31‏/03‏/2009

1000 مبروك




تهنئة أزفها نيابةً عن أعضاء منتدى أماسي البيضاء الثقافي للزميل الشاعر المبدع (عبدالسلام الحجازي) بمناسبة حصوله على درجة (الماجستير) في التاريخ من جامعة قاريونس ببنغازي.. وذلك في صبيحة هذا اليوم الثلاثاء الموافق 2009.3.31.. حيث أجيزت الرسالة مع التوصية بطباعتها على حساب الجامعة.. فهنيئاً للزميل الحجازي.. وعقبال الدكتوراه.


أحمد يوسف عقيلة

24‏/03‏/2009

سابع الأماسي : الشاعر مفتاح ميلود .

الشاعر مفتاح ميلود والأستاذ الناجي الحربي
عدسة: أحمد يوسف عقيلة



كان منتدى أماسي البيضاء الثقافي على موعدٍ يوم الإثنين الماضي الموافق 23-3-2009م مع الأمسية السادسة على التوالي والتي كانت قد خصصت للشاعر مفتاح ميلود فانطلقت الأمسية على تمام الساعة الثامنة والنصف وكانت بإدارة الأستاذ الناجي الحربي فبدأها الحربي – بخفة دمه المعهودة – بسرد السيرة الذاتية للشاعر مفتاح محمد ميلود موضحاً المحطات التي مرّ بها الشاعر على امتداد مسيرته الفنية وترك فسحة من الوقت للشاعر مفتاح ميلود ليحدث الحضور –باختصار- عن تلك المحطات , فقال مفتاح ميلود :

أودّ أولاً أن أنوّه إلى أن هذه هي المرّة الثانية أنفرد فيها بأمسية كاملة وأنا ممتنّ جدّاً بهذا الاحتفاء .أمّا المرّة الأولى فقد كانت في مدينة درنة منذ عشر سنوات . أمّا بالنسبة للمحطات الفنية التي مررت بها فقد كان الفن التشكيلي هو أول هذه المحطات الأولى وذلك أنه كان لديّ هاجس الألوان منذ طفولتي .وكانت بدايتي الفعلية في الفن التشكيلي في عام 1988م أنتجتُ خلالها الكثير من اللوحات التشكيلية , ولكن مع بزوغ ملكة الشعر عندي جاءت لذة الرسم بالكلمة على حساب الرسم بالفرشاة . أما المحطة الثانية فكانت التحرير الصحفي حيث كان مجال التحقيقات يستهويني أكثر من كتابة المقالة. ثم توجّهت إلى الكتابة للمسرح,وبعد المسرح توجهتُ إلى الدراما المسموعة فكتبت ثلاث أو أربع مسلسلات مسموعة قدمتها إذاعة الجبل الأخضر المحلية . وبتشجيع من الدكتور فتح الله خليفة مدير إذاعة الجبل الأخضر آنذاك التحمت بالعمل الإذاعي منذ عام 1996م ومازلت حتى الآن أعمل بالإذاعة المحلية .

وعن إصداراته يقول الشاعر مفتاح ميلود : صدر لي سنة 2003م ديواني الأول (أنفاس) واستلمت منذ أيام قليلة النسخة التجريبية لديواني الثاني (كُن مُوشِكاً) . بالإضافة إلى ذلك لديّ ثلاث مخطوطات جاهزة للطباعة أولها مخطوط ( على سفر) وهو امتدادٌ لديوان (أنفاس) أما المخطوطين الآخرين فهما امتدادٌ لديواني الثاني (كُن مُوشكاً) .

وبعد هذه الدردشة الممتعة بدأ مفتاح ميلود بإلقاء نماذج من القصائد القصيرة والقصائد الومضة فجاءت مترعة بالشعر حتى ألهت الحضور عن التصفيق إلاّ عند نهاية الأمسية .

وبعد ذلك جاء دور الحضور ليُدلو بدلوهم في تجربة مفتاح ميلود الشعرية فتمثلت أبرز المشاركات في مشاركتي د.عبدالجواد عباس الذي كان قد أعد قراءة في ديوان (أنفاس). ومشاركة الفنان التشكيلي عبدالعالي عمر شعيب الذي قال فيما قال : أصنّف مفتاح ميلود بأنه شاعرنا الحداثي الأول في هذه المنطقة لأنه جعل للشعر الحرّ قيمة .... الشعر الحر جاءت به الضرورة ولم يأتِ اعتباطاً ..... لا نريد شاعرأ مجنوناً بل نريد شاعراً فيلسوفاً يغوص إلى دواخلنا ويسمو بنا وبالشعر.

السيرة الذاتية للشاعر:
الاسم :مفتاح محمد ميلود .
تاريخ الميلاد:1963م .
مجال الإبداع:الشعر-المسرح-الصحافة-الإذاعة والتلفزيون.

العضوية:
عضو رابطة الأدباء والكتاب الليبيين.
عضو نقابة الصحفيين.
عضو نقابة الصحفيين العرب.
عضو نقابة الفنانين الليبيين.
عضو مؤسس لمنتدى أماسي البيضاء الثقافي.
عضوية انتساب لعدد من الجمعيات الثقافية المحلية.
مهرجانات وملتقيات
مهرجان المدينة في دورته الخامسة (بنغازي).
مهرجان خمسينية الشاعر إبراهيم الأسطى عمر (درنة).
مهرجان احتفالية الشاعر حسين الحلافي (البيضاء).
احتفالية مركز دراسات الكتاب الأخضر(طرابلس).
مهرجان الشباب الدورة الثانية شعبية الجبل الأخضر / عضو لجنة التحكيم في مجال الشعر.
مهرجان المسرح التجريبي (البيضاء) الدورة الثانية /عضو لجنة التحكيم.
مهرجان المسرح التجريبي الدورة الثالثة /عضو لجنة التحكيم.
مهرجان الشعر العربي (بنغازي)2008م.
مهرجان المسرح الوطني الدورة السادسة .
مهرجان المسرح الوطني الدورة السابعة.
عديد الأمسيات الشعرية داخل الجماهيرية.

إصدارات:
- ديوان (أنفاس) صدر عام 2003م عن مجلة المؤتمر. مودع ضمن مكتبة موقع أفق على الإنترنت .مودع ضمن مكتبة مركز العالم العربي بباريس .
- ديوان (كُن مُوشكاً) : تحت الطبع .
- ثلاث مخطوطات انتظار النشر.
النشر في الصحف والدوريات الأدبية
مجلة الفصول الأربعة .
مجلة الثقافة العربية.
صحيفة المشهد.
مجلة المؤتمر.
مجلة الفينيق(الأردن).
مجلة ضفاف ( النمسا- باللغة العربية والألمانية ).
صحيفة الاتحاد الاشتراكي ( المغرب).
الأعمال الدرامية
تأليف مسرحية (فريق الكورة).
تأليف وإخراج مسرحية (يا رحيمته).
إعداد مسرحية (الفرار إلى جهنم ).
المسلسلات الإذاعية
مسلسل خويطر وبوفرّاج.
مسلسل وسع بالك.
مسلسل صارت طريت.
الكتابة الصحفية
محرر في صحيفة عمر المختار الجامعية.
مراسل صحيفة المشهد.
مراسل مجلة الإذاعة.

(حالياً):
مراسل صحيفة كل الفنون.
مراسل قناة الليبية في الجبل الأخضر.
معد برامج بإذاعة الجبل الأخضر المحلية.

الأعمال المرئية:
السلسلة الوثائقية (عين المكان) /إذاعة الجماهيرية.
السلسلة الوثائقية (محاولة اقتراب) /قناة البديل.
شريط وثائقي عن ظاهرة الكسوف (يوم في الصحراء) إذاعة الجماهيرية.
سهرات فنية /إذاعة الجماهيرية.

رأي الشاعر مفتاح العماري في ديوان أنفاس:
أنفاس:عنوان لإشارة أخرى في خارطة الشعر الليبي الأكثر جِدّة وتنوّعاً .. يرتفع طوقها البهيّ من ذرى الجبل الأخضر ليعبر عن أصالة شعرية يتقدمها طموح المغامرة والتفرد. فها هو ذا الشاعر الفتيّ :مفتاح ميلود. الذي يعد من بين الأصوات الشعرية الأبرز في جيله , ينجز بهدوء أولى بواكير شعره, مقترحاً لنصّه تشكيلات لغوية من خامات نثرية خالصة تلامس بخفة ونعومة جوهر العلاقة بين شعرية النثر والعلم على نحو يتعذر فيه العثور على أيّة إيقاعات من سلالة القافية . غير أننا نقف بإجلال إزاء ذلك النغم المندس الذي يستمد رنيمه السحريّ من روح الكائنات الكامنة داخل نسيج من الكلمات الحارة والمعاني المطروحة في الطريق , فيما تستسلم عناصر الطبيعة ومخلوقاتها لآلة المخيلة الجامحة التي تضرم النار في حقول التوق , وفي الآن عينه تضيف حواس مبتكرة إلى مناطق القصيدة , حواس مستنفرة لإيقاظ الجوامد واكتشاف أسماء وأشياء غاية في البداهة .. وكأن هذا الشاعر الشابّ وهو يكتب قصيدته يرسم رقىً من رموز وعلامات وألوان لكي يختزل متاهة الكنز الضائع بخطى الحدس الشعري التي كما يبدو تحاول أن تكون واثقة وهي تتقدم برسوخ متمهل لا تعوزه حيلة اقتفاء أشد المفردات ضراوة لترويض وحشية النثر داخل عائلة الشعر.

من هنا كان لابد أن يرضخ ثقل العالم محمولاً بخفة أنفاس الشعر على أجنحة من سلالة النثر . ولعل هذه العرفانية المضمرة بإعجاز الدلالات وبلاغة الصورة النسيجية المتشابكة كانت تتحصن بصوفية الشعر للحلول في الموجودات وتأنيث صلابة الخارج وأنسنة البرّي بغية الوصول إلى تلك القرابة الروحية في أعلى درجاتها تجلياً ومعرفة حين تتسع بضع كلمات لإيواء الجمال المقدس. وأيضاً لتؤكد بثقة عالية استمرارية التجديد والتمرد الذي تشي به مغامرة قصيدة النثر في التجربة الشعرية الليبية المعاصرة.

وقبل أن يبدأ الشاعر مفتاح ميلود في أمسيته الشعرية قدم للأمسية , فقال :
(( ها أنا بينكم أحمل طفولتي وهواجسي وأشيائي الصغيرة , ولا يتعبني شيءٌ قدر ما يتعبني الخجل , هذا الرفيق الذي تهربت منه كثيراً دون جدوى , وأعلم الآن بأنه لن يستريح حتى يصيبني بالإرتباك أمامكم .
منذ سنوات بعيدة علمتني أمّي أنّ الخجل هو روح الشعر وأن الشعر هو خلاص المتعبين . وحين كنت متعباً بلعثمة اللسان ونوايا القلب الطيبة وجدت نفسي بينكم اليوم .. جئت أحمل معي مدينة أحبها كثيراً , مدينة بيضاء في كل شيء, منحتني أسطحَ بيوتها كي أراقص القمر وأحزاني . أحمل معي شقاوة العمر , وأحمل محبة امرأة منحتني عينيها كي أحفظ قصائدي .

جئت أحمل إليكم تحيات قبيلة من الدراويش تسكن وسادتي , قبيلة تقيم أعراسها في ليالي الشتاء . جئت أحمل إليكم أمنيات طيبة لبسطاء أعرفهم حُرموا نعمة الشعر . سنوات طويلة قضيتها أستمتع بهواجس الشعر في ليالي مشحونة بالوحدة ومسودّات القصائد . كنت أستمتع كالأطفال برذاذ الماء وأنا أحيل تعب النهار وفرح النهار وحزن النهار إلى قصائد .

وها أنا الآن برغم الخجل والرغبة أستشعر الألفة وأنا ألقي قصائدي أمام حضور يعرف معنى وجع الشاعر .. وفرح الشاعر.. ونزق الشاعر.. ورؤيا الشاعر )).

ثم بدأ مفتاح ميلود بإلقاء قصائده فأجاد وأمتع وأطرب الحضور الذي أكد بعد الأمسية أن لمدينة البيضاء الحق في أن تفخر بشاعر يراقص القمر , ويكسو الدروب المتربة حقولاً من شعر. وبعد أن انتهت الأمسية أثنى الاستاذ الناجي الحربي على الحضور وعلى إبداعات ضيفه مفتاح ميلود الذي نعته أكثر من مرّة بأنه شاعرٌ مجنون... ثم اختتم الحربي الأمسية بالإعلان عن الأمسية القادمة المحددة في يوم الاثنين الموافق 6-4-2009م. للفنان فوزي اصغيرونة.

نماذج من قصائد الشاعر مفتاح ميلود:

نهارات حافية
غبار يتطاير في وجه الصبح..
لهاث يكسو الدروب المتربة..
شمس تعبر الحقول في انحناء.
***
على أشجار الرصيف..
ثمة عصافير تجترّ الفضاء..
ترقب المارّة.
***
الغيمة تلك..
تناست هطولها..
تبتعد الآن..
وقد نامت من التعب.
***
شيءٌ ما اعترى الوقت ...
شيءٌ ما قد حدث..
أضنه شيئاً يغيب الآن.
***
تعب يقتضي..
أن أرشق قامتي..
في المدى مسافات ..
تجوس هذا المهمل من بقاياي.

ها أنا
حدثتني..
عن غزاة سرقوا خيمة جدّي..
عن فقيهٍ فتح الكتاب...
ولم يخبر أحداً..
عن أهزوجة وجع..
استدارت لها الرّحى...
ها أنا الآن.
أبدو مطيعاً..
كما أوصتني أمي..
أهادن المعنى..
علّها تستقيم الحكاية.

بيضاء الجبل
سليلة البرد.. يا عش الغيوم .
داهمتك الليالي..
وما من شعر يقيك عوز الدفء..
أتذكرين شعراءك الصغار..
كانوا هنا يرسمون خرائط العشب..
ينفثون قصائدهم , يصنعون من الأغاني..
مفاتيح مطر..
هنا.. يركضون على حواف البرك..
يخطون نوتة عزف للقبرات..
سلي عنهم الرعاة..
لربما رأتهم قبرة..
يبتنون بيتاً على سطح غيمة..
أو يتأرجحون على حافة أفق..
أقتفي أثر الندى..
لربما عادوا..
وإليك يعود الدفء والشعر..
ويعود الوهج.

لا شيء يقال
كانوا هنا
يفتشون عن بؤرة رطبة...
عن رشفة لم يطـَلـْها الملحُ..
عن أغنية تصمد في وجه الريح..
من بعدك..
لاكَنِي الصمتُ طويلاً..
واندلق الليل في الحواسّ..
مَن بوسعه الآن..
أن يكنس روث القبيلة...
عن عتبات البيوت..
يعيد لعرائس الصيف ..
قمرها اللعوب..
من بمقدوره..
أن يقهر سطوة الأحجية..
يعيد لسواقي أنوثتها..
نَم..
نَم طويلاً على قدر الوجع..
لا ضوء يلوح الليلة..
لا شيء يقال الليلة.

أنفاس
لم يُشفِ غليلَ البوم..
حين جفّت الآبار..
إلا عشّ في الدلو.
***
نكاية في زهرة ..
على كتف الصّبّار..
أنبتَ كفّ الحجر.. شجرة.
***
مدفونٌ في باطن الأرض..
كنز من ذهب..
تجاوره الآن كومة قشّ..
ادّخرها النمل.
***
حمامٌ أبيض..
غرابٌ أسود..
لا فرق..
فالآفاق لا تعترف إلا..
بخفق الأجنحة.
***
في الأزقة الخلفية..
عندما تفقد القطط أصواتها..
ترقص في الظلمة..
أشباح الفئران الضخمة.
***
في قرى الحدود..
لا أحد يحب القمر..
ففي الليل حتى الشعراء..
يصبحون مهربين.

خطوات
أعشاشٌ ..على حافة الجرف..
أجنحةٌ تغرى بالتيه..
دائماً .. تفقد الصقور صغارها.
***
تتدحرج صعوداً نحو القمّة..
هكذا تمضي الجعلان أعمارها..
خلف حلم ..
استدار في العفن.
***
في المسافات تذيب طراوة أحشائها..
خطوات الحلازين..
خطوات من روح.

14‏/03‏/2009

كتاب (غَناوي عَلَم) .. وعلامات استفهام

الشاعران: الرويعي الفاخري وسالم العوكلي


بقلم: سالم العوكلي
في زيارتي الأخيرة للباحث في التراث والقاص (أحمد يوسف عقيلة)، وجدته كعادته منهمكاً في سيرة المكان، في غرفته المؤثثة بمزاجه الخاص، والتي تتجاور فيها العديد من التكوينات التراثية والحديثة بشكل أخّاذ، يشبه إلى حد كبير أسلوبه في كتابة القصة، أرفف الكتب وجهاز الحاسوب بملحقاته، أعشاش طيور الجبل، جهاز الكاسيت والنسيج الشعبي بألوانه المبهجة التي ألّفت بينها أصابع أمه، التي مازالت تعيش معه في بيت شعبي بقرية عمر المختار، نبع حكاياته الذي لا ينضب عن زمن المعتقلات وملاحقة المطر.
كان (أحمد) يحدثني عن الزيارة التي قام بها مندوب اليونيسكو لمحاورته عن غناوة العَلَم، التي تفكر هذه المنظمة باعتمادها كإحدى الفنون الشعرية الإنسانية العريقة، مثلما أتبع مع قصيدة الهايكو اليابانية ، كان مبتهجاً بهذه الزيارة التي أثمر عنها كتابه المهم عن غناوة العَلَم، ولا يعكر هذه البهجة سوى ما حصل معه من اعتداء على مادته الخاصة بعد نشر كتاب (غناوي علم) من ضمن منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة، حيث كما يقول ضمّنوا الكتاب بابين - عن طريق النسخ واللصق - من مخطوطه القادم الذي نشره قبل خمس سنوات في موقعه (الجراب)، والذي يعتبر أول موقع ليبي متخصص في التراث على الشبكة، والبابان هما: (الجلامة صفحة 371) من الكتاب المشار إليه، و(هجاوي الرحى صفحة 385). مع العلم إن (أحمد يوسف) قد عمل ضمن لجنة هذا الكتاب وزوّدهم بمجموعة كبيرة من غناوي العَلَم التي جمعها ولم تكن في سياق عمله المتسلسل عن هذا الفن المجنس تحت تسميات مختلفة لا تشملها كلها غناوة العَلَم، فغناوي الجلامة تسمى (قذاذير) ومفردها (قذّارة)، وغناوي الرحى تسمى (مهاجاة)، وهي إذا تتبنى بنية غناوة العَلَم، إلإ أنها بسبب اهتماماتها الخاصة والأداة التي ترافقها لا تقع في حقل غناوة العَلَم التي تتميز بكونها تطرح شجوناً عاطفية مباشرة كثيراً ما يكون الخلاء براحها أو الأعراس، وهذا الاختلاف هو ما جعل من غناوة العَلَم باعثاً على الحشمة في إطار العائلة، بينما في حالات الجلامة ومهاجاة الرحى من الممكن أن تغنى وسط العائلة وبحضور الآباء وأبنائهم، ويعتبر هذا أحد الأخطاء المنهجية في الكتاب، وهو الذي سعى (أحمد يوسف) أن يتفاداه في سلسلة كتبه عن الغناوة، من أجل أمانة الرصد لهذا الفن المتفرد.
كان (أحمد) يحدثني بغضبه الهادئ ونبرة التسامح المعتادة لديه، وكنت أشاركه غضباً غير هادئ، لأنني أدرك جيداً الجهد الذي بذله في تجميع هذه الأبواب، حيث كان يتنقل بأوراقه وبآلة تسجيله في ربوع الجبل الأخضر، متتبعاً احتفالات (الجلامة) في كل واد وكل سهل، وهو الذي لا يملك وسيلة نقل ولا ميزانية لهذا العمل الذي يُمليه عليه التزام فني وأخلاقي تجاه هذا الموروث، كما كان يتنقل بين العجائز من (اجدابيا) إلى (طبرق) لتجميع غناوي المهاجاة، وكان يحفظ حقوق كل من من ساعدوه في هوامش مخطوطاته، وقد نشر هذه المادة في موقعه الشهير بحق حصري، وذكر هذه المخطوطات في كل الكتب التي أصدرها.
ولتصبح فيما بعد تقنية النسخ واللصق أحدث تقنيات سرقة الجهود المتفشية الآن، مع العلم إن اسم (أحمد يوسف عقيلة) لم يُذكر من قريب أو بعيد في هذا الكتاب، الذي لم يرافقه أي تحليل لهذا الفن، خلافاً عن كتاب (أحمد يوسف) الأول (غنّاوة العَلَم.. قصيدة البيت الواحد) والذي أسهمت التحليلات النقدية والتعريفات المفهومية التي تتخلله في لفت نظر المهتمين، سواء من رغبوا في ترجمته مثل الشاعر (عاشور الطويبي)، أو في تبنّيه كفن عريق مثل اليونيسكو.
وأخيراً أتمنى أن لا يحبط هذا الاعتداء غير المبرر حماس (أحمد يوسف) في عمله الدؤوب على التراث، الذي أنجز فيه قدرا كبيراً ، مثل كتابه عن الأمثلة الشعبية، وكتابه عن الخراريف الذي يجمع الحكايات الخرافية كما كانت تروَى في هذه المنطقة، إضافة إلى دواوين شعرية كمخطوطات لبعض الشعراء الشعبيين، وكتابه عن التعابير الشعبية، وغيرها من المخطوطات المدققة والمصححة والجاهزة للطباعة.
(نقلاً عن مدونة الخروبة للقاص: أحمد يوسف عقيلة)



10‏/03‏/2009

سادس الأماسي : القاص أحمد يوسف عقيلة

المعلِّم الفاضل عثمان المسماري.. الدكتور فتح الله خليفة.. أحمد يوسف عقيلة

الأديب والكاتب أحمد يوسف عقيلة,وإلى يساره د.فتح الله خليفة,ويبدو من ورائهما
القاص الصديق بودوارة وهو يمارس عمله كصحفي متميز.

احتفى منتدى أماسي البيضاء يوم أمس الإثنين الموافق 2009.3.9 م بالأديب والكاتب أحمد يوسف عقيلة في أمسية قصصية أقل ما يقال عنها أنها كانت رائعة . رائعة بنكهة أحمد يوسف عقيلة – نجم الأمسية – الذي أوصَلنا إلى عتبات الدهشة . رائعة بخفة ظلّ الدكتور فتح الله خليفة الذي تولى إدارة الأمسية فأضفى عليها الكثير من المرح والودّ . رائعة بتفاعل الجمهور وبحضورهم المتميز.
استمرت الأمسية على مدى ساعتين انقضَتا سريعاً,ومرّت خلالهما بثلاث مراحل : اتسمت المرحلة الأولى بلمسة وفاءٍ كان لها صدىً طيّباً لدى الحضور,وذلك أن أحمد يوسف عقيلة كان قد رتّب لتكريم معلمهِ الأستاذ " عثمان عبدالله المسماري" الذي درّسه في السنة الأولى من التعليم الابتدائي في قرية عمر المختار فقدم له بعض الهدايا العينيّة وشهادة تقدير وعرفان تضمّنت عبارات غاية في التأثير تصلح – كما علق عليها أحد الحضور- بأن تكون قصة قصيرة . ثم صافح أحمد يوسف معلمه وقبل رأسه . وقد قال أحمد يوسف – بعد الأمسية - عن هذا التكريم أنه متنٌ والأمسية هي الهامش .
أما المرحلة الثانية من الأمسية فقد قدم خلالها القاص أحمد يوسف نماذج من قصصه وصلت إلى (16 قصة) تراوحت بين القصيرة والقصيرة جداً .
بينما خصصت المرحلة الثالثة من الأمسية للنقاش حول القصة بشكل عام وقصص أحمد يوسف بشكل خاص,فبدأ د.فتح الله خليفة بالتساؤل : لماذا يكتب الكاتب؟. وما قريء هذه الليلة أين يُصنف ؟ وقال:لنسمع من الأخوة كيف نقيم ما سمعناه الليلة ؟ .
بعد ذلك توالت المشاركات من بعض الحضور فكانت المشاركة الأولى للأستاذ الأديب الناجي الحربي تلتها مشاركات كل من الصحفي محمد بوسويق والفنان التشكيلي سعيد لصيفر والناقد سعد الحمري والدكتور القاصّ عبدالجواد عباس والفنان التشكيلي عبدالعالي شعيب والشاعر عبدالله عمران والدكتور جعفر حسن الطائي الذي أثنى على الحضور وقال فيما قال : " إن هذا الحضور يعكس حقيقة أننا لا نحيا بالخبز وحده " .
وبعد أن انتهت مشاركات الحضور قدّم د. فتح الله خليفة تلخيصاً لهذه المشاركات ثم أفسح المجال للقاص أحمد يوسف للردّ على المشاركين , فكانت ردوده كما يلي :
1-أنا لست معنيّاً بالكتابة عن المدينة لأن الكاتب يتلمّس محيطه, وأنا عشت في الريف ولو عشت في المدينة لكتبت عنها .
2-أنا آتي بالأبطال المُهمّشين وأضعهم في بؤرة الضوء كالنمل والدبابير وغيرها .
3- إن تقطيع القصة إلى أرقام أو حروف يكسر استطالة الزمن ولم توضع هكذا اعتباطاً .
4- الصدق في الكتابة بمعناه الفني وليس الأخلاقي .
5- الكتابة في الفعل الماضي كانت في المجموعات الأولى ثم انتقلت إلى المضارع .
6- أحاول توظيف التراث وليس توثيقه . صحيح أن التراث أرض صلبة ولكنه ليس مقدساً .
7- الرمزية ليست تضييق ولكنها أفق واسع.فالحديث عن الحرباء مثلاً يتيح لي ما أريد أن أقوله بالإضافة إلى ولوج عالم الحرباء ذاته .
8- الحديث عن جدوى الكتابة لا يعنيني . أنا فقط أحاول أن أقول شيئاً وأمتع الآخرين .

* نصّ شهادة التقدير التي قدمها أحمد يوسف لمعلمه الاستاذ عثمان :

تَقْدير وعِرْفان
الأستاذ والمربِّي الفاضل: عثمان عبدالله عبدالمجيد المسماري
أُدرِك مُسبقاً انّني لا أستطيع رَدَّ الجميل لإنسانٍ فتح أمامي آفاقَ العِلْم الرحبة.. فلا أحد .. سواءً أكان فرداً أو مؤسسة ـ مهما فعل ـ يستطيع أن يوفيَ المعَلِّمَ حقَّه.. يُعَلِّم أمّةً بأكملها.. نَمُرّ عليه جميعاً.. حتَّى الساسة والزُّعماء والجنرالات.. وهو قابع في الفصل.. بجوار السبّورة السوداء.. تمتلئ رئتاه بغُبار الطباشِيْر.. نتجاوزه.. نَمرّ عليه مسرعين دون أن نلتفت.
إنّها مُجرَّد لَمسة وفاء من تلميذٍ إلى أستاذه.. تلميذ يُحسّ بالحرَج تجاه مُعلِّمه الذي علَّمه الأبجدية.. ومنحه إمكانية ولوج عالَم الكتابةِ المدهِش.. منحه دهشةَ الكلماتِ الْمَصْفوفةِ على بياضِ الورقة.
أستاذي الكريم.. حِيْن قابلتكم بعد حوالِي أربعيْن عاماً أحسستُ برغبةٍ جارفةٍ فِي أن أَحْملَكم على عنقي إلى الأبد.. وحتى لو فعلتُ ذلك.. فإنني لا أستطيع أن أفيَكم بعضَ حقِّكم.. فاقبلوا منّي هذا العرفانَ والامتنانَ.. عسى أن يكونَ فيه رَدٌّ لبعضِ جميلِكم.
تلميذكم: أحمد يوسف عقيلة


السيرة الذاتية للأديب والكاتب أحمد يوسف عقيلة :

ـ أحْمد يوسف عقيلة عقيلة.
ـ الميلاد: 1958 في أحد نجوع بادية الجبل الأخضر.
ـ عضو مؤسس في عدّة منتديات وبيوت ثقافية:
· منتدى أماسي البيضاء الثقافي.
· بيت درنة الثقافي.
· بيت شحات الثقافي.
· عضو هيأة تحرير صحيفة المأثور الشعبي.
· عضو هيأة تحرير موقع مكتبة التراث الشعبي على شبكة الإنترنت.
ـ أطلق أول موقع ليبي على شبكة الإنترنت متخصص في التراث الشعبي. وهو موقع (الجراب).
ـ اختير شخصية العام في ليبيا في مجال القصة القصيرة سنة 2006.
ـ شارك في عدةّ ندوات وأمسيات قصصية في ليبيا ومصر والجزائر.
ـ ألقى عدة محاضرات في مجال التراث الشعبي في البيضاء ودرنة واجدابيا ومصراتة.
ـ أقيمت له احتفالية تكريم في جامعة تولوز في فرنسا بمناسبة ترجمة مجموعته القصصية (الخيول البِيض) إلى اللغة الفرنسية.
الإصدارات:
1 ـ الخيول البيض.. قصص.. الطبعة الأولى 1999 الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.. مصراتة. (تُرْجِمَت إلى اللغة الفرنسية). (تُرْجِمَت بعض قصصها إلى اللغة الإنجليزية).
2 ـ غناء الصراصير.. قصص.. الطبعة الأولى 2003 دار البيان للنشر والتوزيع والإعلان.. بنغازي.
3 ـ الْجِراب (حكاية النجع) الطبعة الأولى 2003 دار البيان للنشر والتوزيع والإعلان.. بنغازي.
4 ـ عناكب الزوايا العُليا.. قصص.. الطبعة الأولى 2003 منشورات مجلّة المؤتمر.. طرابلس.
5 ـ حكايات ضِفْدَزاد.. الطبعة الثانية 2006 دار البيان للنشر والتوزيع والإعلان.. بنغازي.
6 ـ الحرباء.. قصص.. الطبعة الأولى 2006 مجلس الثقافة العام.. ليبيا.
7 ـ غنَّاوة العلم (قصيدة البيت الواحد).. الطبعة الأولى 2008 دار الإبل.. بنغازي.
8 ـ قاموس الأمثال الليبية.. الطبعة الأولى 2006 دار البيان للنشر والتوزيع والإعلان.. بنغازي.
9 ـ خراريف ليبية.. حكايات شعبية. الطبعة الأولى 2008 مجلس الثقافة العام.. ليبيا.
المخطوطات:
10 ـ الخَفّاش.. قصص.
11 ـ غُراب الصَّباح.. قصص.
12 ـ الشتّاوَة (بنت الغنّاوَة).
13 ـ الأُغنية المصاحبة للعمل (غنّاوة جَزّ الصوف).
14 ـ الأُغنية المصاحبة للعمل (الترجِيْز).
15 ـ غنّاوة العَلَم عند المرأة.
16 ـ القاموس الليبِي للنفاق.
17 ـ قاموس الدلالات الصوتية الليبية.
18 ـ قاموس التعابير الليبية ذات الكلمة الواحدة.
19 ـ قاموس الكُنية في اللهجة الليبية.
20 ـ قاموس أُصول المعانِي.
21 ـ ضوء الكلام. (شهادة على الكتابة).
22 ـ نُزهة في الأرض الْحرام.. قراءة فْي أدب أحْمد يوسف عقيلة.. مجموعة من الكُتّاب العَرَب.
23 ـ ديوان الشاعر مراد البرعصي.
24 ـ ديوان الشاعر ارحيّم جبرين.
25 ـ ديوان الشاعر إدريس الشيخي.
26 ـ ديوان الشاعر عبدالكافي البرعصي (غناوي عَلَم).

نشر قصصه في كثير من الصحف والمجلات الليبية والعربية: مجلة لا ـ الفصول الأربعة ـ الثقافة العربية ـ المؤتمر ـ البيت ـ الجليس ـ الجماهيرية ـ الشمس ـ قورينا ـ أويا ـ العربي الكويتي ـ كتابات معاصرة اللبنانية ـ ضفاف الصادرة بالنمسا ـ ألواح الصادرة بإسبانيا ـ تمّوز الصادرة بالسويد ـ أخبار الأدب المصرية ـ الموقف الأدبي السورية ـ المعرفة السورية ـ البيان الكويتية ـ العرب اللندنية ـ الزمان اللندنية ـ القُدْس اللندنية ـ الحرية التونسية ـ وغيرها.. وكتبه الصادرة حتى الآن يمكن مطالعتها في موقع مكتبة الإسكندرية.. وفي مكتبة أفق على شبكة الإنترنت.
الموقع:
الخرّوبة:
www.alkarrobahblogspot.com

E.MAIL: YOUSSOF58@YAHOO.COM
E.MAIL:YOUSSOF58@HOTMAIL.COM
ص ب : 222 M ـ البيضاء ـ ليبيا .
هاتف نقال: 4167 626 092
هاتف منْزل: 2299 530 0844


نماذج من قصص أحمد يوسف عقيلة :

الْهَمْزة
1
... قال الأستاذ (أَنيس) موجهاً كلامه إلى سكرتيرته:
ـ اكتبِي صيغة إعلان عن اجتماع إدارة الشركة يوم الأربعاء القادم.
ثم تشاغل بالحديث مع ضيوفه.. وهو يتأرجح يميناً ويساراً مع الكرسي الدَّوّار.
2
... الأستاذ (ونيس) مدير شركة كبرى.. يحظى بكل لوازم المدير: مكتب ينطق بالفخامة.. سكرتيرة مصبوغة أمام جهاز حاسوب.. هاتف نقّال.. مرسيدس وصاية من ألمانيا رأساً.

غيَّر اسمه إلى (أنيس) تَمَشيِّا مع الحداثة! يرى أنَّ العبرة ليست بالشهادات العلمية.. فهي مجرد رُخَص تَمنحها الجامعات.. لذلك فهو يفتخر بأنه لم يتخرج من الجامعة.. ويقذف في وجهك (العَقّاد) دائماً كمثلٍ صارم للدلالة على عدم جدوى الشهادات.. ويحشر في أحاديثه ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ كلمات من قبيل: (العولمة.. الاستنساخ.. ثقب الأوزون.. سقف الإنتاج.. حَرْق المراحل.. الرعي الجائر.. البروباقاندا).
3
قالت السكرتيرة:
ـ يا أستاذ أنيس.. في كلمة (الأربعاء) الهمزة فوق الألف وإلاّ على السطر؟

يسري السؤال في جسده صاعقاً.. يقفز.. يحس في حلقه بطعم الهمزة اللاذع.. يحكُّ خلف أُذنه.. يتبدَّى له غباء سكرتيرته شيئاً لا يُطاق.. شيئاً ثقيلاً يزحم المكان.. بل يبدو أنفها طويلاً أكثر مما ينبغي.. يبتلع ريقه.. يَشْرَق.. يسعل.. يعطس.. يزحر.. يفتح النافذة.. يرى الأفق يقترب.. السماء تَهبط على الأرض.. تتحول كل الكائنات إلى همزات.. همزات طائرة.. راكضة.. زاحفة.. فيغمض عينيه.. يَصفِق النافذة.. يُطفئ المصابيح.. يُشعلها.. شيء ما يقرصه بين كتفيه.. يلصق ظهره على الجدار.. يحكّه.. يسحقه.. ها هي الهمزة تتحرك من الحلق إلى الصدر.. نازلةً ببطء كالنصل الحاد.. ينحنِي إلى الأمام واضعاً يديه على صدره.. فتنْزلق الهمزة إلى الأسفل.. تتغلغل ممزِّقةً الأحشاء.. يتسرَّب من بين فخذيه سائل دَبِق.. يتعثَّر بأحد الضيوف.. في تلك اللحظة فقط يكتشف وجودهم.. يُسدِّدون عيونهم نحوه.. أصابع السكرتيرة متوقفة على لوحة المفاتيح.. توقَّفت الساعة الحائطية.. كفَّت الكرة الأرضية عن الدوران.. يَفْزَع إلى الحَمّام.. يسمع أحد الضيوف يقول بخُبث وشماتة: (الهمزة التي قَصَمت ظهر البعير).. فيحدودب ظهره.. وتنبت له ذروة! جدران الحمّام تزحف إلى الداخل.. مصباح السقف يكاد يلامس البلاط.. يتهالك.. يَبْرك.. يصرخ بأعلى صوته.. صُراخاً أَقربَ إلى الرُّغاء:
ـ خَلِّي الاجتماع يوم الخميس!
(2001)


الثُّعبان

ج
... بعد خطبة الجمعة ينسلخ من جُبّة الإمام البيضاء.. يلَبس البَرْنوس القَهْوي.
ل
... بعد ميعاد القبيلة يَنْزع البَرْنوس القَهْوي.. يرتدى لباس الحُكّام الأسود.
و
... بعد المباراة يرتدى بذلة خضراء زيتيّة.. نظّارة سوداء.. مسدس تحت الإبط.
د
... في الليل يتمدّد عارياً تحت الملاءة.. وفي أرجاء الغرفة.. فوق الكراسي.. وحوافّ السرير: جبّة إمام.. برنوس شيخ قبيلة.. لباس حَكَم.. صافرة.. بذلة خضراء.. مسدس.
***(2008)

الْمُتسَوِّل
(الكُلُّ يَمُرُّ مُسْرِعاً ولا يلتفتُ..
للمتسوِّل الأَعمى..
وحدَهُ المطرُ يُنَقِّطُ على راحتهِ المَمدودةِ..
باتِّجاهِ الله
).
(عدنان الصائغ)

1
ـ لله يا مُحسنِين.. لله.
اعترضَني.. مَدَّ إليَّ يداً مُرتجِفة.. معروقة.
تحسَّستُ جيوبي.. صعد الدم إلى وجهي.. تحسَّستُ قلبي.. همستُ في أُذنه بكلمةٍ طيبة.. بوعدٍ بالعطاء في المرَّة القادمة.
2
... المرَّة القادمة..
تعترضني اليد المُرتجِفة.. المعروقة.
لم أتحسَّس جيوبي.. فأنا أَعلم غَيْبَها.. يغزو الدم وجهي.. لم أجرؤ أن أعِدَ بشيء.. تكفي كذبة واحدة.
3
... المرَّة الثالثة لم تتحرَّك يداي.. هذا اليوم لا أملك جيوباً!
ابتسمتُ.. استوقفَني.. أخرجَ نصف دينار.. مُكرمِشاً.. مدعوكاً.. رطباً.. دَخَل الدكان المجاور.. قَسَمَ النصفَ إلى ربعين.. وضع ربعاً في جيبه.. ودَسَّ الآخر في يدي.. ومضَى.
(1995)

عَصَافِيْر

1
... في السفح غابة.. في الغابة شجرة بلوط.. في البلوطة عُش.. في العش طائر.. تحت الطائر بيض.. في البيض عصافير.
في البلوطة أيضاً ثعبان يتسلق.
2
... ينتفض الطائر.. يصيح بهلع.. يقفز من غصنٍ إلى غصن.. ينفش ريشه مستخدماً كل أسلحة العاجز.. فيما الثعبان يلتقم البيض.
3
... في السفح غابة.. في الغابة شجرة بلوط.. تحت البلوطة ثعبان يزحف.. في بطن الثعبان بيض.. في البيض عصافير.
في سماء الغابة أيضاً حدأة تبسط جناحيها بلا حَراك.
4
...لم يكن في الوقت متسع للاختباء.. ينتفض الثعبان.. يفِحُّ بهلع.. يتلوَّى بين المخالب مستخدماً كل أسلحة العاجز.. فيما الحدأة تصعد إلى السماء.
5
... في السماء حدأة.. بين مخالب الحدأة ثعبان.. في بطن الثعبان بيض.. في البيض عُصيفيرات تُحَلِّق...
(1999)

العَابِر
(لا شيء يستنْزف الصلابة الداخلية
مثل إحساس المرء بأنه عابر)
(إيزابيل الليندي)
1
... في الصباح.. تحت الضباب السابح.. يخطو ببطء.. يقف أحياناً.. ينحني مُتفرِّساً في آثار الليلة البارحة.. التي انطبعت بوضوح على الطريق الترابي الرطب.
2
... أقدام سلحفاة عابرة بعرض الطريق.. أرجل خنفساء مرتسمة بدقة.. ثلاثة خطوط رقيقة غائرة تلتقي عند رؤوسها.. إنَّه الحجَل.. وهذه التي تبدو كورقتَي سِدْر متقابلتين هي الحرباء.. وهذا أثر أفعى.. لا يمكن أن تُخطئه العين.. وآثار أخرى مختلفة لعابرين يجهلهم.. كانت الآثار من الكثرة والوضوح بحيث تولَّد لديه إحساس بأنَّ كل عابرٍ يتعمَّد أن يطبع خطواته على الطريق.. حتى ذلك الغراب ترك مساراً لجناحيه المُبلَّلين حين اخترق الضبابَ منذ لحظة.
3
... استدار مُلقياً نظرةً من فوق كتفه.. انحنى مُتفحِّصاً.. دون أن يجد لخطواته أيَّ أثرٍ على الطريق الترابي الرطب!
(2001)


شَكْوَى
... اشتكت اللوحة من المسمار.. قال:
ـ لو تعلمين ما يقع فوق رأسي لعذرْتِنِي.
(1994)
آخِرُ العَسَل
... كانت تُحدِّثه وهو يتنهَّد..
... تزوَّجا..
بعد شهر أصبحت تُحدِّثه وهو يتثاءب.
(1994)
الْحِمار
... الحمار مُطرِقٌ.. يُهدِّل أُذنيه.. يَمدُّ شفته السفلى.
ـ ما بك؟ تبدو مهموماً.
ـ وكيف لا أشعر بالهَمِّ.. وذُرِّيتِي كلُّها حمير؟!
(1994)
جُرُوحٌ صَدِئَة
... داس مسماراً صدِئاً.. شَدَّ الرِّحال مُولِّياً وجهه شطر الفقيه.. تلقَّى عِدَّة بصقات على جُرحه.. وعلى وجهه أيضاً.. وعاد يجرُّ أذيال البَرَكة.. وجُرحاً صدِئاً.
(1994)