاع شاسعة وأصبحت لغة الإدارة والحكم والتعليم كما هو بالنسبة للغة الرومانية فى الإمبراطورية الرومانية، وكذلك العربية فى الإمبراطورية الإسلامية، ثم جاءت اللغات الأوربية أثناء فترات التوسع الاستعماري ومنها اللغة الإنكليزية التى أصبحت لغة الإمبراطورية البريطانية ثم لغة الإمبراطورية الأمريكية الحالية. وبكل الأحوال يجمع من كتب فى حاضر اللغات أن اللغة الإنكليزية هى اللغة العالمية المهيمنة حتى أن كثيرا من الكتابات نظرت الى اللغة الإنكليزية باعتبارها اللغة المعيارية العالمية.

مؤشرات الهيمنة اللغوية:
تُطرح فى هذا المجال بعض المؤشرات لقياس مدى هيمنة إحدى اللغات وعالميتها وعولمتها والتى تعكس بدرجة رئيسية مجالات استخدام اللغة وليس بنيتها وخصائصها الصوتية أو الصرفية أو النحوية أو المعجمية . ومن هنا فقد تم ادراج بعض المؤشرات لقياس الهيمنة اللغوية:
1- عدد مستخدمي اللغة:
هنا يمكن تمييز اللغة حسب مستويين، هما المتكلمون الأصليون والمتكلمون الآخرون، أي الذين يستخدمون اللغة كلغة أمّ، والآخرون الذين يستخدمونها كلغة ثانية أو ثالثة .
2-مدى استخدام اللغة المهيمنة فى المؤتمرات والاجتماعات الدولية:
إن كثرة عدد المنظمات والمؤتمرات الدولية فى فترة الحرب الباردة وما بعدها خاصة فى ظل العولمة وامتدادها الى أكثر مجالات الحياة ومن ثم ظهرت ضرورات لغوية جديدة... ولهذا فإن أكثر المنظمات الدولية تختار من بين لغات الأعضاء عددا محددا من اللغات لتكون لغات العمل الرسمية فتزداد مكانتها بذلك، وبصدق هذا أيضا على المؤتمرات العلمية فى كل فروع المعرفة، فاللغات التى تقبل بها البحوث، وتدور فيها المناقشات تكتسب بذلك مكانة وأهمية، وهكذا أصبح استخدام لغة من اللغات فى المؤتمرات والاجتماعات الدولية سمة من سمات عالمية اللغة وهيمنتها وعولمتها.
وقد قدر كريستال Crystal عام 1997 بأن 85% من المنظمات العالمية تستعمل الآن اللغة الإنكليزية كواحدة من لغة العمل فيها، و 49% تستعمل الفرنسية وأقل من 10% تستعمل العربية، والأسبانية، والألمانية.
3- نسبة المترجم في لغة من اللغات إلي ما يترجم في العالم:
هذا العامل يظهر المكانة الحضارية للغة بين لغات العالم باعتبارها رافداً ثقافياً هاماً وأداة للتفاعل الحضاري في بيئتها اللغوية وخارج هذه البيئات ايضاً. وحسب بعض المصادر اتضح أن 75% من الترجمات المنشروة فى العالم هى من اللغات الآتية: الإنكليزية 37%، الفرنسية 14%، الألمانية 11.5%، الروسية 9.5%، الأسبانية 3%.
4- نسبة ما يصدر من كتب في هذه اللغة إلي مجموع الإنتاج العالمي من الكتب:
تظهر الإحصاءات إلي أن الانكليزية تتحكم في حيز واسع من نشر الكتب علي نطاق العالم وهى الأكثر شعبية فى هذا المجال، فالإنكليزية تسيطر على 28% من الكتب المنشورة تأتي بعدها الصينية 13.3%، والألمانية 11.8%، فى بداية التسعينات من مجموع الكتب التى تنشرها سنويا فى كل اللغات، أي أن أكثر من نصف الكتب المنشورة فى العالم (53.1%) تصدر فى ثلاث لغات فقط، وأرقام اليونسكو للكتب المنشورة تبين أن بريطانيا تسبق أي دولة فى العالم من حيث عدد العناوين المنشورة فى كل سنة.

أسباب الهيمنة اللغوية:
أصبح واضحا أن اللغة الانكليزية تمتلك من معايير العالمية الشئ الكثير مما يؤهلها لكي تصبح لغة مهيمنة فى ظل العولمة التى تزيل عن طريقها الكثير من الحواجز والعوائق بفضل تدهور الوظائف التقليدية للحدود السياسية وانفتاح المجتمعات على بعضها، لكن لابد وان تكون هناك أسباب أو عوامل ساعدت على هذه الهيمنة للغة الانكليزية خاصة منذ عقد نهاية القرن العشرين، لعل أهمها ما يأتي:
أولا : ميراث التاريخ:
ان التوسع الاستعماري البريطاني أسس الظروف المواتية للاستعمال العالمي للانكليزية مع بداية تأسيس المستعمرات الأمريكية. والعديد من القوى الأوربية أيضا قد توسعت: فرنسا، هولندا، البرتغال، إسبانيا. أصبحت لغاتها استعمارية ، واللغتان الأخيرتان لاتزالان هامتين خارج أوربا فى أمريكا اللاتينية. لكن فى القرن التاسع عشر ، فان الإمبراطورية البريطانية بخليطها من السياسة والثقافة والتجارة قد قوّت من الموقع العالمي المهيمن للغة الانكليزية منشأة (لغة لا تغرب عنها الشمس).

ثانيا : بزوغ الولايات المتحدة:
مع نهاية القرن التاسع عشر، أسست بريطانيا الظروف المواتية للانكليزية كلغة عالمية مهيمنة واستقرت حول العالم، وعلى مداها كان هناك التجارة. ومن المعروف أن اللغات تتدهور مع تدهور الامبراطوريات، ولكن بزوغ الولايات المتحدة كقوى عظمى افسد هذه الفكرة. فالولايات المتحدة هي الان أقوى الدول الصناعية، وتمثل الدولة الثالثة في العالم من حيث الحجم السكاني، ولعل هذه السيادة للغة الانكليزية تعود إلي القدرات الكبيرة الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والثقافية للولايات المتحدة.

ثالثاً: العامل الديموغرافي:
إن تقدير الأمم المتحدة لسكان العالم عام 2050 سيصل إلي11.5 مليار نسمة. إن هذا النمو السكاني يحدث بنسبة اكثر في الدول النامية(اسيا، وافريقيا، وامريكا اللاتينية) أي ان الدول في هذه الاقاليم يصبحون بشكل متزايد اكثر شبابية. هذا التحول العالمي في موقع السكان الشباب سيكون له عواقب لغوية وبسبب ان الشباب هم فواعل أساسيون للتغيير اللغوي والتنمية بينما السكان الكبار يكونون اكثر استقراراً في عاداتهم الكلامية، فاننا يمكن ان نتوقع انماط التغيير اللغوي تميز تلك الاقاليم التي يزداد فيها الشباب، افريقيا، اسيا، امريكا اللاتينية، لكن درجة التحضر والحضرية في هذه المناطق وهي بمستوي تزايد، اضافة إلي شبابية الدول النامية وهجرتهم الدولية والمحلية سيكون له تأثيرات هامة علي ديموغرافية اللغة اذ ان تدفق السكان، والبضائع، والافكار بين دول العالم سيجعل اللغة الانكليزية اكثر انتشاراً واكثر مرغوبية.

رابعاً: التغيرات في الاقتصاد العالمي:
منذ الثورة الصناعية تتزايد ثروة العالم. وتشير الحسابات إلي ان الناتج العالمي الاجمالي لعالم 1750 (اسعار عام1900) قد بلغ 50 مليار دولار، والتنبؤات تشير إلي احتمال وصوله الى 250 تريليون دولار عام 2050.
ان من الواضح بان اللغة التي يتم تحكمها في الدول الاغني هي اكثر جاذبية للمتعلمين من تلك التي لا تجهز أي امكانية وصول إلي التحسن الشخصي أو النفاذ إلي الاسواق.

خامساً: دور التكنولوجيا:
ان الانكليزية اليوم قد تشكلت من قبل تأثيرات القوة الصناعية. وعندما تصبح الانكليزية اللغة العالمية للاكتشاف وعندما تتم التطورات السريعة في علم الموارد والهندسة، والتصنيع، والاتصالات، فإن وظائف اتصالية جديدة للغة تصبح مطلوبة. كما ان التغيرات الرئيسية في الثقافة واللغة خلال العقود القليلة القادمة هي تلك المرتبطة بالحواسيب والاتصالات، وعليه هناك اعتقاد سائد بأن الانكليزية والحاسوبية تبدو، ولعقود عديدة ، ستسيران معاً لان الحواسيب، والبرامج التي تجعلها مقيدة هي بشكل كبير من اختراع الدول الناطقة بالانكليزية، وبالتالي فإن اجهزة الحاسوب والبرامجيات تعكس الحاجة إلي اللغة الانكليزية. وهذا الحال مشابه لما كان عليه في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما تم ربط العالم بالتلغراف الكهربائي والذي علي طول أسلاكه امتدت اللغة الانكليزية.
وللتأكد من هذا الافتراض فإن المصادر تشير إلي أن عدد مستخدمي الانترنت في العالم باللغة الانكليزية يشكلون 36.5% وبغير الانكليزية 63.5%عام 2002.
سادساً: دور العولمة:
يدور الحديث حالياً بان الشركات العابرة القومية تدير ثلثي التجارة العالمية في السلع، وان 50 من 100 من الاقتصادات الكبرى في العالم ليس دولاً قومية وإنما شركات عابرة القومية، كما يشار إلى أن غالبية هذه الشركات تقيم مقرها الرئيسي في الكتل الاقتصادية الثلاث الكبيرة (الاتحاد الاوربي، الولايات المتحدة، اليابان). وفي المرحلة الحالية من تطور الاقتصاد العالمي فإن الانشطة العالمية للشركات عابرة القومية تعزز نشر الانكليزية.

عواقب الهيمنة اللغوية:
إن الهيمنة اللغوية وهي التي اتصفت بها اللغة الانكليزية حاليا لعدة اسباب لها عواقب متعددة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية يمكن ان ندرج منها ما يأتي:-
1- تزايد ظاهرة انقراض اللغات.
2 - احتدام الصراعات بين القوى الكبرى.
3 - إضعاف المشاركة الديمقراطية.
4 - ظهور مفهوم الامبريالية اللغوية.
5-هيمنة اللغة فى الفضاء الالكتروني.

التوزيع الجغرافي لمتكلمي اللغة الانكليزية

الخاتمة :
ان دراسة اللغة من منظور الجغرافيا السياسية لا تبدو بالنسبة للباحث على الاقل ناضجة فى الوقت الحاضر، خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار تحدي ظاهرة العولمة بأبعادها المختلفة. ولهذا يُعد هذا البحث محاولة أولية لتوجيه الانتباه الى اللغة ليس كظاهرة اجتماعية فقط، وإنما كظاهرة متعددة الابعاد ـ اجتماعية واقتصادية وسياسية وجغرافية ـ يمكن فى حالة استغلالها تحقيق مكاسب جوهرية فى هذه المجالات بما يحقق امكانية الحصول على النفوذ والتأثير والهيمنة الاقليمية والعالمية ايضا كما هو الحال بالنسبة للغة الانكليزية التى هى لغة القطب الامريكي المهيمن على النظام العالمي والتى يتوقع لها الاستمرار فى هذا الاتجاه بما يحقق مزيدا من القوة الولايات المتحدة وبما يمكن أن يقود الى حروب لغوية بين القوة المهيمنة، والقوة الناهضة المقاومة كالصين أو القوة التقليدية كفرنسا عبر رابطتها اللغوية المعروفة بالفرنكفونية كأهم آليات المقاومة.
ولعل هذا ينطبق على الوطن العربي ولغته العربية التى يعتقد البعض أنها عرضة للانقراض واستنتج ذلك من شواهد عديدة منها خصخصة التعليم وكذلك افتتاح مدارس ومعاهد وجامعات أجنبية فى الوطن العربي وقيام هذه المدارس والمعاهد والجامعات بتدريس مقرراتها بالإنكليزية أو الفرنسية بدعوى الاستجابة للطلب المتزايد على التعليم العالي وتوفير كفاءات عالية تتلائم مع طلبات سوق العمل ، وبدعوى إيجاد تنافس بينها وبين الجامعات الوطنية .
كما أن هناك من يشير الى ان منظمة الأمم المتحدة تتجه الى الغاء العربية من بين اللغات العالمية الرسمية فى المنظمة وهى : الانكليزية والأسبانية والفرنسية والروسية والصينية والعربية وذلك لثلاث أسباب هى :-
ـ عدم استعمال ممثلي الدول العربية للغة العربية فى الأمم المتحدة فهم يستعملون الانكليزية أو الفرنسية.
ـ عدم وجود مترجمين عرب أكفاء يجيدون اللغة العربية.
ـ عدم وفاء معظم الدول العربية بالتزاماتها المتعلقة بدفع نفقات استعمال العربية فى المنظمة.
يضاف الى ما تم ذكره ، فإن تبعية الوطن العربي الثقافية والاقتصادية والعسكرية للمركز الرأسمالي العالمي بزعامة الولايات المتحدة يتبعه انتشار لغة الغالب فى بلاد المغلوب وحلولها محل لغته .
كل ما ذكر يدفع باتجاه تبني سياسة لغوية متكاملة الابعاد وفعالة ومدعومة حكوميا حفاظا على مستقبل الأمة وهويتها ومقاومتها لما يعرف بالأمبريالية اللغوية والتخلص من الهيمنة اللغوية.

هذا وتم الإعلان عن المنشط القادم وهو أمسيّة شعرية للشاعر مفتاح ميلود بتاريخ الإثنين 2009.3.9.

رابع الأماسي : الفنّان خالد لطفي


أقام منتدى أماسي البيضاء الثقافي رابع أماسيه يوم الاثنين الموافق 2 - 2 - 2009 . وكانت أمسية موسيقية للفنان خالد لطفي تغنى خلالها بثلاثة عشر أغنية لعديد الشعراء الغنائيين الليبيين فأطرب وأمتع الجمهور الذي كان حضوره متميزاً من ليبيين وغير ليبيين . هذا وسيتم تنزيل بعض هذه الأغاني في الباب المخصص لفنان خالد لطفي حتى يتسنى للجميع الاستماع والاستمتاع بها .

(ابيجراما) الصديق بودوّارة

النص الابداعى قد لايتوقف عند حدود مفاهيميه ثابته او اطر يمكن أن تؤطر الخطاب الابداعى من خلال اشكاليات الالتفاف حول الاشكال لا المضامين ومن هنا كان لابد من التوقف ولو لبرهة عند لحظة التشابك هذه لمعرفة هل حققت هذه المقولة ارضا صلبة من الممكن التوقف عندها على اعتبار ان الفنون الادبية فى الآونة الأخيرة فتحت الباب على مصراعيه لأنواع من التراسل بين الاجناس الادبية. ويبدو لى ان الاقتران الكلى لهذه المقولة جاء متطابقا مع الشعر كأكثر الاجناس التى استفادت من هذه المقولة والى الآن وفى كل لحظة لا نتوقف عن التقاط انفاسنا لنقرأ نصاً شعرياً يعتمد فى خصوصياته اعتمادا كليا على مقولة اقتراب الاجناس الادبية....
وبين ايدينا اليوم نصوص للقاص المعروف (الصديق بودوارة) والذى خالف عادته وامتطى صهوة المغامرة فى نصه (البحث عن السيدة ج) الصادر عن منشورات مجلة المؤتمر عام2005 ويقع الكتاب فى 120 صفحة من القطع المتوسط يحفل بـ179 مقطعاً. ورغم إن الصديق يصر على أن هذه التجربة ليست تجربه شعرية الا ان النص قد حقق تقارباً مابين الصياغة السردية للنص الشعري الحديث ومفهوم الحداثة الشعرية. إننا نتوقف أمام مايمكن على ان نسميه (إبيجراماepigram)* وهو فن فى ابسط تفاسيره انه نص قصير مركز العبارة يستعير من القصة القصيره الومضة الخاطفة وذلك بالاعتماد غالبا على (المفارقة) واختيار اللفظ الدال والعبارة الدقيقة** والمعادلة الصعبة التى ارادها للاستفادة من امكانياته كقاص فى صياغة نص نثرى ينتهى بأينه. وتقوم الابيجراما عند الصديق بودواره على عناصرها الاساسيه وهى:
1 ـ القص والسرد القصصي.
وهنا استفاد الصديق بودوارة من إمكانياته كقاص في خلق تنويعات حكائية وطدت المضمون العام لنصوصه وكذلك خلقت نوعاً من التراكمات التي عول عليها الكاتب في خلق الإسقاطات المتوالية والتي صنع من خلالها نصه، وسمة السرد القصصي تعج بها اغلب نصوصه في هذا الكتاب ابتداء من المقطع الأول وانتهاء بآخر مقطع معتمدا على التكثيف والتراكمات التراثية التي لا حصر لها في نصوصه.
2 ـ المماثلة والمشابهة والامتزاج من جانب ومن خلالها يعيد تناغم العلاقة بينه وبن سيدته ج التى يبحث عنها:
(اسمعي ..
أنا لك...
مثلما الأهرام لملوك الفراعنة
وأنا لك مثلما النيل ملك لمصر
وأنا لك
مثلما الفقر لبنغلاديش
والغرائب للهند
والقهر لمن يحتلون أرضه
والذل لمن يتنهكون عرضه).
يقابلها فى الجانب الآخر علاقات تضادية تصنع نوعاً من المفارقة من جانب يقابله فى الجانب الآخر التناقض والتضاد لخلق حالة عالية السمو من التكثيف الذي جاء لخدمة المتن العام لنصوصه:
(ومنك يبدأ السكون..
وبيدك تغتالين سكينتى..
أجمعك من ألف مكان ومكان..
وتتناثرين من يدي كغبار لا مكان له...).
3 ـ صوت الحكمة التى يعتمدها فى نصوصه كعلامات تتوزع من خلال تنويعات تخلق نوعاً من المعنى الضمني المبطن في نصوصه:
(لا تفرط في الثقة..
كي لا يتكسر يقينك
ولا تفرط في الحب....
كي لا ينكسر قلبك...
ولاتفرط في الحلم
حتى لا تموت).
4 ـ التهكمية والسخرية وهو أسلوب يتقنه الصديق بود واره في اغلب نصوصه الابداعية.
(تسألين متى؟
حدث الأمر منذ أزمان سحيقة...
لم أكن قد خلقت بعد....
كانت الدنيا مشغولة بديناصور بائس يحلم
بتقاسم وجبة من العشب مع أول أرنب برى يصادفه..
كانت بابل تحلم بحديقتها ...
وكانت مصر ترسم الأهرام خيالاً
على صفحة النيل الخالد...
لم يكن معاوية بن أبى سفيان قد استباح لحم دولة الإسلام
بأنيابه الإمبراطورية القاطعة...
ولم بكن الحسين قد رأى الغدر فى كربلاء بعد.
لم أكن قد عرفت الأحلام ومراودتها ..
ولم أكن قد رأيت حلما واحداً....
لكنى رأيتك فيما يرى النائم .*1
او فى نصه :
(سقطت بغداد؟
حسنا حبيبتي
ليس الأمر بهذا السؤ
وبعض الصور التى لم تهشم
وبضع أكاذب لوزارة الإعلام
لم تُكذًب بعد).
5 ـ التكثيف والإيجاز.. وهى سمة نراها تتخلل المقاطع بشكل مدهش ورغم صغرها المتناهي إلا إنها تقودنا إلى ترابط مع بقية النص الذي يشكل اللحمة الاساسية:
(ابتعد عنك دهرا
وأتمناك طيلة الوقت!!!).
أو:
(سأسكت الآن فصدري ممتلىء
ولساني ميت
وصمتي طويل).
6 ـ التوظيف الرمزي لرحلة البحث وإثرائها بمضامين ابتداءً منذ زمن ما قبل التاريخ وانتهاء بعصرنا الحاضر. ان الرموز التى وضعها الصديق تدعو للحظات من المقابلات مابين الحالة المرتهنة بما يكتب وماهو كائن بالفعل وعلى مر الزمن من انكسارات وخيبات وهو من هنا يضع هذه العلاقة بينه وبين سيدته الموهومة كعلاقة مملؤة بالانكسارات وخيبات الأمل بالاضافه إلى أن التداعيات الرمزية خلقت نوعاً من التراكمات التي يحفل بها واقعنا المعاش...
(وأصادفهم..
كان موسى بن نصير يتسول في شوارع أجداده
بعد أن أنجز فتح الأندلس..
وكان محمد بن القاسم
يتعفن في سجنه بعد أن فتح السند
بينما كان المهلهل يذوب في درعه الحديدي
بانتظار جرعة ماء....
كلهم كانو يموتون على مهل).
أو:
(أنا العربي..
ضاعت منى الصحراء يوم ولدت
والحرية عندما اغتصبها الطغاة
وبغداد عندما حشيت بالأنفاق وبطنت بالأكاذيب
والبصرة عندما رسبت في امتحان النحو
وكربلاء عندما غدرت بالحسين
ومضيق جبل طارق عندما مات طارق
والقاهرة عندما انهارت الاهرامات
وقرطا جنة عندما باعت هانيبال).
إن النص الذي بين أيدينا اعتبره مترابطا سواء في المتن أو الهوامش اللاحقة فهو يقود إلى أينه في كل حالاته سواء حالات البحث الدائب عن السيدة الموهومة والمتصفة ب(ج) أو العلاقات الترابطية في الاستدعاءات التاريخية التي عكست مسيرة الإنسانية برمتها بداية من عصور ما قبل التاريخ والى يومنا هذا.
والنص كلام يبدأ بـ(أنت المتن والدنيا هامش كبير).. مرورا بأفعال الإخبار والحكايات التي لا تنضب. وفى جعبة الصديق الكثير من التنويعات فيها ليأخذك الخيط الخفي إلى نهاية الكلام كما السكوت بعد كل هذا الكلام. ليختم نصوصه في رحلة البحث عن السيدة ج بهذا المقطع:
(سأسكت الآن فصدري ممتلىء
ولساني ميت
وصمتي طويل).
وبعد.. سنعتبر هذا الكتاب إضافة رائعة تضاف إلى رصيد الصديق بدوارة الذي يصر على إدهاشنا إبان كل إبداع.

قراءة فى قصة الهاوية للكاتب : الصديق بودوارة


هذه قراءة قد تكون متأنية فى قصة الـ(( هاوية )) للكاتب أو الأديب : الصديق بودوارة .. واسمحوا لى فى البدء أن أسجل اعتراضى على تسمية الصديق بالقاص .. لأننى كمتلقى سأستنتج تلقائياً وبدون بذل أى مجهود أن هذا الشخص الذى دُثِّر بلقب قاص إنما يكتب القصة القصيرة دون سواها .. ونحن نعلم أن الصديق مثلاً يكتب إلى جانب القصة المقالة والرواية والخاطرة .
وعلى ذكر الخاطرة .. أنا أعتقد أن الصديق قد ارتكب خطأً عندما كنّى مجموعته (( البحث عن السيدة ج )) كتابةً بالشعر .. ولفظاً فى بعض المقابلات بالنصوص ..
· فالحالة الأولى لا يمكن قبولها لأن المجموعة ليست بالمجموعة الشعرية .. وهذا ربما سيقودنا إلى طرح سؤالٍ كبير محتواه متسعٌ جداً ويتطلب تخصيص مساءٍ كاملٍ لإثارته وهو : (( أزمة الشعر )) دون الخوض فى هذا المقام فى أية تفاصيل .
· أما الحالة الثانية فهى كذلك غير مقبولة لأن النص تسميةٌ عامةٌ .. واسعة .. غير قابلةٍ لآداء المعنى التام .. فعندما نقول نص فإن هذا النص غير محدد الجنس .. فهو قد يكون قصةً أو مقالةً أو شعراً أو خاطرة .. ولست أدرى إن كان الصديق قد تعمد ذلك ليترك للمتلقى اختيار التسمية الدقيقة وفقاً لما تفضى إليه قراءاته للمجموعة ككل ..؟.. أم أنه هو ذاته لم يك بقادرٍ على تحديد الجنس الصريح لتلك النصوص ..؟!.. غير أنه بالنتيجة قد حيّر القارىء فى هذه النقطة بالذات .
وعلى ما تقدم فإننا ينبغى أن نسحب بهدوء لقب قاص لندثره بلقب كاتبٍ أو أديب .. فهما أكثر جمعاً وشمولية .. تماماً ككلمة نص الجامعة والشاملة .
... عودة إلى قصة الهاوية .. والتى جاءت أيضاً ضمن المجموعة الثانية للأديب الصديق بودوارة وهى مجموعة (( آلهة الأعذار )) الصادرة عن دار البيان عام 2003 .
القارىء لهذه المجموعة سيشعر أنها جزءٌ من سيرة المؤلف .. وإذا ما نظرنا للموضوع نجده عاطفياً يدور حول النصف الأخر فينا .. النصف المفقود حتى العثور .. وبالعثور عليه وبوجوده لابد أن تبدأ المرحلة الحقيقية من حياة أى منا .. المرحلة المتخمة بالشقاء والعذاب والهم اللذيذ .
أما اللعبة الأساسية التى نجح المؤلف فى اختيارها لينسج حولها خيوط حكايته فقد تمثلت فى اختياره لإحدى أشهر الألعاب الشعبية فى هذا البلد وهى لعب الورق .. وتحديداً لعبة الـ(( سكمبيل )) .. والتى أتوقع شخصياً أن يأتى اليوم الذى تضطر فيه ليبيا إلى تنظيم دورى للمحترفين فيها ..!!.
ولعل الأسلوب فى القصة كان أسلوباً مميزاً يميل إلى الإختصار المرغوب مع تغذيته بقوة العبارة ودقة التصوير .. غير أنه يقترب فى بعض الفقرات من المقالة وبخاصةٍ فى مطلع القصة عندما يصف الـ(( مربوعة )) حيث يقول :
- وكانت المربوعة التى سبق ذكرها فى حالٍ يستحق الرثاء بالفعل إلى حد أنها كانت مجرد طللٍ دارسٍ يستجدى من يبكى عليه ويطيل البكاء .. كانت جدراناً أربعة .. ولعل هذا هو الشىء الوحيد المتكامل فيها .. تحتاج إلى طلاءٍ عاجلٍ وترميمٍ سريعٍ وبعض الآثاث المستعمل .. ولا مانع من إزالتها بالكامل درءً للشبهات .. وليس هناك ما يمنع أيضاً من المحافظة عليها احتراماً لمصلحة الآثار .
ويأتى الكاتب على صورٍ اعتياديةٍ عهدناها فى هذا المجتمع المرتبط بجذور أمته .. مثل التشاؤم من الأنثى والتفاخر بالذكر .. وهى ماتزال موجودة برغم أنها أقل حدةً من عصورٍ سابقة .. ويستخدم لعبته الأساسية فى تصوير هذه الناحية على لسان الحاج عثمان .. صاحب الحكمة البليغة واللسان الفصيح عندما يقول :
- الولد يا حاج مثل اللّصْ تماماً .. تمتلكه فى يدك فتضمن (( مطلوعك )) على الأقل .............. (( إلى أن يقول )) : ... أما البنت يا حاج – لا سمح الله – فهى كورقة التريس .. ما إن ترفعها حتى يتصبب جبينك عرقاً وتخبئها بعنايةٍ .. وتظل طوال الطرح صامتاً وكأنك فقدت عزيزاً .. ولا يهنأ لك بالٌ حتى تتخلص منها قبل أن تقع فى قبضة اللّصْ .
وعموماً .. فالقصة مليئة بالمرارة وبالسخرية التى لا أقول إن الكاتب تعمدها بقدر ما كانت ضرورةً لبيان القصد الذى هو مُرٌ بطبيعته مثل قوله :
- وكنت حائراً فى فهم العلاقة بين الطفلة الغضة التى أنجبتها أمى ليلة البارحة وبين المصيبة التى أنزلها الله على رأس والدى حباً فيه .
وقوله :
- إحتوانى الفراش وبدأ الدفء يتسلل ومعه الهواجس .. الوسادة كتلةٌ من الهموم .. وكيف ينام من يتوسد الهموم ؟.
وأعتقد هنا أن هذا السؤال كان زائداً لأن العبارة التى سبقته كانت كافيةً لآداء الغرض .
وقوله :
- الشقة حلمٌ مستحيلٌ والمهر ترفٌ لا أستطيعه .
وقوله :
- أقبل النهار كعادته كل يومٍ بليداً متثائباً .. يحمل على عاتقه شمساً باردة .............الخ
ووصف الشمس بالباردة ليس للدلالة على الفصل فقد عرفنا بعد ذلك أن الفصل كان صيفاً عندما قال : (( نحن فى أغسطس .. وتحت الشمس اللاهبة يذوب كل شىء )) .. وإنما هو للدلالة ربما على الرتابة المملة للأيام التى تنقضى كما تأتى بدون أملٍ كبير .
ولعل قوله :
- كان منزل عبد الباقى درويش محطتى الأولى .. وجدته مهجوراً من صاحبه فصرت أضرب فى شوارع مدينتى على غير هدىً .. هى مدينتى بالإسم .. بالبطاقة الشخصية وليست بالإنتماء .. لكنها مدينتى ولا أحب سواها .
هذا القول هو ما جعلنا نرجح أن القصة جزء من سيرة المؤلف .. أما المدينة فهى بلا شك مدينة البيضاء .. ذلك ما كشف عنه فى وصفه وهو يقول :
- كنا قد وصلنا إلى حدود المدينة حيث تتقاطع أبنيتها الرمادية مع خضرة الجبل .. ويذوب ضجيجها المعتاد فى صمت الشجيرات القصيرة وممرات الغابة المتفرعة .
ويستمر فى الوصف الممزوج بالسخرية المرة حين يقول :
- هل رأيت يوماً عيون الحوريات ..؟.. إنها واسعةٌ كذمم المرتشين .. شديدة السواد كحياةٍ مضنية .
وعلى كل ما تقدم .. فإن هذا النص القصصى كان جامعاً .. فيه الموضوع الذى هو بالطبع ليس بالجديد .. لكن الجديد والمميز لدى الصديق هو أسلوب تناول الموضوع .. والنسج والحبكة اللتين نجح القاص فيهما وهو ينسج لنا الحكاية بخيوطٍ أساسها لعبة الـ(( سكمبيل )) .. ثم الزمان والمكان والشخوص الذين نعرفهم بملامحهم وعشقهم وهمومهم وطرق عيشهم وكلامهم ورائحة عرقهم أبناءً لهذا البلد .. وكل ما تخلل الحدث من صورٍ ومشاهد وأحداثٍ فرعية ٍ ووصفٍ مثخنٍ بالمرارة حتى آخر عبارة عندما يقول منهياً حكايته :
- وتصب لهيبها الساخن على رأسى المثقل ألماً بتأثير الصداع وهول المفاجأة .. ووجه فاطمة الوضاء .. والمهر المستحيل .

الصديّق بودوارة وحقائق الأسطورة


قرأت العديد من الورقات النقدية في أدب القاص الليبي (الصدّيق بودوارة) كان ذلك عقب صدور مجموعته القصصية الأولى( شجرة المطر) ومن خلال تلك الورقات تعددت المذاهب النقدية التي غلب على بعضها طابع القراءة الأولى الخالية تقريباً من مضمون النقد مما تسبب في وقوع أصحابها في شرك التعمق المباشر نحو( ورقة التوت) ذلك أن الحقيقة التي يفضّل الكثير عدم البوح بها هي أننا بمثل تلك القراءات نخلط بين الانطباع الأوليّ و النقد على الرغم من وضح الفارق بين النقد الحقيقي و اللا نقد.إن أُسس رسالة النقد التي كانت ولازالت تقر بان العِلم يبحث الأشياء العامة , أما الفن فإنه يبحث في الأشياء الخاصة.. والأدب من صنوف الفن وهو بذلك يحمل تلك الصفة الخصوصية من البناء الدقيق لوحدة فنية مستقلة عن ( بقية العلوم ) وبالتالي فهو غني بقوانينه ومنهاجه الفني المستقل .. وعندما نتعرض – بالنقد - لأصحاب هذا الأدب وإبداعهم فإنه من الضرورة بمكان أن يدرس كل كاتب كوحدة مستقلة - بمعني أن أية محاولة , لتشويه ما يكتب أو تحريفه أو تحميله غير ما يتضمنه هو نوع من القبح الغير مبرر إطلاقاً , وإن كان ذلك من خلال بهرجة الكلمات وتنميقها.أيضا فإن محاولة خلق دراسة مقارنة بين أديب وآخر سيظل نوعاً من العقم الغير مجدي لإكتشاف نوعية وقوة الأديب.يقول الدكتور عيسى الناعورى:(النقد هو كشف وإنارة لجوانب العمل الفني تبين مزايا الفن والإبداع والخلق فيه بوعي وبصيرة وفكر نّير ) . وعلى ذلك فإن الإيمان بأن الخلق والإبداع هما أساس العمل الأدبي هو وحده فقط ما يخّلص النقد من النزاعات الخاضعة للمذاهب والأهواء .إن النقد المنتشر بكثرة على خارطة ثقافتنا الآن يغلب عليه طابع القصور في ثقافة من يتصدى له أو أنه يخضع لمعايير شخصية أو مزاجية ليخلق في النهاية روىء نقديه بعيدة عن الذوق والوعي.وإن هذه الظاهرة أيضاً تؤكد الرأي القديم المتجدد القائل بأن( البعض) من الذين يتناولون النقد يعانون في واقع الأمر من حقيقة انهم لم ينتجوا شيئاً بعد.أي أنهم مازالوا في بداية الطريق , مما خلّف في نفوس الكثير منهم هذا التردد الذي خلق منهم طابوراً من ( المتأدبين ) وأداة تحطيم لأسماء لها بصمة واضحة في مسيرة الأدب.وعند ما نورد ذلك فهذا يعنى دعوتنا الصادقة والصريحة لإبعاد النقد عن تسلق أكتاف الغير لبناء صرح شبه ثقافي يقوم على أساس محكوم عليه سلفاً بالانهيار.أو الحساسيات التي كانت وراء الكثير من الآراء والتي لم ترق إلى مفهوم النقد.إن للناقد –الأصيل - نظرته للنص الأدبي بما يحمله من جوانب جمالية وبناء لغوى جيد , متحاشياً الخلط بين رسالة النقد و العلاقة الشخصية .. سواء كانت هذه العلاقة إيجابية أو سلبية . إن العودة بالرسالة النقدية إلى أسسها الصحيحة,وأصحابها المتخصصين هي خدمة جليلة للأدب والأدباء.ومجمل القول فإن مرحلة التباعد آلتي حدثت بين وجهة نظر الناقد والأديب أصبحت واسعة لأن العامل الأساسي المتكون في ذهن الأديب هو أن أعماله ستكون بمنظور شخصي وليس نقدي,بواسطة( بعض )الأيدي الغير مهيأة للقيام بواجب النقد الذى نعرف . إن الصديق بوداورة في كثير من قصصه أجاد لعبة الغوص في (اللاواقع) فأجاد الولوج من باب لم يطرقه الكثير نظراً لما وراء هذا الباب من حساسيات محسوبة ..هذا الولوج في حقيقته الأولي هو شد الرحال نحو (الأسطورة).. ليس لأن الواقع فقير بصوره .. لكنه كان نوعا من الترفيه الباذخ والمحسوب بدقة من القاص ودلالة على تمكنّه , وكان بذلك قد نجح فعلاً في تحميل قصصه بمجموعة رسائل بلاغية قد لايتيسر قراءتها لو وضِفت من خلال القصص التى تحمل طابع المباشرة,وهذا أيضا لا ينفى الموافقة على أن هذا الترفيه الباذخ كما أسلفنا القول , هو إقرار بأن الواقع قد لا يشبع النفس الظمىء بالصور لشدة الواقعية المحيطة .. إن من يقرأ للصديق بودوارة سيجد الغوص في عالم - اللاواقع أو الأسطورة - هذا الفن الرفيع الممتنع الذي عرفه القدماء قبل الكتابة ذاتها عندما رغبوا في سوق محاولة تفسير الظواهر الروحية أو الطبيعية ليصلوا إلى ما يريح عقولهم دون مزيدٍ من الاستغراق في البحث عن قاعدة الحقيقة – التي ولدت بعد ذلك على حقب متعاقبة من حضارة الإنسان.والأسطورة أيضاً عرفت مكتوبة حينما كتبت ملحمة جلجامش السومارية والتى كانت هي البعث الأول لها - أي الأسطورة - .. وزميلنا الأديب ( الصديق بوداورة ) عندما خاض هذا العالم الضبابي بقلم ولسان المتمكن – خلق نوعاً من التوازن الدقيق بين البحث والسؤال , والكمّ من الإجابات في فسحة تمتد حدودها من حيث نجلس إلى ما وراء الحاجز الضبابي الآخر الذي نجهل أكثر تفاصيله .. وعودة للتوضيح فإن هذا التوازن كان الجسر أو حلقة الوصل بين أطياف شخوصه وبين واقعيتنا.والمدقق في مجموعته شجرة المطر سيجد هذا الميزان الخفي.ويتملكني شعور بأن بودوارة كان يدعونا إلى نبذ الاسترسال في قوقعة أنفسنا داخل الواقع المقروء سلفاً وإن كانت هذه الدعوى بعيدة عن المباشرة.وفي ذات الوقت فإن بودوارة كان أكثر حرية في تحرى الأحداث ودفعها بالتساوي بين عالمنا والعالم الهلامي الآخر.فالترقب هنا قائم بين أن نفهم ما يريد أن يقوله لنا وبين ما يرمى به إلى خيالاته الأدبية وراء حجاب الأسطورة.

تقنيات التكثيف والسرد في شجرة المطر


الصديق بودوارة هذا الكاتب الصحفي تعرفت على نتاجه في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، وهو معنيّ بما يكتب شغوفٌ بالقصّة على وجه الخصوص ، عرفته يحيط قصته ومقالته بكل ما أمكنه من عناية ، فهو ينمّقها ويراجعها عدة مرات ثم يعيد كتابتها يخطه الحسن ، وهذه ميزة أخرى خصّ بها نفسه وجمّـلتْ عمله .. بدأت أتعرف على هذه الخصائص فيه عند ولادة صحيفة الجبل الأخضر لأول مرة سنة 1991 .. كنا معا أنا والصّديق والناجي الحربي وسالم الهنداوي ومحمد يوسويق فريقا واحدا للتحرير .. وكان فارس العوامي وسعد العبرة وفوزي الغويل وعلي فرحات أكثر الكتاب نتاجا وترددا على الصحيفة ، ثم ووفد على الصحيفة كثير ممن أراهم الآن أمامي .
ومع تفرّد الصديق بودوارة بأشياء سأذكرها إلا أنه ينضوي مع عدة قاصين آخرين في تقارب شكلي وموضوعي ؛ كإبراهيم بيوض في مجموعته القصصية خفايا التأويل ، ومحمد الزنتاني في الصهيل ، ونجوى بن شتوان في قصص ليست للرجال ، ومفتاح قناو في عودة القيصر وسالم العبار في خديجار ، وخليفة حسين مصطفى في القضية وصخب الموتى ، وأحمد نصر في الحساب والجفاف ، ومحمد سالم الحاجي في الوجه الآخر مع اختلاف الذائقة الأدبية بينهم في الموضوع ، أما في الشكل فله وضعه الخاص لما سأقوله من أسباب .
شجرة المطر هي المجموعة القصصية الأولى للكاتب الصديق بودوارة ، وقد حشد فيها إمكانياتٍ لم يحشد مثلها في ما تلاها من مجموعاته القصصية .
أول ما نلمحه على (شجرة المطر)كونَها تمثّل دنيا كبيرة ، ليس للحاضر الليبي فحسب وإنما هي تحمل الصفة العالمية نظرا للهموم المشتركة التي تعتري البشر جميعهم ، فهذا الرمز الكبير الذي وضعه لقرية (أم الجراد) له نظير واقعي زمانا ومكانا وشخصيات في أرجاء هذه المعمورة ..
وإلى حد الآن ـ ومن وجهة نظري على الأقل ـ تعتبر شجرة المطر من أروع ما كتب الصديق بودوارة ؛ لأنها مكتوبة بلغة راقية تنأى عن المباشرة وتحيل إلى شفافية الإيحاء .. فشجرة المطر يمكن أن تُقرأ عديد المرات بوجهات نظر مختلفة لما بها من تكثيف يحتمل أكثر من معنى .. وعلى سبيل المثال ، فاختراع العفريت من وراء الطبيعة وطلوعه في هذه القرية البائسة توحي بأن مشاكل هذه القرية من العسير حلها إلا بأعجوبة كأعجوبة العفريت .. هذا العفريت السيئ الحظ الذي اُستغل استغلالا سيئا إذ صار بمثابة عصا موسى بالنسبة لعابر السبيل الذي وجده .. كما ترمز المطالب التي انكبت على رأس العفريت إلى تكالب الناس وهلعهم وإطلاق العنان لغريزة التملـّك فيهم ، ودموع العفريت التي سكبها عندما أصيب بالغثيان والملل من سماجة وطمع البشر متمثلة في عابر السبيل ، وكونت هذه الدموع بحيرة من الملح في قرية أم الجراد ، ترمز تلك الدموع إلى البكاء على القناعة الميئوس منها في نفوس الناس .. فالعفريت والقرية رمز كبير يستغرق هموم الدنيا وشقائها وغطرستها على أن يكون لكلِّ شخصٍ نصيب في ذلك ، كما النصيب لسكان قرية أم الجراد سواء بسواء.. وذلك الملح يحوي مفارقة ذهنية ، فمن جانب هو فأل حسن يستملح به في تراثنا الشعبي ، وهذا جانب مضيء ، إلا أن له في قرية أم الجراد جانب مظلم فالملح يرمز إلى النكد والتعاسة وصعوبة العمل وثقله ، لا يشتغله إلا من كُتب عليه الشقاء ، كما يحيلنا إلى كونه حارقا يحرق الأكباد ، ومعادلا موضوعيا للأعمال الشاقة التي يمارسها أهالي أم الجراد كل يوم ، شقاء نحس به حتى في اسمها الشرس (أم الجراد) ، يرمز إلى القحط والجدب وفراغ الجيوب .. كل ذلك تلميحا وليس تصريحا. وهذه هي الأوتار غير المرئية التي يعزف عليها الصديق بودوارة .
وفي أم الجراد أتى القاص على ذكر جمال النساء فيها ، وإنهن المتعة الوحيدة في هذا الجفاء القابع في أم الجراد، والجانب المسلـِّي الوحيد الذي يخفف من عناء الرجال ، ليرمز بذلك إلى أن الإنسان إذا حاق به الفقر والتعاسة قد ينسى كل زخارف الدنيا وبهجتها عدا بهجته نحو النساء .
أما في قصة (شجرة المطر) التي جعلها عنوانا للمجموعة ، هذه الشجرة التي نبتت فجأة في أرض أم الجراد القاحلة ، فهي معنىً كبير ومكثف جدا ، ترمز إلى عدة أشياء متقاربة ، فشجرة المطر من احتمالاتها الرمزية الخلاص والملاذ المؤقت لأهالي أم الجراد .. شجرة المطر قد ترمز إلى كرّ الزمان وفرّه ، قبول الدنيا على الإنسان وفرارها ، وترمز أيضا إلى الفرصة التي تتاح للبعض ويحرم منها البعض الآخر ؛ فجياش الأعرج من بين الذين أتيحت لهم هذه الفرصة ، وشفي من عرجه عندما أكل من أوراق شجرة المطر المفلطحة .. فالعبارة مكثفة وتشير إلى عدة احتمالات .
في حين بدأت الشجرة تغير عادتها وترفض الاستشفاء بها ، ولم تعطي الذين تأخروا في زيارتها إلا طعمها المر.. وصارت النساء يلدن إناثا ممسوخين ما يرمز إلى حالة من التأزّم والتوتر، ما يرمز إلى همٌّ جديد على رؤوس سكان أم الجراد إضافة إلى همومهم السابقة.
وثمة قاسم مشترك بين قصة أم الجراد وبقية القصص الأخرى، هو كونُها تدور جميعا على البؤس بأشكاله المختلفة .. فالسكان في قرية أم الجراد فقراء معدمون ، ليس أمامهم غير جمع الملح من قاع البحيرة وفيه من العناء ما فيه .. والزلزال في قصة الزلزال لم يكتو بناره وبوائقه سوى ساكني الأكواخ الذين يعانون سوء التغذية وذل السؤال والجوع الكافر.. وقصة (مجهول) يموت فيها الجمل وراكبُه في جحيم الصحراء الواسعة .. وقصة دائرة الذات قصة إنسان موجوع القلب ومهموم إلى الثمالة ، دخل الفلم ليسرّي عن نفسه ويخفف عنها مشاكسة الزمان فشاهد في الفيلم تعاسة توازي تعاسته ، كان بطل الفيلم معادلا موضوعيا له ، يشبهه في كل الظروف وعلى كل الأصعدة.. أما قصة (حوار ميت حول رجل ميت) هذا العنوان الذي يكفي دليلا على دوران القصة حول التعاسة.. كذلك ينتشر عنصر الموت والردى والمرض في قصص : الذاكرة بدون ـ النبوءة ـ نوبة ربو ـ .. كما تكون الحماقة وقلة الذوق وسوء التصرف سببا في أن يعيش الإنسان عيشة رديئة ، وهذا ما تعرب عنه قصص (هزيمة الحاج فضل الله) و (مسألة كرامة ) و (الزيارة) باستثناء قصص (الرهان) و (واسطة خير) و (المباراة) كانت في منجاة من الموت والجوع والمرض الذي حاز اهتمام القصص السابقة في المجموعة وهي كثيرة..
وإذا اتجهنا إلى التقنيات السردية في شجرة المطر فإن أول ما نجده هو هيمنة ضمير الغائب على ضمير المتكلم والمخاطب ، وهذا لا يمنع إحالة الراوي الكلام المباشر إلى شخصياته مما يحيل القصة إلى الراوي الأحادي مقابل الراوي العليم .. وكخصيصة سردية أخرى لا تكاد تخلو قصة من بعض الحوارات القصيرة . فضلا عن وجود عدد هائل من التناص الجزئي، كما هناك تناص كامل كتوارد أفكار بين قصة (الرهان) وقصــة (فراشية) لخليفة التليسي ، أما قصة (مجهول) فتتناص تناصا جزئيا مــــــــــــــع قصة (جرعة من دم) لإبراهيم الكوني ، كما هناك مفارقات وحوار داخلي ، وعدد هائل من الصور البيانية خاصة التشبيه بإضافة ذلك كله إلى الخيال الفنتازي المتمثل في المادة الغرائبية التي عالج بها موضوعه في قصتي أم الجراد وشجرة المطر فضلا عن التشيؤ
(1) الحاصل على لسان الجمل في قصة(مجهول).

فأم الجراد وشجرة المطر مكللان بالرمز ، فالمكان رمزي والشخصيات رمزية.. والموضوع برمته تلميح غير مباشر، فهناك حرص شديد على تكثيف المعاني كملمح عام كما يبدو على الأحداث التي اعتمدها الراوي ؛ فدموع العفريت والملح والفحم كلها تؤدّي إلى معانٍ ، فضلا عن العفريت نفسه الذي يساوي البحث عن معجزة تلتئم بها جروح البشر ، إضافة إلى معجزة شجرة المطر التي تلمِّح إلى معجزة وأمنية من الأماني الصعبة التي تلتئم بها جروح أخر غير التي ذكرها من وجد العفريت كل ذلك شكَّل الصراع
(2).
فمن قبيل التناص مثلا قول الراوي : كلهم أحسّوا أن شمسا مختلفة المذاق ستشرق عليهم صباح الغد
(1) ، وهذا يتناص مع عبارة (شمس مرة المذاق) لأحد الشعراء المحدثين ، والعبارة من قبيل تراسل الحواس (2) وذلك بقصد تكثيف المشهد وتعميق الإدراك .. وتراسل الحواس ، هذا المصطلح النقدي، هو نفسه خصيصة من خصائص السرد ..
كما نجد مجموعة كبيرة من التناص غير ذلك كهذا التناص المزين بالتشبيه في قصة (هزيمة الحاج فضل الله) ‘ عندما انشغل القوم بتنقية أسنانهم من الفضلات بطريقة يتبرأ منها الذوق كما تبرأ الذئب قديما من دم يوسف
(3).. ومن التناص أيضا تناص الحالة في قصة (مسألة كرامة) مع المثل القائل من شابه أباه فما ظلم و عين ابن آدم لا يملؤها سوى التراب ومع البيت المشهور أخي جاوز الظالمون المدي(4) و أنا الغريق فما خوفي من البلل(5).

كما نجد المفارقة من مكونات السرد في قصة(الزلزال) ممثلة في فرح الأغنياء بموت الفقراء مع الشعور بالحاجة إليهم
(6) ، وكشعور (هزاز النمر) في شجرة المطر كأنه ولد من جديد في حين ماتت شخصيته القديمة(7)
ومن عناصر السرد التي أعانت صقل المسار القصصي (الحوار الداخلي) خاصة في قصة (مجهول) كالعبارات المنسوبة للجمل مثل: هذه الصحراء ستجبرني يوما على الركوع أو ”لو كنت محظوطا لخلقت سفينة حقيقية تنعم طوال الوقت بملمس المياه الرطبة
(8) .
والأسلوب يزخر بعبارات قوية مصقولة تشبه الحكم قد أجاد الكاتب تأليفها والعناية بها مثل : التراب قادر على إخفاء أفدح عيوب البشر وأكثرِها فظاعة ما دام قادرا على إخفاء البشر أنفسهم
(9) ، و كل شيء في هذه الصحراء مخلوق لكي يغدر ولا يُغدر به(10) , و أم الجراد لم تعتد المطر ، والمطر نفسه ليس مغرما بقرية من مواصفات (أم الجراد(11)

(1) التشيؤ : من معانيه إعطاء العقل والتصرف للأشياء غير العاقلة .
(2) الصراع جانب مهم من جوانب السرد الذي يشكـّـل الخطوات التي بنى عليها القاص قصته ، فهو بمثابة الخريطة للمبنى أو=
= السناريو للعمل الدرامي ، ومثله الاختزال والتكرار والتناص والزمان والمكان والصور البيانية ، حتى نظام الترقيم نفسه
لا يخلو من قصد الراوي بما يريد أن يقرره عندما يلحّ على علامة تعجب أو فواصل ، وحتى العنوان يشير إلى التقنيــــة السردية ، فالأحداث جميعها تشير إليه في خفاء وظهور .

(1) شجرة المطر ـ ص 18.
(2) تراسل الحواس : استخدام مفردات حاسة معينة للتعبير عن حاسة أخرى .
(3) نفسه ـ ص 89.
(4) نفسه ـ ص 90.
(5) نفسه ص 61.
(6) شجرة المطر ـ ص 27.
(7) نفسه ـ ص40 .ِ
(8) نفسه ـ ص32.
(9) نفسه ـ 20ص.
(10) نفسه ـ ص33.
(11) نسه ـ ص37.

ثالث الأماسي لمنتدى البيضاء الثقافي

القاص الصديق بودوارة وعلى يساره الشاعر مفتاح ميلود


أقام منتدى أماسي البيضاء الثقافي أمسية للقاص والروائي (الصديق بودوّارة) يوم أمس الإثنين الموافق (2009.1.19).. وقد قام الشاعر (مفتاح ميلود) بإدارة الأمسية.. وقام القاص (أحمد يوسف عقيلة) والشاعر (عبدالسلام الحجازي) بإلقاء نماذج من قصص (الصديق بودوارة).. وقدّم الدكتور (عبدالجوّاد عباس) قراءة بعنوان (تقنيات التكثيف والسرد في شجرة المطر).. وكذلك قدّم القاص (مفتاح الشاعري) قراءة بعنوان (حقائق الأسطورة).. والناقد (سعد الحمري) كانت له ورقة بعنوان (ايبقراما الصديق بودوّارة).. وكانت ورقة الباحث (ميكائيل الحبّوني) قراءة في مقال (ثقافة الفاجعة) ومخطوط (دكتاتورية الوجع) للصديق بودوّارة.. أمّا القاص (صالح سعد يونس) فكانت له قراءة في قصة (الهاوية) للصديق بودوّارة.. ثُم فُتِح باب الحوار والنقاش حول ما دار في الأمسية.. وشارك فيه كل من:
ـ الفنان المسرحي: سعد الدلال.
ـ الدكتور جعفر حسن الطائي.
ـ الفنان: المهدي الهيلع.
ـ الفنان التشكيلي: عبدالعالي شعيب.
ـ القاص أحمد يوسف عقيلة.
ـ القاص عبدالله هارون عبدالله.
ثمّ بدأ (بودوارة) بالرد على القراءات النقدية والمداخلات.. وختم الشاعر (مفتاح ميلود) الأمسية بالإعلان عن الأمسية القادمة وهي للفنان الملحن والمطرب (خالد لطفي) بتاريخ الإثنين (2009.2.2) الساعة الثامنة مساءً. هذا وستنشر القراءات في هذه المدونة تباعاً...

دعوة لحضور أمسية




منتدَى أماسي البيضاء الثقافي يدعوكم لحضور ثالث أماسيه الثقافية لموسم 2009 ، أمسية في القصة القصيرة للقاصّ والروائي:



الصِّدِّيْق بُودُوّارَة.
وذلك يوم الإثنين الموافق (2009.1.19)
على تمام الساعة الثامنة مساءً، بمقرّ مسرح هواة الفَنّ خلف مبنى البريد القديم.

أمّ الشهيد

الشاعر : الكواش إلى اليسار وعن يمينه الشاعر الحجازي


جاني اوليدي قبل ايعدِّي ..
فيده لعبة .. وفيده مصحف ..
ومتوشّح علم فلسطين .
قبَّل راسي .. وقبَّل يدِّي ..
وكان بربّه ودينه يحلف ..
يمِّي اليوم انردّ الدَّين .
قتْ له يمـِّي ..لا تستعجل ..
بكرة اقريّب حتم وفرض .
كيف اليوم ونفس الشهر ..
ضحَّى بوك بدمّه الطيّب ..
روّى الأرض .
قال لي يمِّي ..
كم زغرودة زغردّتيها .. لمَّا ودَّعتي الجثمان .
قت له يمِّي ..
كم زغرودة ما نحصيها .. لكن زغردت بوجدان .
تبسَّم روحي ولفّ عليّ .. وعدّى .. ودّعني بنظرات .
توارى عنِّي وبعد شوي .. بدَيت نذكَّر في اللّي فات .
يوم ودّعني بوه وبوي .. بابتسامة تزهر حُبّ .
يوم ودّعني بوه وبوي .. وخالي وعمِّي ونبض القلب .
ما اصوَّرت الدنيا فيها .. بَعده هوَّ ..
عون .. على كفّ الرَّاحة يحملني ..
ولا اصوَّرت الدنيا فيها.. بَعده قوّة ..
عن كل الماضي تشغلني .
وكان اوليدي .. كفوف الراحة اللِّي شالتني .
كان اوليدي .. الضحكة الحلوة اللِّي نسَّتني .
برغم الجوع .. ورغم الخوف ..
حَمدْت الله وربَّيت اوليدي من قِلّ .
ما علَّمته غير حروف ..
عندَك يوم السَّاع ايجيك و راك اتذَل .
كان متمرّد ع الأحزان اللِّي في عيونه .
كان متمرّد ع الأوجاع .. وكان حامل هَمَّه وجنونه ..
كان متمرّد ع الضياع .. ما يعشَق عزف الجِّيتارة ..
لا يستهويه المزمار .
كلّ ألحانه هي الحجارة .. ومواويله ع الحصار .
وهوَّ اصغيّر .. كانوا اصحابه ..
لعبتّم يبنوا في بيت .
وهو يبني .. بُرج ودبَّابة ..
ويفجّرها بديناميت ..
كان متمرّد ...... !!!
وشَبّ اوليدي .. قدام عيني ..
بحرص شديد انراقب فيه .
شَبّ اوليدي .. فرَّح عيني ..
وقرّرت بروحي انقرّيه .
ونفس الطفل اللِّي متمرّد ..
ما استهواه سبيل العلم ..
نفس الطفل اللِّي متمرّد .
بأوَّل ريشة .. وأوَّل قلم .
رَسَم طفل .. ومقلاع .. وحَجَر .
كتَب يمِّي .. وطني في خطر .
وغاب اليوم اوليدي الظهر ..
ووصَّاني برمز فلسطين .
طفل اصغيّر يحمل حجر ..
وفيده مقلاع وسكِّين .
ونفس اليوم .. ونفس الشهر .
اختار اوليدي .. ايردّ الدَّين .
يسجّل مجد .. ايسجّل فخر ..
ايدكّ حصون .. المُعتدين .
ووصَّى اوليدي كلّ اوليد ..
بألعابه .. وحفظ القرآن .
ووصّاني .. أم الشّهيد ..
بزغرودة .. اتصمّ الأذان .
***

دعوا الفلسطينيين يموتون



إذا كان الساكت عن الحقّ شيطاناً أخرس.. فإنَّ الصارخ المثرثر في وقت الفعل هو الوجه الآخر للشيطان.. كل ما في الأمر أنه شيطان ثرثار.. وهو أسوأ من الشيطان الساكت.

واسمعوا هذه النكتة ـ على الرغم من أنّ الموقف أبعد ما يكون عن تبادل النِّكات ـ فقد اجتمع وزراء خارجية الاتحاد المغاربي ـ إذا كان هناك اتّحاد مغاربي أصلاً ـ بعد طول تلكؤ.. وأصدروا بياناً قالوا فيه بالحرف الواحد: (لقد اكتشفنا في اجتماعنا أنّ الوضع في غزّة خطير!).. لا تعليق.

إنّ ما يحدث في غزّة الآن ليس جديداً.. فالفلسطينيّون يتعرّضون للقتل منذ أكثر من ستين عاماً.. لكنّ وسائل إعلامنا تُصدِّع رؤوسنا بالصراخ.. وكأنّ فلسطين لم تتعرّض للاحتلال إلاّ اليوم.. وتدير المعركة بنفس العقلية القديمة الساذجة.. تعرض صور المجازر وتتباكى.. تتلذّذ بعرض جُثث الأطفال.. تُحوِّل المعركة إلى مأتَم.. وتبثّ أغاني النار: (نار يا استعمار).. (يا بلادي نارك وَلاّعة).. وتتحدَّث عن المارد العربي ـ هذا الكائن الخرافي ـ الذي يبدو أنّه قد أدار ظهره للمعركة منذ زمن طويل.. وغرِق في بئر نفط.

البعيدون عن ساحة المعركة.. الصارخون خارج السياج.. يثيرون ضجّة لطمأنة أنفسهم أكثر من إخافة العدو.. هم أكثر خوفاً من الموت.

دعوا الفلسطينيين لموتهم النبيل.. فلديهم شيء يموتون من أجله.. موتهم ليس مَجّانيًّا كموتنا.. فنحن نفطس هكذا فجأة.. دون أي سبب ظاهر في كثير من الأحيان.

الفلسطينيّون ليسوا في حاجة إلى من يذرف الدموع.. فقد تجاوزوا مرحلة البُكاء على موتاهم.. الموت فعل يومي بالنسبة لهم.. وقد أثبتوا أنهم يتعالون على الموت.. بل يتأقلمون معه.. يُرِّوضونه.. يستأنسونه.. حتى إنّهم يُلاقونه.. وينظرون في وجهه بعيونٍ مفتوحة.
***
الأربعاء (2009.1.7)

ثاني الأماسي .. أوجاع غزة


مشاركة الشاعر عبد السلام الحجازي في أمسية غزّة .

يا كل صامد في وجه أخبث عباد الله:
لا تنكسر بالله..
يا آخر معاقل عزّنا .. وآخر أمل شلناه ..
كلّ الشعوب البائسة المنكسرة ..
تنادي عليك بحسرة .. وتقولّك :
لا تنكسر لو تنكسر كلّ شيّ فينا ينكسر والله .
كلّ الشعوب البائسة المنكسرة ..
تنادي عليك بحسرة .. وتقولّك :
لا تنكسر .. لو تنكسر .. كلّ شي فينا ينحسر ..
حتّى ذاتنا عن ذاتنا ..
وتبقى جحيم حياتنا ..
حياتنا اللي حالها أشبه بحال امواتنا .
عايشين حالة خلط ..
فيه شي فينا غلط ..
طالبين منك تنتصر .. ونقولّك : لا تنكسر ..
ولو تنكسر .. نحنا سبايب كسرتك ..
نحنا سبايب حسرتك .
كلّ الأمر مغلوط ..
طالبين منك تنتصر بشروط :
تواجه رصاص الغازيين بصدرك .
وتصبر علي طعناتنا في ظهرك .
ولا تغضب .. ولا اتّوجّع ..
ولا تلين .. لا تصدّع .. ولا تنكسر ..
تصوّر !!!
تصوّر انّا نجّمّعوا ع النشرة ..
ونشوفوا دمار وموت ..
ونشوفوا جُثث منتشرة ..
ويثور فينا احساسنا بالشرف ..
ويثور فينا احساسنا بدمّ العرب والعشرة ..
وتثور فينا ادمانا ..
وتصوّر انّا في عزّ لهفتنا ولهيب احساسنا ..
نغيّر علي روتانا ..
ونغنّوا مع كلّ الأغاني الهابطة ..
يا دانا يا دانا دانا .. رقص و طبيل ولغط ..
مش قلتلك فيه شي فينا غلط ؟.
نحنا الُمسوخ .. نحنا الشُّرُوخ .. نحنا النفوس المُظلمة .
نحنا الضّياع .. نحنا الاتباع .. نـحنا عبيد العولمة .
جايينّك .. بذنوبنا المفضوحة .. اللي سبّبت مأساتك .
جايينّك .. بقلوبنا المجروحة . وماسكين طرف عباتك .
ونقولّك :
يا آخر معاقل عزّنا .. وآخر كرامة للعرب ..
أغضب تـمادى في الغضب ..
ألعـن خـيانات العـرب ..
بس انتصر ..
لو تنتصر .. كل شي فينا ينتصر ..
حتّى ذاتنا علي ذاتنا ..
و نبدوا جديد حياتننا ..
بوجوه غير وجوهنا الدّميمة ..
بنفوس غير نفوسنا الذّميمة ..
بقلوب غير قلوبنا الأثيمة ..
بافكار غير افكارنا العقيمة ..
لله متّجهين .. في الله مجتمعين ..
علي الله متّكلين .. وبالله لازم ننتصر ..
بس انتصر .. لو تنتصر ..
كل شي فينا ينتصر والله .

أول الأماسي

أماسي البيضاء الثقافية في الموعد
والأربعاء يوم للتضامن مع غزة


في الموعد كنا مع افتتاح منتدى أماسي البيضاء الثقافي ، الساعة الثامنة من مساء الاثنين الموافق : 5 . 01 .2009 وفي مقر مسرح هواة الفن
الأمسية الأولى كان الموعد فيها مع الشاعر الغنائي : سالم الكواش
افتتح الشاعر : عبدالسلام الحجازي الأمسية مرحباً بالضيوف ومؤكداً على مناشط المنتدى المختلفة.
وبعدها تمت إتاحة الفرصة للأوراق المقدمة من الأخوة الحضور ، وكانت الورقات مختصرة في ورقة الكاتب ( الناجي الحربي ) التي تناولت ( التصغير في ديوان : حلم أصغير ) بعدها تمت إعطاء الفرصة للشاعر ليلقى نماذج مختارة من أعماله ، وافتتاح الشاعر الأمسية بقوله : يعتبر شعر العاطفة الأقرب دائماً إلى القلب ، ولكن نظراً للظروف التي تمر بها الأمة متمثلة في العدوان على غزة ، فإنني هنا سأكتفي بالشعر الوطني أو الشعر الذي يتناول عواطف إنسانية عامة كعاطفة الأمومة..
وقد ألقى الشاعر سالم الكواش مجموعة من القصائد منها : ( الأم ، الوطن أمانة ، في ديمونة ، أم الشهيد )
بعدها تم فتح النقاش حول تجربة الشاعر بشكلٍ عام ، وكانت هذه المدخلات من : القاص ( عبدالجواد عباس ) الناقد ( سعد الحمري ) الباحث ( مكائيل الحبوني ) الاستاذ ( سعد الدلال ) الاستاذ ( عبدالعزيز ونيس ) والفنان ( خالد لطفي ) الشاعر ( مفتاح ميلود ) القاص ( أحمد يوسف عقيلة )
الحضور كان على المستوى ، الجميع أبدى تفاؤلاً كبيراً تجاه مستقبل الأمسيات القادمة ، في الختام تمت الإعلان عن يوم الأربعاء القادم : 07 .01 .2009 يوماً للتضامن مع غزة.