18‏/08‏/2010

الأمسية 30

الشاعر عبد السلام الحجازي يقدّم ضيفه الاستاذ جعفر الطائي .
الأستاذ : جفعر الطائي يلقي محاضرته .
اليوم : الاثنين الموافق : 26 – 7 – 2010م.
الأمسية : محاضرة عن أزمة البحث العلمي في الوطن العربي .
المُحاضر : أ. جعفر الطائي .
أدار الأمسية الشاعر : عبد السلام الحجازي .
رحب الحجازي بالحضور،وبإسم منتدى الأماسي هنّأ الشاعرَ الأديب الشريف بوغزيّل على صدور ديوانه ( بائع اليقظة )،كما هنّأ الشاعرة والقاصّة نورا إبراهيم على صدور مجموعتها القصصية ( خفقات قلب ).. بعد ذلك شرع الحجازي في سرد السيرة الذاتية لضيفه الكريم ثم أفسح له المجال لإلقاء محاضرته القيّمة والتي كانت بعنوان :
تحليل نقدي لأزمة البحث العلمي في الوطن العربي

أولاً : إشكالية البحث :
هناك العديد من الأسئلة والتساؤلات التي أقلقت وتقلق مضاجع العديد من أبناء المجتمع العربي ، الراحلين منهم في ذمة الخلود ، والباقين على قيد الحياة ، لاسيما تلك التي تتعلق بجوانب تستحق الوقوف عندها ، منها :لماذا هناك دول متقدمة يقابلها في الجانب الآخر دول متخلفة ؟ ولماذا هناك فجوة علمية أخذت بالازدياد يوماً بعد آخر بين هذه الدول ؟ والأهم من كل ذلك ، لماذا الوطن العربي متخلف كل هذا التخلف في العديد من نواحي الحياة ؟ وهل هناك فعلاً أزمة بحث علمي في الوطن العربي ؟ وما أسبابها ومؤشراتها ؟وهل لها دلالة أو علاقة بأزمة عقل عربي ؟ وإذا كانت هناك أزمة فمن المسؤول عنها ؟ وما آليات مواجهتها ؟ وإذا كان التقدم مرتبط بالبحث العلمي ، فما المقصود به ؟ وأين تكمن أهميته وأهدافه ؟وما اتجاهات الناس نحو البحث العلمي ؟ وهل هناك دوافع وراء البحث العلمي ؟
ثانياً : أهداف البحث :

يروم البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية :
1- تسليط الضوء على ماهية البحث العلمي أهدافه وأهميته ودوافعه .
2- تبيان اتجاهات الناس نحو البحث العلمي ومؤسساته وعوامل نجاحه .
3- كشف النقاب عن أسباب ومؤشرات أزمة البحث العلمي في الوطن العربي .
4- إماطة اللثام عن العلاقة بين العقل العربي وواقع البحث العلمي في الوطن العربي .
5- محاولة وضع تصور لآليات مواجهة أزمة البحث العلمي في الوطن العربي .

ثالثاًً : أهمية البحث :
مما لا شك فيه أن أهمية البحث تأتي من أهمية موضوع البحث العلمي بوصفه المسؤول عن حالة التقدم والتخلف التي تعيشها المجتمعات الإنسانية من جهة ، وتأتي أهمية البحث كذلك من رصد حالة التخلف والتشظي التي يعيشها الوطن العربي جراء قلة اكتراثه بأهمية البحث العلمي من جهة أخرى . وتكمن أهمية البحث لما يكشفه من مؤشرات ودلالات ذات علاقة بالعقل العربي وربطها بواقع أزمة البحث العلمي ، ومحاولة وضع لتصورات من أجل رأب أو ردم الفجوة التي تفصل بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ومنها الوطن العربي .
رابعاً : التعريف بالبحث العلمي :
يمكن القول:إن البحث العلمي قديم قدم الإنسان نفسه، ومنذ نشأت حاجته إلى تلبية رغبات تحقق له الرفاهية ، معيشية كانت أم فكرية . والبحث العلمي في يومنا هذا جزء لا يتجزأ من حياة أية أمة، إذ لا يكاد يمر يوم من أيام حياتنا دون أن يتخذ الواحد من عشرات القرارات، ويحل العديد من المشاكل والمسائل التي تواجهه ، ومع ازدياد الحياة تعقيداً تزداد المسائل التي نواجه صعوبة في حلها، ومن هنا تتفرع وتتشعب مهمة البحث العلمي ، وعليه فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل حصر كل أو معظم محاولات تعريف البحث العلمي هذا من جهة ، أو من الصعب تعريف البحث العلمي تعريفاً شاملاً يقبل به الجميع . إلا أنه يمكن القول : إن البحث العلمي يمثل الأداة أو الأسلوب المستخدم للوصول إلى حقائق الأشياء ، وماهية العلاقات والأسباب والمسببات التي تجمعها أو تحدثها .
البحث العلمي لغة:
معناه أن تسأل عن شيء معين وتفتش وتستخبر عن هذا الشيء ، ولكننا اصطلاحاً لا نستخدم هذه الكلمة إلا ونحن نقصد العلمية في البحث ، والعلمية تعني أن يكون بحثنا متفقاً مع قواعد العلم ومبادئه ومعتمداً عليها ، حتى نتقن ونفقه ونخبر ميدان المعرفة الذي نبحث فيه.(1) إضافة إلى ذلك ، لابد من الإشارة إلى أن إضافة صفة (علمي) إلى البحث ، لا يعني أنه يقتصر على مجالات المعرفة العلمية دون سواها من المعارف ، بل تعني فقط أن الباحث أياً كان المجال الذي يبحث فيه – يستخدم المنهج العلمي ، أي الملاحظة والقياس ،والاستدلال، والتجريب ، بعيداً عن الحدس والاستبصار والعرض : فكل فكرة يتم اختيارها أو التأكد من صحتها هي خطوة صغيرة إلى الأمام في حصيلة الفهم .(2)
علاوة على ذلك ، يقصد بالبحث العلمي الاستقصاء الذي يتميز بالتنظيم الدقيق لمحاولة التوصل إلى معلومات أو علاقات جيدة والتحقق من هذه المعلومات والمعارف الموجودة وتطويرها باستخدام طرائق أو مناهج موثوق في مصداقيتها.(3) ويعرف كذلك،بأنه محاولة منظمة للوصول إلى إجابات أو حلول للأسئلة أو المشكلات التي تواجه الأفراد أو الجماعات في مواقعهم ومناحي حياتهم . ويعرف أيضاً بأنه المحاولة الدقيقة النافذة للتوصل إلى حلول للمشكلات التي تؤرق البشرية وتحيّرها. ويولد البحث العلمي نتيجة لحب الاستطلاع والشوق العميق إلى معرفة الحقيقة ، وتحسين الوسائل التي تعالج بها مختلف الأشياء .(4)
بدورنا يمكن أن نعرف البحث العلمي ( بأنه محاولة منظمة أو جهد مبذول يقوم به فرد أو جماعة ويستخدم فيه الأسلوب العلمي وقواعد الطريقة العلمية بهدف الوصول إلى حلول للمشاكل وكذلك لغرض التطوير نحو حياة أفضل وأكثر رفاهية )
أما تعريف الأزمة ( crisis ) تعني نشوء موقف أو وضع جديد يمثل نقطة تحول في مسار نشاط معين مما يقتضي إعداد واعتماد وتنفيذ خطة أو خطط تختلف تماماً عما كان العمل يجري عليه قبل نشوء هذا الموقف أو الوضع الجديد .( 5 )

خامساً :أهداف البحث العلمي :
يهدف البحث العلمي بصفة أساسية إلى تحقيق الآتي :
1- فهم قوانين الطبيعة والسيطرة عليها ، وتوجيهها لخدمة الإنسان .
2- دراسة الظواهر المختلفة واستنباط قوانين عامة أو نظريات تفسر تلك الظواهر والعلاقات التي تحكمها ،ومن ثم إمكانية التنبؤ بها والتحكم فيها .
3- إيجاد حلول للمشكلات المختلفة التي تواجه الإنسان في تعامله مع البيئة التي يعيش فيها .
4- تطوير المعرفة الإنسانية بالبيئة المحيطة بكافة أبعادها وجوانبها الطبيعية والاجتماعي والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والإدارية وغيرها .( 6 )

سادساً : أهمية البحث العلمي :
يمكن أن نميز البحث العلمي والنشاط العلمي المتخصص الذي يمارسه العلماء ، فالبحث العلمي طريقة منظمة أو محاولة منظمة يمكن أن توجه لحل مشكلات الإنسان في مجالات متعددة ، بينما يبقى النشاط المتخصص للعلماء مقتصراً على مجال علمي معين ، ضمن تخصص معين . والبحث العلمي لا يوجه نحو مشكلة متخصصة ، بل نحو مشكلات متنوعة . والبحث العلمي ليس تفكير العلماء ، إنه تفكير يحتاج إليه كل الناس سواء كانوا مدرسين أو طلاباً أو مهندسين أو تجاراً أو مزارعين أو أطباء أو محامين . والإنسان العادي يحتاج إلى البحث العلمي في مواجهة مشكلاته ، إنه يعيش بين عشرات المواقف التي تتطلب بحثاً علمياً ، إنه بحاجة إلى أن يعرف أفضل طريقة لارتداء ملابسه ، ولاختيار طعامه ، ولتنظيم علاقاته بالآخرين ،إنه يحتاج إلى أن يصل إلى معلومات وحقائق تتعلق بعمله وتطوير هذا العمل ، يحتاج إلى معلومات تساعده على تحسين أساليب حياته وزيادة دخله .
في ضوء ذلك ، يمكن تلخيص أهمية البحث العلمي في النقاط الآتية :
1- الرغبة في حب الاستطلاع والتعرف على الجديد واكتشاف المجهول .
2- يعتبر طريقة علمية منظمة في مواجهة مشكلاتنا اليومية والعامة .
3- يزودنا بالوسائل العلمية الضرورية لتحسين أساليب حياتنا وتحسين أساليب عملنا ، وتطوير أنفسنا .
4- رفع كفاءة الفرد وبالتالي تقليل العمّال المطلوبين لإنجاز عمل معين ، وكما قال شكسبير : إذا كنت تتطلع إلى نتائج فاستثمر ، ولا شيء يأتي من لاشيء .
5- تحقيق طموحات المجتمع المادية والتعليمية والثقافية .
6- يجلب الكثير من المنافع التي تعود بالخير على البشر كافة ، وذلك لأن العلم والتكنولوجيا اللذان يرتبطان بالبحث العلمي يمثلان ملكية عامة لكل الشعب والأفراد ،وتقع على عاتق الباحثين مسؤوليات خاصة في تحقيق المنفعة العالمية من خلال العمل على زيادة المعرفة .
7- تجمع الناس معاً من مختلف المناطق والأمم والثقافات في تفاهم واحترام متبادل عن طريق البحوث التعاونية ، حيث إن المعرفة هي رصيد من الخبرة والفكر المشترك بحيث تغدو مستقلة عن الزمان والمكان والمشاهدين ، والعلم يصبح ملكية عامة عن طريق النشر .
8- يساعد على قبول أو رفض التغيير وآثاره البعيدة في المجتمعات .
9- الرغبة في مواجهة التحدي لحل المسائل العلمية .
10- تستخدم البحوث عند الشك في نتائج ودراسات سابقة وكذلك عند الرغبة في اكتشاف مدى جدية هذه الدراسات والأبحاث .
11- تستخدم نتائج البحوث في التوجيه والاختيار المهني بحيث يتم وفق ميول الفرد وقدراته واستعداداته .وإمكانات العمل بعد التخرج ، ومعرفة ظروف العمل ...الخ .
12- تساعد نتائج البحوث على إتقان العمل وزيادة كفاءته وبالتالي زيادة الإنتاج من السلع والخدمات.
13-الرغبة في الحصول على درجة علمية أو أكاديمية ( ماجستير أو دكتوراه ) .
14- مساعدة الدارس على تنمية قدراته من خلال الفهم والإلمام بالمفاهيم والأسس والأساليب التي يقوم عليها البحث العلمي) .( 7 )

سابعاً : دوافع البحث العلمي :
أ - الدوافع الذاتية ، وهي :
1- حب المعرفة : يمتاز بعض الأفراد بميل طبيعي إلى البحث والتنقيب عن المعارف والحقائق وحب الحصول عليها .
2- التحضير لدرجة علمية : قد تدفع المرء إلى البحث كونه سجل في إحدى الجامعات للحصول على درجة علمية ، فنجد من بين الباحثين من يعد بحثاً للتخرج أو الحصول على درجة ماجستير أو دكتوراه .
3- الحصول على جائزة : قد ترصد بعض الحكومات والهيئات جوائز مالية لمن يقوم ببحث معين يحل مشكلة أو يغطي جانباً من المعرفة أو يسهم في العمل على رفاهية الإنسان أو يساعد على تحقيق السلام .
4- الحصول على ترقية : قد يقوم بعض الأفراد ببحوث للحصول على ترقيات في السلم الوظيفي ، فالمدرس في الجامعة لا يرقى إلى درجة أستاذ مساعد إلا بعد أن يتقدم بثلاثة بحوث ، ولا يرقى الأستاذ المساعد إلى درجة أستاذ إلا بعد أن يقدم أربعة بحوث تتسم بالأصالة .
5- الوفاء بمطالب الوظيفة : قد تعين بعض الهيئات والشركات مجموعة من العلماء والباحثين ليقوموا ببحوث نظرية أو تجريبية للتغلب على بعض الصعوبات وإيجاد حلول لبعض المشاكل أو لإيجاد أفضل الطرق لإنتاج سلع أجود بأسعار أرخص أو لإنتاج سلع جديدة بمواصفات معينة أو حتى لإيجاد أفضل الطرق للتنظيم والإدارة .
6- الرغبة في تحقيق فكرة : قد يؤمن بعض الأفراد بإمكانية تحقيق فكرة إذا ما تحققت شروط معينة فيقومون بمحاولات لتحقيق هذه الشروط ويحاولون التغلب على الصعوبات التي تعترض طرق تحقيقها فيقوم هؤلاء بالتنقيب عن الحقائق العلمية التي تفيدهم في تحقيق الشروط التي تتحقق بفضلها الفكرة .
7- عدم الرضا برأي معين : قد يفرض على الإنسان رأي معين أو مذهب معين لا يميل إليه أو لا يشعر برضا عنه فيقوم ببحث لمعرفة تفاصيل هذا الرأي أو المذهب ومواطن ضعفه ، ويقوم بالتنقيب عن الحجج القوية التي يستطيع أن يدلل على فساده أو تناقصه
8- حب الشهرة والظهور : قد يقوم بعض الأفراد ببحوث مدفوعين برغبتهم إلى أن يكونوا مشهورين أو ذائعي الصيت ولكن ذلك قد لا يكون دافعاً للبحث عند معظم العلماء والباحثين ، لأنهم متواضعون لا يسعون إلى تسليط الأضواء عليهم وما أكثر من عاش منهم مغموراً ومطموراً .
9- الاهتمام الشخصي بموضوع معين : قد يهتم الإنسان بموضوع معين يكون له مكانة خاصة في نفسه ، فهناك مثلاً من يهتم بالموسيقى أو الرسم أو النحت أو بكرة القدم ... فنجد هؤلاء ينقبون عن كل ما يتعلق بهذه الموضوعات من معارف .
ب-الدوافع الموضوعية : أما الدوافع الموضوعية للبحث العلمي فمن أهمها :
1- وجود مشاكل : قد يدفع الباحث إلى القيام ببحثه وجود بعض المشاكل سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو علمية أو رياضية أو صحية . فانخفاض مستوى اللاعبين بإحدى الألعاب الرياضية تدعو كثيرا ًمن الباحثين لدراسة أسباب ذلك .
2- ظهور حاجات جديدة : يترتب على التقدم العلمي والتكنولوجي وارتقاء مستوى المعيشة ظهور حاجات ومطالب جديدة يضطر العلماء إلى القيام ببحوث لإيجاد طرق للوفاء بها .
3- الرغبة في إيجاد بدائل للمواد الطبيعية : قد تدفع المواد النادرة أو التي يقل وجودها باستمرار البحثين إلى البحث عن بدائل لتلك المواد .
4- الرغبة في تحسين الإنتاج : قد يقوم الباحثون ببحوث لكي يجدوا أفضل الطرق لإنتاج سلع أو أحسن من السلع المتوافرة مم يشجع الناس على التخلي عن السلع القديمة والإقبال على شراء السلع الجديدة فيضمن بذلك سوقاً دائمة لها .
5- الرغبة في زيادة الدخل القومي : تحاول كثير من الدول أن تزيد من دخلها القومي بكافة الطرق المختلفة فيقوم الباحثون فيها ببحوث في المجالات المختلفة لحسن استغلال الثروات .
6- الرغبة في تفسير بعض الظواهر : قد يقوم الباحث ببحثه لكي يجد تفسيراً لبعض الظواهر التي يشاهدها في الطبيعة الاجتماعية أو السياسية أو اللغوية أو غير ذلك .
7- الرغبة في التنبؤ : قد تدفع إلى البحث رغبة بعض الباحثين في التنبؤ بما سيحدث في المستقبل إذا ما توافرت ظروف معينة حتى نتمكن من الاستعداد له ونتلافى الكوارث إن أمكن .
8- الرغبة في السيطرة على القوى الطبيعية : قد تدفع الرغبة في السيطرة على القوى الطبيعية وتسخيرها لخدمة الإنسان الباحثين إلى القيام بالبحوث العلمية .
9- الرغبة في تطبيق بعض النظريات : قد يقوم الباحث ببحث معين بغرض إيجاد تطبيق لنظرية من النظريات تفيد في تسهيل الحياة أو تعمل على رفاهية الإنسان .(8)
ثامناً :اتجاهات الناس نحو البحث العلمي :
مما لاشك فيه ، فإن اتجاهات الناس تختلف من فرد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر نحو البحث العلمي ، ولكن مهما اختلفت الاتجاهات كان من المفروض أن يكون هناك قاسم مشترك أعلى بين هذه الشعوب وهو الاحترام والاهتمام بالبحث العلمي . كان ينبغي على المواطنين أن يشعروا بأكبر قدر من الاحترام للبحث العلمي بعد أن شاهدوا مواكب التقدم المذهل وبعد أن زاد أثر العلم عليهم . ولكن كثير منهم لسوء الحظ لا يتمتعون بهذا الفهم الذكي لطبيعة البحث العلمي وقيمته وعلاقته بحياتهم . وبناء عليه فقد نشأت عندهم ،عن وعي أو غير وعي ، اتجاهات نحو العلم والبحث العلمي تعوق من تقدمه ومن هذه الاتجاهات :
1- كبت البحث العلمي : هناك بعض الأفراد والجماعات لا يودون أن ينتزع العلماء من الناس أنماط التفكير والسلوك التقليدية ، خوفاً على مصالحهم الخاصة المرتبطة بالوضع القائم ، أو تشككاً في الأفكار والتطورات الجديدة ؛ نظراً لأن التغير بالنسبة لهم غير ضروري وغي مرغوب فيه ، ويقاومون بعنف الأفكار والمعتقدات والعادات السائدة . وفي التاريخ أمثلة عديدة حول قيام السلطات بمنع العلماء من تطوير المعرفة فحُرق الفلكي تيخوبراهي ، وأدانت محاكم التفتيش غاليلو ، وتجاهل المجتمع مبدأ مندل للدراسة لمدة 35 سنة ، وواجه ديوي وتلاميذه الذين أرادوا أن يجعلوا التربية أكثر علمية ، هجوماً عنيفاً .
2- السخرية من البحث العلمي : يسخر بعض الناس من جهود المشتغلين بالبحث العلمي ، بدافع من الجمود أو الجهل ، أو الاعتقاد باستحالة تحقيق قدر أكبر من التقدم في المعرفة .وينظرون إلى العلماء على أنهم أفراد عجيبون ، يعبثون في صبر بالفئران أو المواد الكيمياوية أو الكتب ،بدلاً من أن يواجهوا مشكلات الحياة العلمية . لقد اقتنع هؤلاء النقاد بأن كل الاكتشافات الهامة قد تم التوصل إليها .ويعتقدون أن العلماء يشغلون أنفسهم بمشكلات تافهة .
3- تقديس البحث العلمي : ليس الاستهزاء بالبحث العلمي أو كبته العاملين المسؤولين وحدهما عن إعاقة التقدم الاجتماعي ، بل أن الإعجاب الأعمى قد يؤدي إلى نفس النتيجة .إذ يضع بعض المربين وطائفة من الناس البحث العلمي على هيكل عال ويقدسونه ، فهم يؤمنون بأن العباقرة موهوبون ويستخدمون أساليب معقدة لا يستطيع عامة الناس أن يفهموها أبداً ، ويقبلون كل نتائج البحوث العلمية على أنها حلول ثورية للمشاكل التي يواجهونها . ويقبلون النظريات الجديدة بشوق ويطبقونها سواءً فهموا مغزاها أم لا ، طمعاً في أن يشتهروا باليقظة والتقدم ،متجاهلين كل ما ينبغي مراعاته من الحذر والنقد .
4- نزعة الاستعلاء العنصري : ينظر بعض الناس إلى التقدم العلمي على أنه شيء يحدث تلقائياً بعد أن شهدوا سلسلة من التغيرات العلمية البارزة في أوطانهم ، فكثيراً من الأمريكيين يفترضون أنهم قادة العالم ؛ لأنهم يتمتعون غريزيا بالقدرة على حل المشكلات وقبلهم دفع شعور مماثل بالفخر القومي الكيميائيين الألمان إلى الإدعاء بأن نجاحهم يرجع إلى أنهم يتميزون بصفات خلقية خاصة . ولكن من السذاجة أن تعتقد أي أمة أنها تحتكر الاستعداد العلمي .
5- تفضيل البحث التطبيقي على البحث البحت : يميل معظم الناس إلى تفضيل البحث التطبيقي الذي يقدم نتائج عملية ومباشرة ونافعة وسريعة مثل اختراع دواء معين أو جهاز معين .إ لا أنهم أقل تحمساً للبحوث الأساسية البحتة التي تجاهد لكشف أسرار الطبيعة الهائلة رغم أن هذه البحوث قد تؤدي في النهاية إلى فائدة أكثر من البحوث التطبيقية .
6- تفضيل البحث في العلوم الطبيعية على العلوم الاجتماعية : فبينما يضاعف رجال الصناعة والسياسة ما ينفقونه على البحوث لإنتاج المزيد من أدوات الرفاهية والأسئلة الفتاكة ، فإنهم لا يهتمون بنفس الدرجة بتوفير الأحوال للبحوث التربوية .إن البحث عن طريقة أفضل لتنمية قدرات أبنائنا لا يُحظ بمثل الاهتمام الذي يُحظى به صنع نموذج جديد لسيارة .
7- الجهل في البحث العلمي وأهدافه : أدّى جهل الجماهير بطبيعة البحث وأهدافه إلى نشأة كثير من الاتجاهات غير المرغوب فيها نحو التعلم ، ذلك أنه إذا ظل المواطنون على جهل بالبحث العلمي ، فقد يقفون عقبة في سبيل التقدم الاجتماعي ويهدّدون النهضة القومية . أما المواطنين العارفين بقيمة العلم فيقدرون أن التقدم الاجتماعي أمر نحققه بالبحث الجاد عن حلول للمشكلات التي نعانيها .(9 )

بقي أن نقول : أنه مهما اختلفت اتجاهات الناس نحو البحث العلمي فهذا الأمر إن دل على شيء إنما يدل على اختلاف درجات الوعي المعرفي لدى الناس من جهة ، وأن عملية البحث العلمي تعد منظومة متكاملة ونسيج مترابط بين الباحثين ومؤسساتهم البحثية والمجتمع من جهة أخرى .

تاسعا : مؤسسات البحث العلمي :
في البحوث العلمية يتم الآن في مراكز ومؤسسات عديدة ، لاسيما في الآونة الأخيرة التي لم يعد فيها البحث العلمي عملاً فردياً ينجزه شخص بمفرده ، بل أصبح مهمة من مجموعة الأشخاص يعملون كفريق ، بل أنه بات نظراً لتكلفته عملاً تدعمه الدولة أحياناً والمؤسسات التعليمية أحياناً أخرى ، كما تتولاه في بعض البلدان مراكز صناعية ومؤسسات تجارية ، بل تتضافر على إنجازه جهود دولية كما نرى في تعاون الولايات المتحدة والدول الأوربية في حقل أبحاث الفضاء .
من مؤسسات البحث العلمي العامة في هذه الأيام ما يلي :
1- الجامعات والكليات والمعاهد ، حيث يشكل البحث العلمي إحدى الوظائف الهامة لهذه المؤسسات .
2- مراكز البحث الحكومية ، وهي أما أن تكون عامة تضم معظم حقول البحث في البلد الواحد ، وتتداخل في نطاقها البحوث التطبيقية والأساسية ، وأما أن تكون متخصصة فتعمل في موضوع واحد أو مجموعة من الموضوعات المتقاربة ، وقد تكون هذه المراكز دوائر قائمة بذاتها كالأكاديميات ومجالس وجمعيات البحث ،وقد تكون أقساماً تابعة لبعض الدوائر كأقسام البحث في بعض الوزارات .
3- المؤسسات البحثية التي تتعاقد على القيام بالبحوث مع الجهات المستفيدة من البحث ، وتقوم الجامعات في بعض الأحيان بالبحث العلمي على أساس تجاري ولغرض الربح ، فتتعاقد الجامعة أو تتعاقد مجموعة من الجامعات على القيام بالبحث لقاء أجور .
4- مراكز البحوث التابعة للصناعة ، ففي كثير من الصناعات الكبيرة ومؤسسات الإنتاج في بلاد الاقتصاد الحر تقوم مختبرات بأبحاث تخدم أغراض المؤسسة الصناعية .
5- مراكز بحث حرة ، ومراكز تابعة لمؤسسات الخدمات الاجتماعية . (10)

عاشراً : عوامل نجاح البحث العلمي :
تقف وراء البحوث العلمية الناجحة عدة عوامل متضافرة أو مجتمعة معاً ، وفي غياب هذه العوامل فبالتأكيد أن عملية البحث العلمي ستنهار أو تصاب بالشلل ، ولعل نقطة البدء في تنشيط البحث العلمي في أي دولة هو تحديد المعيقات ، ووضع إستراتيجية عامة للتغلب عليها
والقيام بفعل معاكس لتأثيرها ، ويمكن تلخيص بعض عوامل نجاح البحث العلمي بالآتي :
1- وضع سياسة واضحة للبحث العلمي ، فسياسة البحث تشكل إطاراً مرجعياً لكل إداري ومشرف ممارس ومقوم ومتابع لأنشطة البحث . وتتضمن هذه السياسة :
أ- الأهداف والتطلعات العامة للفرد والمجتمع .
ب- السبل والإجراءات اللازمة لحقيق الأهداف .
ج- توفير مستلزمات البحث المادية والفنية .
د- الجهات التي تقوّم البحث والتنسيق بينهما .
2- تحديد أولويات البحوث بما في ذلك أشكال البحوث وأنواعها ، فأولويات تنشط البحث وتعزّزه وتوجهه نحو الأهداف والمجالات الأكثر إلحاحاً ضمن جُهد منظم ومنسق .وتتحدد أولويات البحث فيما يلي :
أ- السياسة العامة واهتمامات المجتمع .
ب- نوع الخبرة المتاحة للبحث ومدى توفر الإمكانات البحثية .
ج- إمكانية توفر التمويل لبحوث معينة دون سواها .
د- البحث في المشكلات المشتركة التي يعاني منها معظم الأفراد والمجتمعات .
و- القيام بالبحوث التي يمكن الاستفادة منها في حل المشكلات وتطوير العمل .
3- وضع خطة للبحث العلمي ، والخطة هي ربط العمل المراد انجازه بالزمن بعد تقدير المستلزمات ومعرفة مدى توفرها. فالخطة هي ترجمة سياسة البحث إلى مراحل تنفيذية معينة . وخطة البحث يجب أن تتضمن الأهداف والأنشطة والوسائل والمدخلات الأساسية من بشرية وفنية ومادية .
4- دعم البحوث العلمية وإنشاء مراكز البحوث والتطوير وذلك كون البحوث مكلفة وتحتاج إلى تدريب ومهارات معينة قد لا يستطيع الأفراد توفيرها بمفردهم ، كما تتطلب بعض البحوث فريقاً كبيراً ًمن الباحثين مما يوجب على الدول إنشاء مراكز للبحوث على مستوى الدولة ودعمها مادياً وفنيا وتزويدها بالأجهزة والمعدات اللازمة .
5- توفير قاعدة معلومات حديثة وشاملة وسهل الوصول إليها وتزويد الباحثين بالمصادر والمراجع
6- حث جهات وأصحاب العمل على توفير ظروف عمل ومكافآت ورواتب مجزية للباحثين .
7- حماية حقوق البحاث والمؤلفين في مؤلفاتهم وأبحاثهم .
8-حماية حقوق البحاث والمؤلفين في مؤلفاتهم وأبحاث .(11)
9-إنشاء مكتبات تؤمن احتياجات الباحثين من مصادر المعلومات الحديثة في مختلف التخصصات والاتجاهات الفكرية قدر الإمكان .
10- وجود بنية عقلية قادرة على فهم واستيعاب دور وأهمية البحث العلمي في التطوير.
11- وجود شركات بحثية تعمل على أخذ البحوث النظرية من الباحثين وتحويلها إلى جانب عملي .

حادي عشر :أسباب ومؤشرات أزمة البحث العلمي في الوطن العربي :
قبل الخوض في تحليل واقع البحث العلمي في الوطن العربي لابد من القول :إن مسألة التقدم والتخلف مرتبطة بالبحث العلمي ، وكذلك مرتبطة بالدور الفاعل للجامعة ، وبعض المراكز البحثية التي أعدت لإجراء البحوث ، والأموال التي خصصت للصرف على هذه البحوث ، أضف إلى ذلك ، ما مدى القدرة على تحويل هذه البحوث إلى واقع عملي ملموس ؟ إن الفرق بين الدول المتقدمة والمتخلفة ينطلق من حقيقة مفادها :إن الدول المتقدمة هي تلك التي تستطيع أن تحوّل البحوث النظرية إلى واقع عملي ملموس من قبل المواطن . في حين أن الدول المتخلفة هي تلك الدول التي لا تستطيع أن تحوّل البحوث النظرية إلى واقع عملي ،وإذا كان الأمر كذلك ، فما بالك ، إذا كانت الدول المتخلفة لا تمتلك أصلاً مراكز وشركات للبحوث ، وإن وجدت فهي محدودة وتفتقر إلى الدعم المطلوب . إذن فكيف تستطيع أن تُنتج بحوثا تعالج مشاكلها وما أكثرها! ومن ثم تحوّلها إلى جانب عملي ؟ ويُتضح هنا مكامن الأزمة وملامحها .
الأزمة :التحدي والمواجهة : تشكل المواجهة العربية لأزمة البحث العلمي تحدّياً كبيراً وتاريخياً ، وعملية التحدي متأتية من أن هناك فهماً قاصراً ، وقلة إدراك للأزمة على الصعيد المحلي للدولة الواحدة ، وعلى الصعيد القومي ، أضف إلى ذلك ، هناك تصور أو رؤية تكمن في كون هذه الأزمة ممكن أن تأتي وتمر تحت ظروف معينة ، ويمكن أن تنتهي وتزدهر من بعدها أمور البحث العلمي ،ويعم الخير والرخاء أرجاء الأمة العربية ، وبالتالي من غير اللائق في ذات الآن أن نحمّل طرفاً أو جهة ما مسؤولية هذه الأزمة والآثار السلبية المترتبة عليها ، وعندها نبرئ ساحة الجميع من القصور الذي انتاب عملية البحث العلمي على الساحة العربية .
إن مواجهة أزمة البحث العلمي تأتي من خلال قبس الإفصاح والتنويه عنها ، وهذا ما نحاول أن نفصح عنه اليوم أولاً ، ومن ثم كشف النقاب عن واقع البحث العلمي ثانياً ، ونقد وتحليل هذا الواقع ثالثاً ، ووضع رؤية جديدة أو بديلة لهذا الواقع من أجل خلق مناخ علمي جديد وانتشاله من واقعه المأزوم ووضعه في صورة المعلوم رابعاً .
تنطلق أزمة البحث العلمي في الوطن العربي من حقيقة لا يمكن تجافيها أو إغفالها ، تتمثل في أن مشروع البحث العلمي العربي لم يستطع بعد أن يقتلع أو على الأقل يخفف أو يخلص الإنسان العربي من ثقافة الخوف التي لازمت ولا تزال تلازم الإنسان العربي ، وعملية الخوف تتمثل في الخوف من الغرب والديمقراطية ، وحرية التفكير . وعقبة الخوف التي تعودت الأمة على عدم اقتحامها ، تجعل شعوب هذه الأمة تعيش في حالة تردد دائم ، ولذلك كان لزاما ًعلى مشروع البحث العلمي العربي أن يخفف من وطأة هذه العقبة من خلال الدراسات النفسية والاجتماعية ومن قبلها الإعلامية ، التي لا تزال غارقة في العموميات أو الأطر العامة ،تاركة وراءها ما يعاني منه المجتمع العربي من مشاكل عدة .
من المسؤول عن الأزمة ؟

تتطلب عملية تسليط الضوء على واقع البحث العلمي العربي ، إماطة اللثام عن الجهات أو الأطراف المسؤولة عن سبب هذه الأزمة ، وتعثر عملية البحث العلمي في الوطن العربي ، ويمكن أن تصنف تلك الجهات على أنها الحكومات في الدول العربية أولاً ، والمؤسسات والدوائر الحكومية التابعة للدولة ( مثل الجامعات ) ثانياً ، ومؤسسات ودوائر غير حكومية ، متمثلة بغياب الشركات والمؤسسات التي تتبنى بحوث الباحثين عند محاولة تطبيقها عملياً ثالثاً ، أما الطرف الرابع ، فهم الأفراد (الباحثون) ، الذين صمتوا أمام أخطر أزمة واجهت – ولا تزال تواجه الأمة العربية .(12)
مؤشرات أزمة البحث العلمي في الوطن العربي :
ليس من المبالغة في شيء القول : بأن البحث العلمي والإبداع التكنولوجي بالوطن العربي إنما يبدو الحلقة الأضعف في برامج السياسات التي اعتمدتها جُلّ الدول العربية منذ مرحلة "الاستقلالات" الوطنية وإلى الوقت الراهن .الحقيقة أن الواقع المتدني الذي يطاول مكانة البحث العلمي لا تظهر تجلياته الكبرى فقط في العديد من المؤشرات المعتمدة لقياسه ولا في حالة عدم التنسيق المؤسساتي الواضح بين العناصر المتداخلة في العملية ‘إياها على المستويات القطرية ، ولكن أيضاً بجانب تغييب البعد القومي الذي من المفروض أن ينظم ذات العملية ويفسح لها في مجال التشكل والتطور .
إن هذا الوضع غير المرضي والمتدني للبحث العلمي في الوطن العربي يعود إلى عدد من الأسباب والمؤشرات والدلائل التي تؤكد وجود الأزمة ، منها :
1- أزمة العقل العربي الراهنة :
لقد أصبح العقل شاغل الجميـع بعد أن أضـحى مصير الأمم والشعـوب رهناً بنتاج العقول ، وقدرة أصحابها على مواجهـة القوى الاجتماعية الحاكمة ، السياسـية والاقتصـادية والعسكرية ، وكذلك القوى الرمزية ( ويقـصد بها القوى الليـنة التي تشـمل الثقافة والتربية والإعلام والفكر وما شابه) .لقد خلـصت دراسـة لليونسكو إلى أن الفكـر السياسي قد تخلف ، وهناك بون شاسع بين خيالنا السياسي وخيالنا العلمي ، وبالقطع لم يصب الخمول فكرنا السياسي دون سواه ، ففكرنا الاجتماعي ما زال يحوم حول أطلال ماكس فيبر ودوركايم وكارل ماكس ؛ عاجزاً عن فهم طبيعة مجتمع المعرفة ، وفكرنا الاقتصادي ما زال أسير(اقتصاد الكازينو) يسعى دون جدوى لمد نموذج اقتصاد عصر الصناعة ليشمل الاقتصاد الجديد، اقتصاد عصر المعلومات ،وأخيراً وليس آخراً، ما زال فكرنا التربوي يقف حائراً غير قادر على استيعاب ما تعنيه نقلة التعلم عن بُعد، والتعلم مدى الحياة ، فما زال أسير ما خلفه له تعليم عصر الصناعة ذو طابع إنتاج الجملة ،القائم على ) تجنيس العقول وتقييسهاstandardization ) ،وهو الطابع الذي ينكر على الصغار إبداعهم ،ويخرس أفواه الكبار لينضموا – تباعاً- إلى جحافل الأغلبية الصامتة .
أما العقل العربي ، فبادئ ذي بدء وقبل الخوض في الحديث عن فجوة العقل العربي ، لا يمكن لنا، ولا لغيرنا إنكار وجود عقول عربية شامخة في معظم فروع العلم، نكن لها أسمى آيات التقدير والتبجيل، إلا أننا لسنا في مقام سرد الاستثناءات، بل بصدد عرض ظاهرة عامة إن صح القول، فالعقل العربي في راهنه عقل حائر بين إرث ماضيه ومطالب حاضره وتحديات مستقبله( فهو في كثير من الأحيان رهين أو أسير الماضي ) ، عقل ترهل وتشوهت رؤاه وتهرأت عدته المعرفية ، فراح يجتر مقولاته القديمة ويردد مقولات غيره ، وما أندر ما يستوعبها ، وهو يرزح منذ زمن تحت نير التبعية بجميع صنوفها :فكرية وعلمية وتعليمية وإعلامية ... ، وقد ارتضى في ظلها أن يحيل حل مشاكله إلى غيره ؛ فأوكل مشاريع تنميته لمقاولي الخارج تسلم له على الجاهز ، وأوكل نصوصه المحورية إلى المستشرقين ترد له جاهزة ، مبوبة ومؤوّلة ، ممزوجة بأهوائهم .أفكارهم عن تاريخنا وتراثنا وسلوكنا مشوهة أو شوهت .خلاصة ، دعنا نوجز لنقول :إن العقل العربي- في غالبيته- إما صنيعة سلفه ، أو صنيعة غيره .

يواجه العقل العربي أزمات طاحنة على جميع الأصعدة ، وقد عجز عن مواجهة واقعه ، وانعزلت نخبته عن عامته تاركة إياها لقمة سائغة للقوى الرمزية الضارية المصوبة إليها من الخارج والداخل عل حدٍ سواء ، وهكذا باتت الجماهير العربية ضحية لترسيخ عقد التخلف الحضاري ، والغوغائية الدينية، والتضليل الإعلامي ، والجمود التربوي ، واللاعلمية في طيفها المكتمل : شبه العلم – زائف العلم – ادعاء العلم – معاداة العلم – الخرافة .
لقد أوضحت النقلة النوعية لتكنولوجيا المعلومات مدى حدة أزمة العقل العربي ، في الوقت ذاته تنطوي كل أزمة – وفقاً للحكمة الصينية – على فرص لا تتيح فقط إمكان الخروج من الأزمة ، بل تدفع إلى الانطلاق واللحاق بمن سبقوا ، ولم تصدق هذه الحكمة قدر ما تصدق الآن نظراً للإمكانات الهائـلة التي توفرها تكنولوجيا المعلومات خـاصة في مـجال الإنـتاج العلمي .(13)
بعض المظاهر والمآخذ على العقل العربي :
إضافة لما تقدم ، يمكن أن نذكر عدد من المظاهر والمآخذ التي تأخذ على العقل العربي مع الإقرار بصعوبة الفصل بين الأسباب والمظاهر ، نذكر منها :
1- بحوث أكاديمية دون منتجات استثمارية.
2- ترقيات أكاديمية دون ارتقاء علمي .
3- نشر علمي ضامر ، لا يرى معظمه النور إلا من خلال المنافذ المحلية تهرباً من غربلة الترشيح العلمي لمنافذ النشر الأجنبية المحكمة .
4- ارتفاع مذهل في عدد الجامعات من عشر جامعات في بداية الخمسينيات إلى 184 جامعة حالياً ، فإنه لم يحدث- كما يقول أحد الخبراء- نوع من التطور المحسوس في حركة المجتمع العلمية والثقافية .
5- إساءة استخدام مفهوم الخصوصية في العلوم الإنسانية والاجتماعية – كما خلص تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني- وهو ما أدى إلى تمحور حول الذات وشبه مقاطعة معرفية مع فكر الآخرين .
6- حصاد من بحوث الدراسات العليا مكدس على الرفوف يلتقط الأتربة ، وما أكثر ما فيه من نقل وتكرار، وتشبه بالعلم ، وتزيفه أحياناً .
7- غيبة المشاريع البحثية المشتركة بين البلدان العربية ، وعزوف شبه تام عن المشاركة في الموارد سواء على المستوى البشري أو المادي أو المعلوماتي .
8- حصيلة ضخمة من اللقاءات العلمية تشكو من الخواء الفكري وعجلة الإعداد ونقص الحضور وغزارة التوصيات من دون متابعة جادة ومردود فعلي ملموس .
9- انفصال شبه تام بين العلوم والفنون ، وإهمال المعرفة العلمية الكامنة وراء الفنون .
10- فجوة بين نتاج التعليم وسوق العمل ، وكمّ تعليمي بلا كيف ، وتلقين دون تحصيل ، يؤكد ذلك تراجع مواقع البلدان العربية إزاء بلدان المقارنة عند الأخذ في الاعتبار نوعية الناتج التعليمي . 11- هجرة متنامية للعقول العربية في المجالات العلمية والهندسية ، وتقطع الجسور بين العقول المهاجرة والعقول الباقية في أرضها .
12- محاولات شبه مستحيلة ومتعجلة لما أطلقوا عليه "أسلمة المعرفة" يسودها طابع طوباوي رد فعلي ، تتراوح بين دعوى البداية من الصفر ، والانتقائية العلمية ، أو الفصل بين علوم الطبيعيات والإنسانيات ، وجميعها توجهات تتناقض في جوهرها مع خصائص العلم في عصر المعلومات .
13- التبعية التكنولوجية المترسخة ، وقد أنفق الوطن العربي في ثلاثة العقود الأخيرة على مشاريع التسليم (turnkey) ما يقارب من 1000 مليار دولار ، وهو ما يوازي 20 ضعفاً لما أنفقه مشروع (مارشال) لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية .
14- وأخيراً وليس آخـراً ، عدم إدراك كثير من علمائنا لأهمية فلسفة العلم وتاريخ تـطوره واستشراف توجهاته القادمة ، لاسـيما فيما يتعلق بالنقلات الـنوعية الحـادة بفعل المتـغير المعلوماتي ، وربما يرى العض في هذا سبباً هامشياً، إلا أنه – بالحتم- ليس كذلك في عصر باتت فيه فلسفة العلم هي الفلسفة الأم- إن جاز التعبير- وباتت في منطلقاً أساسياً للفكر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي .(14)
أسباب فجوة العقل العربي :
يمكن إدراج هذه الأسباب بالشكل الآتي :
1-سياسات علمية تفتقد الواقعية ، والخطط الإجرائية ، ومؤشرات قياس مدى التقدم في تنفيذها.
2- تدني أداء مؤسسات التعليم الرسمية .
3- ضعف الموارد الحكومية المخصصة للإنتاج العلمي ، وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في مجالاته
4- ظاهرة العلم الضخم وما نجم عنها من تبعية علمية وتكنولوجية .
5- ضعف الطلب على إنتاج العلم ، ومحدودية النشاط الابتكاري ، وتدني تمويل البحث العلمي من قبل القطاعات الإنتاجية والخدمية .
6- غياب التراكم المعرفي،وضعف الحوار بين التيارات الفكرية المختلفة (مثل :القومي والديني والعلماني)، فكل تيار منها عادة ما يستهل خطابه بنسف الركائز التي يقوم عليها فكر التيارات الأخرى .
7- عدم مواكبة المؤسسات الأكاديمية لحركة تطور العلم وإغفالهم للعلوم الأساسية
قياس فجوة العقل العربي :
إضافة لما تقدم ، يمكن أن نذكر العديد من الإحصاءات التي تدل على مدى فجوة العقل العربي التي تعاني منها الأمة العربية حالياً ، نكتفي منها بذكر الآتي :
1-ينفق الوطن العربي على البحوث والتطوير(0.2%) في المائة من إجمالي ناتجه المحلي ، أي ما يعادل سبع المتوسط العالمي (1.4 %) في المائة .
2- نسبة البلدان العربية من النشر العالمي لا تتعدى (0.7%) في المائة ، أي أقل من سدس نسبة العرب إلى إجمالي عدد السكان علمياً .
3- معدل الإنفاق الحكومي سنوياً على كل طالب جامعي 2400 دولار في مقابل 14200 دولار في دولة مثل إسبانيا .
4- إنتاج العرب من الكتب لم يتجاوز(1.1%) في المائة من الإنتاج العالمي على رغم أن العرب يشكلون نحو (4.5%) في المائة من سكان العالم .
5- معدل الإنفاق على البحوث والتطوير لكل نسمة 6 دولارات مقابل 953 دولاراً في الولايات المتحدة ، و40 دولاراً في الصين .
6- عدد براءات الاختراع العربية المسجلة في الولايات المتحدة خلال الفترة من 1990- 2000 لا تتجاوز رقم 300 في مقابل كوريا الجنوبية 16328 (وإسرائيل 7652)
7- معدل عدد الصحف لكل 1000 شخص أقل من 53 مقابل 285 صحيفة لكل 1000 شخص في البلدان المتقدمة .
8- عدد البحوث المنشورة لكل مليون نسمة يتكرر ورودها في مصادر الأبحاث الأخرى التي تحيل ) وهو مؤشر بالغ الدلالة على نوعية البحوث،لمصر(0.2 ) citation index) (0.2) إليها ،(0.07) للسعودية ، (0.53) للكويت ، (0.01) للجزائر ، في مقابل 43 للولايات المتحدة ، و80 لسويسرا ، و38 (إسرائيل) ، و(0.03) للصين .(15)
2- قصور الجامعات العربية في مجال البحث العلمي :
لن يكون في استطاعة أية قراءة لأسباب تخلف البحث العلمي في الوطن العربي ومحاولة النهوض به نحو مكان مرموق أن يكتب لها النجاح ، إن لم تأخذ هذه القراءة نوع العلاقة بين الجامعات وحركة البحث العلمي من جهة ، والعلاقة بين الجامعة والمجتمع من جهة أخرى ،؛ وذلك لأن الجامعة تمثل أعلى مراحل التعليم ؛ ولأنها في ذات الآن تعمل على حل مشاكل المجتمع ، وعملية الحل لا تأتي إلا من خلال مراكز المعلومات والأبحاث المرتبطة في أغلب الأحيان بالجامعات ، ومن هنا يتطلب الأمر مدّ جسور العلاقة بين الجامعة والمجتمع ، ولا ينبغي أن تنحصر رسالة الجامعة بالتعليم فقط ، وعالمنا المعاصر اليوم ، عالم متغيّر لا يهدأ ، لا يستقر على حال ، وعلى جميع الأصعدة : السياسية والاقتصادية ، والتقنية ، بل حتى العلاقات الدولية ،وكل ذلك التغير مرتبط بمشروع البحث العلمي الذي تتبناه كل دولة من دول العالم المتقدم، فأين نحن منه ؟ .(16)
يتضح هنا قصور الجامعات العربية في مجال البحث العلمي ، فهي في وادٍ ومشاكل المجتمع العربي في وادٍ آخر ، يظهر ذلك من إلقاء نظرة على واقع هذه الجامعات ، إذ تشير الإحصائيات إلى أن هناك ما يربو على 184 جامعة عربية و140 كلية جامعية حكومية وخاصة ، حسب إحصاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لعام 1999 . وإن أغلب هذه الجامعات تشهد غياب مراكز البحوث المفروض أن ترتبط بها.ويظهر القصور من خلال إجراء مقارنة بين الأنصبة التعليمية للأساتذة العرب مع نظرائهم في الجامعات الغربية ، إذ نجد نصاب الأستاذ العربي يعادل ضعف نظيره في الجامعات الغربية والأمريكية . وهذا يأتي بطبيعة الحال على حساب إنتاجية الأساتذة في ميداني البحث العلمي ، وخدمة المجتمع اللذين يشكلان دعامتين أساسيتين في رسالة الجامعة وأهدافها .
أما الإنتاجية ، فإن الإحصائيات والتقديرات تشير إلى أن ما ينشر بالوطن العربي سنوياً لا يتعدى 15 ألف بحثاً ... لو قسناه إلى عدد أعضاء هيئة التدريس البالغ 55 ألف ، لتبين أن معدل الإنتاجية يبقى في حدود (0.2- 0.5) أو (0.3) بحث في السنة على مستوى الوطن العربي ، وهو وضع متردي ،إذ لا يمثل إلا(10%) بالمائة من معدلات الإنتاجية بالدول المتقدمة... و(70%) بالمائة من إنتاجية علماء (إسرائيل) (كانت النسبة( 40%) بالمائة سنة 1967 ) .والأبحاث المنجزة من قبل أعضاء هيئة التدريس ، يغلب عليها المحدودية في تناولها للموضوعات المبحوثة ، وبُعدها عن الاحتياجات الحقيقية للتنمية ، وتفتقر إلى روح الفريق والعمل الجماعي ، والجهد العلمي الرصين ، ويقصد بها الترقية لا غير .
يتعارض هذا القصور في مجال البحث العلمي مع التوجه الحديث المؤكّد على تبنّي مفهوم الجامعة المنتجة التي يتكامل فيها التعليم والتدريس مع الوظائف الأخرى للجامعة ، وبالذات البحث العلمي ، وخدمة المجتمع ، مما يمكّن الجامعة بالتالي من تحقيق عوائد إضافة تدعم بها أنشطتها وبرامجها ، ليس ذلك فحسب ، بل إن هذا النشاط يضفي مصداقية أكبر على دور الجامعة في خدمة مجتمعها المحلي وتطويره ، ودفع عجلته الإنتاجية بعيداً كل البعد عن التقوقع في برجها العاجي .
إضافة لما تقدم ، فإن قصور الجامعات في مجال البحث العلمي يظهر من خلال سياسة التوظيف الدائم للأساتذة في الجامعات العربية بغض النظر عن إنتاجيتهم وأدائهم ، علاوة على خلوّ العديد من المؤسسات الأكاديمية للحدود الدنيا من مستلزمات عملية البحث العلمي الجاد والرصين ، إذ لعلّنا لا زلنا نشكك في أعماقنا بجدوى البحث العلمي ونتائجه لأسباب ثقافية متوارثة .(17) (18)
3- هجرة الكفاءات العربية للخارج :
تردي الأوضاع الاقتصادية لأعضاء هيئة التدريس والباحثين أدت وتؤدي إلى هجرة واستنزاف العقول العربية للخارج لاسيما نحو أمريكا وكندا وفرنسا ، ومن غي المجانب للصواب كثيراً حقيقة القول بأن هجرة الأدمغة والكفاءات العربية إنما هي في الآن ذاته نتاج هشاشة منظومة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وسبباً رئيساً في استمرارية ذات الهشاشة بالزمن والمكان .
إن من بين أهم الأسباب الجوهرية الكبرى التي تدفع الشريحة العالية التكوين والتأهيل للهجرة من الدول العربية بجهة الغرب ذلك السبب الذي يرتبط بهشاشة منظومة البحث العلمي والإبداع التكنولوجي والتي تَحُول ليس فقط دون الاستفادة من خبرات العلماء والمهندسين العرب ذوي التكوين العالي(بالداخل والخارج) ، بل وتَحُول أيضاً دون خلق شروط التواصل فيما بين هؤلاء (فيما بين الدول العربية) يكون من شأنها الدفع بمشروع بحثي أو البحث عن سبيل تطبيق برنامج مستحدث من لدن هذا العالم (أو المجموعة) أو تلك .
لا يقتصر الأمر بهذه النقطة عند ضعف الإمكانات المادية وتدني شروط البحث العلمي ، بل يتعداه ليطاول شتى ضروب الاتصال والتواصل مع المراكز بالعالم أو المعاهد المشتغلة على هذه المسألة أو تلك لاسيما لو كانت الكفاءات من مستوى عالي يستحيل في ظل وضعية التخلف ترجمة معارفها بأرض الواقع (حالة الكفاءات الطبية أو النووية أو غيرها) .
أما السبب الثاني فيتراءى لنا كامناً في التغييب المستمر لمنظومة الحرية وسبل التعبير والتفكير التي اللازمة الأساس لعمليات البحث العلمي بالوطن العربي كما بما سواه من مناطق وجهات العالم . ذلك ترتب عليه خسائر كثيرة للوطن العربي ، منها انخفاض للرصيد المعرفي للبلد الأصل ، كذلك الهجرات من شأنها تقويض سبل إفراز كفاءات جديدة من لدن ذات الكفاءات نفسها إن تسنى لها أن تبق ببلدانها . علاوة على ذلك ، ليس ثمة شك كبير (بالملاحظة كما بالمعطيات الإحصائية ) أن هجرة الكفاءات إنما هي مصدر خسارة كبرى للبلدان الأصل ، إذ من بين 300000 من خريجي المرحلة الجامعية الأولى من الجامعات العربية في العام الدراسي 1995- 1996 ، يقدر أن نحو 25% بالمائة هاجروا إلى أمريكا الشمالية ودول السوق الأوروبية . وبين عامي 1998 و2000، غادر أكثر من 15000 طبيب عربي إلى الخارج .(19)
4 - ضعف التمويل المالي :
إن هذا الوضع غير المرضي لوضعية البحث العلمي ، يعود إلى تدني ما تخصصه الدول العربية للبحث العلمي مقارنة مع الدول المتقدمة ، إذ لا شيء يسد الفجوة التقنية الهائلة التي تفصل الدول المتقدمة عن الدول النامية مثل معرفة أن مما ينفق على عملية البحث والتطوير في العلم وفق عام (2002) تتم بحدود (2.4%) ، والدول المتطورة بحدود (2.6%) .أما ما ينفق على البحث والتطوير في الدول النامية فيبقى في حدود (0.9%). (20)
أما الدول العربية (مجتمعة وعلى المستويات القطرية ) فينفقون على البحث والتطوير من إجمالي نواتجها الداخلية للبحث العلمي ، إذ لا تتعدى في المتوسط (0.2%) من الدخل الوطني الإجمالي كما يتضح من الجدول رقم (1) مع وجود تباين نسبي بين دول عربية وأخرى .

المنطقة أو مجموعة البلدان و معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية)
البلدان : الولايات المتحدة، اليابان، السويد - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):3.1%.
البلدان : ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):2,4%.
البلدان : إيطاليا، أستراليا، كندا، اليونان، البرتغال، إسبانيا - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):0.7%.
البلدان : تركيا ، المكسيك - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):0.4%.
البلدان العربية - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):0.2%.
المنطقة : كوبا - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):0.5%.
المنطقة : بوركينافاسو - معدل الإنفاق من الدخل القومي الإجمالي(نسبة مؤية):0.2%.

جدول رقم(1) يشير إلى معدل الإنفاق كنسبة من الدخل القومي الإجمالي في عدد من الدول(1990-1995)
تبرز إحصائيات اليونسكو للعام 2004، أن الدول العربية مجتمعة لم تخصص للبحث العلمي إلا ما يعادل (1.7) مليار دولار ، أي ما نسبته (0.3%) بالمائة من الناتج القومي الإجمالي ... في حين أن الإنفاق على البحث في إسرائيل مثلاً (ما عدا البحث العسكري) تجاوز (2.6%) بالمائة من حجم إجمالي إنتاجها القومي في العام 1999، وقارب إلى (5%) بالمائة سنة 20004.
على الرغم من التباين النسبي في مخصصات البحث العلمي بين دولة عربية وأخرى (كما يظهر ذلك من الجدول التالي )، فإن خاصية الضعف والتدني تبقى الخاصية الكبرى لها مجتمعة
.

البلد - نسبة الإنفاق على البحث العلمي
مصر: 0.4%.
الأردن:0.3%.
المغرب:0.9%.
سوريا: 0.2%
تونس: 0,5%
الكويت: 0.2%
لبنان: 0.1%
السعودية:0.1%

جدول رقم (2) يوضح نسبة الإنفاق على البحث العلمي في عدد من الدول العربية(21) (22)
ليس ثمة من شك إذن أن الخاصية المشتركة للبلدان العربية إنما تدني مستويات ما يرصد من الدخل الإجمالي الخام للبحث العلمي ليس فقط بالقياس إلى الدول المتقدمة الكبرى ، بل وأيضاً بالاحتكام إلى معطيات دول العالم الثالث الناشئة كالصين أو الهند أو البرازيل أو جنوب أفريقيا أو ما سواها .

5- ضعف فعالية مراكز البحوث العلمية والتقنية :
على الرغم من أن الوطن العربي يتوفر فيه عدد لا بأس به من مراكز البحوث العلمية والتقنية ( كما يبين ذلك الجدول رقم 3) ، فإنها في معظمها ذات نشاط أكاديمي وتطبيقي وليس وظيفياً. ناهيك عن تعذر تحويل نواتج بحوثها إلى مشاريع عملية بحكم غياب المعارف والخبرات والإمكانات اللاّزمة للقيام بالأنشطة الابتكارية المطلوبة وهي تختلف بطبيعتها ومتطلباتها عن أنشطة البحث والتطوير المتعارف عليها ضمن المفاهيم السائدة حالياً .

المجال البحثي - عدد المراكز - النسبة المئوية - عدد الأقطار العربية الموجودة فيها
المجال البحثي : الزراعة والموارد المائية(عدد المراكز:76 - النسبة المئوية :27 % عدد الاقطار: 15 ).
المجال البحثي : الصناعة(عدد المراكز:34- النسبة المئوية :12% - عدد الاقطار:14).
المجال البحثي : التشييد والإعمار(عدد المراكز:8 - النسبة المئوية : 3% - عدد الاقطار: 7 ).
المجال البحثي : الصحة والتغذية والبيئة (عدد المراكز: 43 - النسبة المئوية : 16% - عدد الاقطار: 11).
المجال البحثي : الفضاء والاستشعار عن بعد (عدد المراكز: 17 - النسبة المئوية : 6% -عدد الاقطار:10).
المجال البحثي : الطاقة (عدد المراكز: 22 - النسبة المئوية : 8% -عدد الاقطار:12).
المجال البحثي : العلوم الأساسية والصرفة (عدد المراكز: 11 - النسبة المئوية :4% -عدد الاقطار:6).
المجال البحثي : المعلوماتية والحاسوب والاتصالات(عدد المراكز : 5 - النسبة المئوية : 2% - عدد الاقطار:4).
المجال البحثي : التقانات الحيوية ( عدد المراكز :4 - النسبة المئوية : 1% - عدد الاقطار:4).
المجال البحثي : الإلكترونية (عدد المراكز:4 - النسبة المئوية : 1% - عدد الاقطار:3).
المجال البحثي : أخرى (عدد المراكز : 54 - النسبة المئوية :20% - عدد الاقطار:15).

جدول رقم (3) يبيّن عدد مراكز البحوث العلمية والتقنية ( خارج الجامعات) في الأقطار العربية حسب مجالات التخصص وعدد الأقطار العربية حسب الموجودة فيها(2002) .

6- قلة عدد العلماء والمهندسين العاملين بالبحث العلمي :
من مؤشرات أزمة البحث في الوطن العربي تتمثل في قلة عدد العلماء والمهندسون والعاملون بالبحث والتطوير فإن عددهم ( قياساً إلى كل مليون من السكان) ضعيف عموماً ليس فقط بالقياس إلى الدول الكبرى ، بل وأيضاً إلى المتوسط العالمي المتداول حالياً كما يبرز من الجدول التالي .

الجهة - عدد العلماء والمهندسين العاملين بالبحث والتطوير إلى كل مليون من السكان :
العالم : 1000.
أمريكا الشمالية: 4000.
أوقيانوسيا: 3100.
أوروبا: 2400.
شرق وجنوب آسيا:500.
البلدان العربية :300.
أمريكا اللاتينية: 250
أفريقا جنوب الصحراء: 200.
جدول رقم(4) يبيّن عدد العلماء والمهندسين لكل مليون من السكان (2002)

7- انخفاض إنتاجية العلماء والمهندسين في عدد براءات الاختراع :
أما المؤشر الآخر على أزمة البحث العلمي في الوطن العربي فيتعلق بالانخفاض الواضح لإنتاجية العلماء والمهندسين العاملين بالبحث والتطوير ، وكذلك ضعف المردود والتكنولوجي المترتب عن ذلك ، ناهيك عن التواضع الكبير في عدد براءات الاختراع المسجلة بالولايات المتحدة الأمريكية . والواقع يشير أن عدد ذات البراءات إنما هو من الضآلة مما يؤشر على الضعف البنيوي لمنظمات البحث والتطوير العربية كما يظهر ذلك من الجدول التالي . الذي يوضح أمام كل بلد عدد براءات الاختراع التي تحصل عليها :

البحرين 6 - مصر 77 - الأردن 15 - الكويت 52 - عمان 5 - السعودية 171 - سوريا 10 - الإمارات 32 - اليمن 2 - كوريا الجنوبية 1632 - (إسرائيل) 7652 - تشيلي 147

جدول رقم(5) يشير إلى عدد براءات الاختراع المسجلة بالولايات المتحدة الأمريكية من بلدان عربية وغير عربية (2002) .(23)

8- ضعف التفكير والتخطيط المستقبلي في الوطن العربي :
مما لاشك فيه ، وليس من باب جلد الذات ، بل من باب كشف النقاب عن حالتنا الراهنة ، والتي في جانب رئيس منها متعلقة بالبحث العلمي والذي هو رهين تفكيرنا وتخطيطنا الناجم من نتاج عقولنا نحن العرب، فالدول المتقدمة انشغلت بهموم المستقبل منذ زمن بعيد ، ونحن منشغلين بماضينا ، وأضحت عقولنا رهينة الماضي في التفكير والتخطيط ، وشتان بين الثرى والثريا ؟!
لقد كانت الدول المتقدمة منشغلة مبكراً جداً في المستقبل ، بينما نحن لا ندري عن ذلك شيئاً أو لا نريد أن ندري ، والمثال التالي يوضح الفرق بيننا وبينهم . في أواسط الستينيات وبالتحديد في العام 1965 ، بدأت في الولايات المتحـدة الأمريكية سـيرة بحثية جادة لـتحديد ( المشكلات المستقبلية التي ستواجه المجتمع الأمريكي) في السنوات الخمس والثلاثين القادمة ، وتشكلت هيئة بحثية تضم(38) خبيراً من الجامعات ومراكز البحث العلمي ومؤسسات الدولة تحت قيادة عالم المستقبليات (دانييل بل) وأطلق على برنامج هذه الهيئة البحثية اسم (( مهمة إلى العام 2000)) وللوقوف على جديّة هذه المهمة يمكننا أن نتأمل حجم بعض الشخصيات المشاركة فيها ، وطبيعة تخصصاتهم وخبراتهم ، فمنهم : (هارفي بروكس) من جامعة هارفارد ، رئيس المجلس القومي للعلوم ، و( زبيجينيون بريزنيسكي) مستشار الأمن مجلس القومي في رئاسة كارتر ،و(هيدلي دونوفان) رئيس تحرير مجلة (تايم) و(إريك أريكسون) أستاذ التحليل النفسي ، و(ديفيد ريزمان) عميد كلية الحقوق بجامعة هارفارد في إدارة الرئيس كارتر ، و(روبرت وود) وزير الإسكان والتنمية الحضرية في فترة الرئيس جونسون، و(صامويل هنتنجتون) المفكر والإستراتيجي الشهير .
عبر مجموعة الأبحاث والمناقشات التي أنجزها وأجراها فريق (المهمة) هذه تم استخلاص النتيجة القائلة: إن المجتمع الأمريكي (( لم يُعدّ إعداداً جيداً لتفهّم المستقبل)) ، وكتب دانييل بل يقول: ( المستقبل ليس قوساً سماوياً يتخطى المسافات ، وإنما هو جسر يبدأ من الحاضر ، من القرارات التي نتخذها الآن ، ومن الطريقة التي نصمم بها بيئتنا ، ومن ثم نترسّم عبرها خطوط المستقبل ).
لقد عكف فريق( المهمة 2000) على النقاش والبحث وبلورة النتائج في (37) مقالاً بحثياً وزعت على ثلاثة آلاف من أصحاب الرأي والخبرة في الجامعات ومؤسسات الدولة والشركات الكبرى ، ثم نشرت مجموعة مختارة من هذه البحوث في سبتمبر عام 1967 في مجلة الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون تحت عنوان ((باتجاه سنة 2000 عمل قابل للتطوير )) .
من هذا العمل المنشور ، يمكننا أن نتوقف عند ملامح لرؤى مستقبلية ثبت تحققها فيما بعد ، وهي مرشحة لمزيد من التحقق، ومنها على سبيل المثال: (( أن الإنجازات التقنية الأعظم ستكون في مجالي الكمبيوتر والهندسة الطبية الحيوية ، ولسوف تتسع شبكة المتعاملين مع المعلومات عبر وصلات إلى البيوت والمكاتب تزوّد مستخدميها بالمعلومات تبعاً لمتطلباتهم ، وعبر هذه الوصلات سيتمكن الناس من إنجاز مشترياتهم ودفع فواتير الحساب ، أما العمل الطبي الحيوي في مجال نقل الأعضاء وتحسين الموروثّات والوقاية من الأمراض ، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة نسبة كبار السن بين السكان )) .
كانت تلك الرؤية المستقبلية تسبق مجيء العام 2000 ، كان ذلك في الغرب ، فأين نحن- أبناء العالم الثالث- ولاسيما العرب- من الرؤية المستقبلية لحياة ومجرياتها وتحدياتها في القرن الجديد . كيف فكروا وخططوا ؟ وكيف نفكر ونخطط نحن العرب ؟ إن مشهد واقعنا العربي الآن يكشف لنا عمق فشلنا وتخلّفنا ، فنحن لم ننجز مشروعنا الوطني والقومي في التنمية والاستقلال والديمقراطية ، وإذا ما قارّنا واقعنا الحالي بالعالم (المتوافق) مع القرن الجديد- نتيجة جهد مبذول ورؤى مستبقة- يبدو هذا الواقع كالمتجه إلى المستقبل يحث السير إلى الوراء ! (24)
هذا هو الفرق في التفكير والتخطيط المستقبلي بين شعوب تحّيا وتنظر إلى المستقبل ، وشعوب تعيش الحاضر وتنظر إلى المستقبل بعين الماضي ؟!

ثاني عشر: ما آليات مواجهة الأزمة ؟
من خلال كل ما تقدم ، لابد من السؤال الذي مفاده : كيف نستطيع مواجهة الأزمة البحثية ؟ أو ما آليات العمل للحد من تفاقم أزمة البحث العلمي في الوطن العربي ؟ وهنا لابد من القول : إن الأمل موجود ولكن مرتبط بالعمل ، والعمل لابد أن ترافقه الإرادة والرغبة الصادقتين . الأمر الذي يجعل المخرج الوحيد لنا أن نهز عقولنا لنستفيق ونساءل أنفسنا : ماذا نريد ؟
يتطلب ذلك مواجهة أنفسنا بشكل نقدي صارم في لحظتنا الراهنة ، وفي إطار رؤى مستقبلية ،ولابد أن نشجع على الانشغال عليها وتعزيز حضورها في نشاطنا البحثي والتعليمي والعلمي والثقافي منذ اللحظة التي نحن فيها ، وألا نجلس نندب حظنا العاثر وزماننا الضائع ، فلا يزال في الوقت بقية ، وضرورة أن يعمل كل منا في موقعه وبأقصى ما يستطيع متجهين إلى المستقبل ، وأن نعمل على :
1- إعادة النظر في مناهجنا التعليمية وإشعال ثورة فيها وفقاً لتحديات المرحلة الراهنة والمستقبلية وبمحض إرادتنا لا بإرادة الآخر .
2-تفعيل دور البحث العلمي والتطوير التكنولوجي يكون منطلقه الالتزام الجاد من صانعي القرار بتبني حد أدنى من الشروط الواجب توفرها لتعزيز ودعم العمل في مجال البحث والتطوير واحترام حقيقي للعلم والمعرفة.
3- إعادة النظر في البنية التحتية لجميع أقطر الوطن العربي ومحاولة جعلها مواكبة للتطورات الدولية .
4- العمل على إعادة الكفاءات المهاجرة بكل السبل والوسائل وإعادة تفعيلها في المجتمع لغرض النهوض به نحو الأفضل .
5- ربط الجامعات بالمجتمع قولاً وفعلاً من خلال تحويل مقولة التعليم العالي والبحث العلمي إلى واقع عملي ملموس .
6- إنشاء مركز بحثي في كل جامعة من الجامعات الحكومية ، وأن تعمل هذه المراكز البحثية على تكليف العديد من الباحثين لاسيما أعضاء هيئة التدريس بمختلف توجهاتهم على تشخيص مشكل المجتمع الواقعية ، ووضع الحلول الملائمة لها وفق تسخير الإمكانات الملائمة لها .
7- أن تموّل المراكز البحثية من قبل الدولة والقطاع الخاص .
8- تشجيع الباحثين على العمل في هذه المراكز من خلال دعمهم مادياً وتشجيعهم معنوياً .
9- تشجيع الدولة المواطنين لاسيما أصحاب الأموال على إنشاء شركات ومؤسسات تتبنى جزءاً من الأبحاث وتحويلها إلى منتجات أو حلول واقعية .
10- العمل على وضع سياسة واضحة للبحث العلمي ، تصبح إطاراً يرجع إليها المعنيين بالبحث والتطوير العلميين .
11-العمل على وضع خطة للبحث والتطوير تربط العمل المطلوب إنجازه بالزمن بعد تحديد الأولويات والمستلزمات الضرورية .
12- ضرورة العمل على دعم البحوث العملية من خلال توفير ظروف عمل ومكافآت ورواتب مجزية لأصحابها .

هوامش البحث :
1- سامي عريفج ، خالد حسين مصلح ، مفيد نجيب حواشين . في مناهج البحث العلمي وأساليبه .- عمان :دار مجدلاوي ، 1999 . ص27
2-مبروكة عمر محير يق . البحث العلمي بين الرقابة الرسمية والرقابة الذاتية . المكتبات الآن ، ع 4، 2005 . ص 12-13
3-مروان عبد المجيد إبراهيم . أسس البحث العلمي لإعداد الرسائل الجامعية .- عمان: مؤسسة الوراق، 2000 . ص 15
4- فان دالين . مناهج البحث في التربية وعلم النفس ؛ ترجمة محمد نبيل نوفل .- القاهرة : مكتبة الأنجلو مصرية .
5- صلاح الدين عبد الوهاب . الكتاب لسنوي للسياحة والفنادق .- الإسكندرية : منشأة المعارف ، 1998 .ص81
6- أحمد عبد الله اللحلح،مصطفى محمود أبو بكر . البحث العلمي : تعريفه ، خطواته ، مناهجه ، المفاهيم الإحصائية .- عمان: الدار الجامعية ، 2002 .ص 32
7- جودت عزت عطوي . أساليب البحث العلمي : مفاهيمه ، أدواته ، طرقه الإحصائية .- عمان : دار الثقافة ، 2000 .ص 45- 47
8- مروان عبد المجيد إبراهيم . مصدر سابق . ص 20-23
9- جودت عزت عطوي . مصدر سابق .ص 47
10- سامي عريفج ، خالد حسين ، مفيد نجيب حواشين . مصدر سابق . ص36
11- جودت عزت عطوي .مصدر سابق . ص 55- 56
12- جعفر حسن الطائي . أزمة البحث العلمي في الوطن العربي : رؤية نقدية . الثقافة العربية ، ع270- 271 ، 2006 . ص32- 33
13- نبيل علي ، نادية حجازي . الفجوة الرقمية : رؤية عربية لمجتمع المعرفة .- (سلسلة عالم المعرفة ؛318) ، 2005 . ص 198- 200
14- المصدر نفسه . ص 250- 252
15- المصدر نفسه . ص 254
16- جعفر حسن الطائي . مصدر سابق .ص 34
17- يحيى اليحياوي . العرب والتكنولوجيا والتوزيع العالمي للمعرفة .- بنغازي : المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر .- ( سلسلة جماهيرية المعرفة ؛ 6) ، 2006 . ص170
18- عبد العزيز بن عبد الله السنبل .
19- يحيى اليحياوي . مصدر سابق . ص 185
20- Un. Human development report .- new York , 2005 . pp 264 – 265
21- المصدر نفسه . ص 265
22- يحيى اليحياوي . مصدر سابق . 165 – 166
23- المصدر نفسه . ص 168- 170
24- سليمان إبراهيم العسكري . نحن والعام 2000 : هل نواصل التقدم للوراء ؟ مجلة العربي ، ع 494 ، 2000 . ص 10-12

وبعد أن فرغ الأستاذ جعفر الطائي من إلقاء محاضرته بدأت مداخلات الحضور فكانت على النحو التالي :
عبد الله علي عمران : السؤال هو هل نحن متخلفون؟ - من الغريب أن هناك من قال لا – الإجابات الدينية تقول نحن لسنا متخلفين لأننا مسلمون وإن كُنّا متخلفين فلأننا ابتعدنا عن منابع الدين – الناتج العربي من الترجمة منذ عهد هارون الرشيد حتى عام 200م يوازي ما أنتجته إسبانيا وهي أقل الدول الأوربيّة نتاجاً – لا بد من الحديث عن القطبين السياسة والدين – الدافع للبحث العلمي عادة هو حلّ إشكاليات حاضرة أو مستقبلية – السياسة في الوطن العربي تحل الإشكاليات على أنها قضاء وقدر أو أنها خرافة كأن يُقال مثلاُ " بيت الحلال مرزوق " ونحو ذلك – أشار المُحاضِر إلى أن تفوق أمريكا كان وراء اضطهادها للعالم المتخلف ،أنا لا أوافقه الرأي فالأمريكان يحترمون ثقافة الآخرين وآراءهم – العرب عبء على الكوكب .
عبد الله عاشور : أنا أعتقد أن الدين ليس عقبة في سبيل البحث العلمي – المتطرفون الإسلاميون هم قِلّة ولا يشكلون عقبة حقيقية – التنمية تقودها الأجهزة الحكومية وبالتالي فهي المسؤول الأول عن تردّي البحث العلمي وعدم تطوره .
عبد الباسط الجياش : لا علاقة للبحث العلمي بتطور أو تخلف المجتمع – البحث العلمي نتيجة وليس سبباً فالتحضّر هو حياة هو أسلوب تفكير – علينا أن لا نربط الحضارة بالبحوث .
مفتاح ميلود : سأربط البحث العلمي بالجامعات فالجامعات مرتبطة بالأنظمة الحكوميّة – فمثلاً أزمة أشجار العرعر في الجبل الأخضر أجرى عليها الطلبة أبحاثاً أذهلت الكثير من العلماء من خارج الوطن ولكن للأسف مركز البحوث العلمية استجلب لعلاج هذه المشكلة من سمّاهم مختصّين من فرنسا وتجاهل بحوث الطلبة الليبيين في حين أن هؤلاء المختصّين لم يُجروا أبحاثاً سابقة في مثل هذا النوع من المرض – النصّ القرآني واضح والدين الإسلامي يحثّ على البحث والرُقيّ .
سعد الدلال : الحقيقة هذا موضوع طويل وشائك وحلوله صعبة – ما تقدّمه المؤسسات التعليمية هو نوع من التحايل فكثيراً ما نسمع عن ندوات أو مؤتمرات علمية نحو آفاق كذا وآفاق كذا ثم نجد أن المشرفين على تلك الندوات والمؤتمرات يحددون البحوث المطروحة بزمن قصير لإلقائها ويطلبون من أصحابها تلخيصها قدر الإمكان .. وهنا نتساءل لماذا قامت هذه الندوات إذا لم يكن هناك وقت للاستماع ؟ - كيف ستكون هناك فائدة إذا كان المقصود من إقامة المؤتمر هو إقامته فقط من أجل التباهي والبهرجة وسرقة ميزانيته؟ .
عبد السلام بدر الدين : نحن أشرنا إلى البعد الديني عندنا واتهمناه بينما تغافلنا عن البعد الديني عند الغرب وكيف أنه كان وما يزال يقف وراء حملاتهم الصليبية التي لم تتوقف حتى الآن .


بعد انتهاء المداخلات بدأ الأستاذ جعفر الطائي في الردود عليها جاءت ردوده كما يلي :
أشكر الجميع – هذا البحث لم يُنشر بعد وأي ملاحظة إيجابيّة سأستفيد منها في البحث – سطوة التيارات الدينية أقوى من تأثير الباحثين – أنا لم أشِر إلى أن أمريكا تجرّأت على الدول المتخلفة بسبب قوتها ،ولكنهم يقولون بأنهم قادة العالم وهذا القول يستند إلى القوة العلمية التي يتمتعون بها – الباحث في أغلب الأحيان يعمل لمنفعته الشخصيّة وليس للدولة والمجتمع – لم يتشكل لدينا بعد الوعي بقيمة البحث العلمي – نحن مجتمع مستهلِك ولكننا لا نستهلك المعرفة – في الغرب يخلقون أُلفة بين الأطفال والمكتبات حتى كراسيهم يصنعونها لهم على هيئة ألعاب حتى تكون المكتبة جزءاً من حياتهم – أتفق مع مفتاح ميلود في أن مؤسساتنا لا تثق بخريجيها – كذلك أتفق مع سعد الدلال فيما ذكره عن المؤتمرات والندوات العلمية فنحن لا نشعر بقيمة الوقت إلا في هذه المؤتمرات حيث تكثر المطالبة بالاختصار وبالحرص على الزمن القصير المحدد لقراءة البحث – دائماً الحوار يأتي بالحلول والتجربة اليابانية خير دليل على ذلك فهم لم ينسبوا الدمار الذي تعرضوا له لإمبراطورهم بل بدأوا بإرسال البعثات العلمية على أن يستفيدوا من هذه الخبرات ونجحوا في ذلك – أشكر أخوتي أعضاء منتدى الأماسي على هذه الاستضافة وعلى هذا التفاعل وأنا فخور بأنني العربي الوحيد الذي انضم إلى قائمة مؤسسين هذا المنتدى منذ بدايته . أكرر شكري وامتناني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بعد فراغ الأستاذ جعفر منن ردوده على المداخلات صعد الحضور إلى الركح لمصافحته ووداعه لأنه كان على سفر للعراق لزيارة أهله وعشيرته متمنين له سلامة الوصل وسلامة العودة .

السيرة الذاتية والعلمية
الاسم: جعفر حسن جاسم الطائي.
محل وتاريخ الميلاد: بعقوبة _ ديالى _ العراق/ 1969
الحالة الاجتماعي: متزوج
التحصيل العلمي:
* ماجستير مكتبات ومعلومات، التخصص الدقيق: تكنولوجيا المعلومات، الجامعة المستنصرية _ كلية الآداب 25_3_1995.
* بكالوريوس مكتبات ومعلومات، الجامعة المستنصرية _ كلية الآداب، 28_6_1990.
* الدرجة العلمية: محاضر
الوظائف:
_ عمل أستاذاً جامعياً في كلية الآداب والعلوم _ جامعة الجبل الغربي_ يفرن من عام 1997_ 2001 كلف بالإشراف الفني على مكتبة كلية الآداب والعلوم _ يفرن من عام 1997_2001.
- يعمل أستاذاً جامعياً في كلية الآداب _ جامعة عمر المختار منذ عام 2001 لغاية الآن ومازال مستمراً في عمله.
_ أسهم في إنجاز العديد من الدورات التدريبية في مجال المكتبات والمعلومات.

أ_ الأبحاث العلمية المنشورة:
1_ دراسة واقع استخدام المصغرات الفلمية في وكالة الأنباء العراقية: دراسة تقويمية، بحث لنيل درجة الماجستير، الجامعة المستنصرية _ كلية الآداب، قسم المكتبات والمعلومات.
2_ دراسة استخدام مصادر المعلومات في المكتبة المركزية العامة في بعقوبة، بحث تخرج لمرحلة البكالوريوس.
3_ تكنولوجيا المعلومات وحتمية الأمن الشعبي.
4_ دور المعلومات قديماً وحديثاً في صنع القرار.
5_ نحو إدارة إلكترونية لتطوير التعليم وتنميته.
6_ أثر تكنولوجيا المعلومات على المدنية القديمة.
7_ التراجع العربي في مجال تكنولوجيا المعلومات ومشروع النهضة.
8_ مستقبل المكتبات ومراكز المعلومات في ظل تكنولوجيا المعلومات.
9_ الهيمنة الإعلامية وتحديات حماية الهوية الحضارية.
10_ المدن التكنولوجية ودورها في حل أزمة التحضر في الوطن العربي.
11- تكنولوجيا المعلومات ودورها في الحد من الكوارث الطبيعية في المنطقة العربية
12- دور النشر الإلكتروني في دعم العملية التعليمية / مقبول للنشر
ب_ المقالات والدراسات المنشورة في الاختصاص:
1_ تكنولوجيا المعلومات وتحديات القرن القادم.
2_ تكنولوجيا المعلومات والمجتمع رؤية جديدة.
3_ البيئة الإلكترونية ودورها في حل أزمة التعليم.
4_ حروب المستقبل .. تدميرية أم إلكترونية.
5_ العرب وتحديات تكنولوجيا المعلومات.
6_ العرب وتحدي المعلومات.
7_ أهمية المعلومات في اتخاذ القرارات.
8_ شرعية حجب المعلومات.
9_ دور المعلومات والشورى في صنع القرار.
10_ أهمية المعلومات في نشر الرسالة الإسلامية.
11_ المعلومات وأهميتها في نهضة المجتمع الإسلامي.
12_ الأمة الإسلامية ودورها في استثمار المعلومات لخدمة المجتمع الإسلامي.
13_ أدب الطفل العربي بين الواقع والطموح.
14_ الوراقة والوراقون في الإسلام.
15_ النشر عند المسلمين.
16_ المكتبات في الإسلام وأثرها في نشر العلم.
17_ دور الأم المسلمة عند المسلمون.
18_ تصنيف العلوم عند المسلمين.
19_ وسائل الكتابة عند العرب المسلمين.
20_ المكتبة الإسلامية ودورها في التطور الثقافي.
21_ بداية التدوين عند العرب.
22_ دور الكتاب في رقي المجتمعات الإسلامية.
23_ حروب المستقبل.. تدميرية أم إلكترونية؟
24_ في ظل العصر الرقمي: من المسؤول عن حق حماية العقول؟
25_ تكنولوجيا المعلومات والطب : العلاج عن بعد .
26- المكتبة الإلكترونية بوابة العصر الرقمي للمعرفة .
27- الأمية والتعليم ومكتبة المستقبل .
28- التعليم الإلكتروني ودوره في تعليم المحرومين .
29- جامعاتنا العربية والتعليم الإلكتروني .
30- الأسباب والعوامل والتحديات وراء استخدام تكنولوجيا المعلومات .
ج_ المقالات والدراسات المنشورة في موضوعات فكرية وثقافية مختلفة:
31_ هويتنا الحضارية في ظل المتغيرات الدولية.
32_ صراع الحضارات وحقيقة المواجهة.
33_ الهوية الحضارية بين الأمس واليوم.
34_ النظام العالمي الجديد بين المثالية والواقعية.
35_ الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية.
36_ أزمة البحث العلمي في الوطن العربي: رؤية نقدية.
37_ الحضارة الإسلامية في عيون غربية.
38_ مظاهر الوحدة في المجتمع الإسلامي.
39_ مبادئ الرسول وتربية الشباب.
40_ الإنسانية في ظل القرآن.
41_ أهمية العلم في الإسلام ودوره في بناء حياة المسلمين.
42_ الفن الإسلامي ومراحل تطوره.
43_ المعابد والقصور القديمة في مصر.
44_ دور العلم عند المسلمين: المساجد.
45_ خطب الوعظ في العصر الإسلامي الأول.
46_ المدارس الإسلامية ودورها في نشر الوعي الإسلامي.
47_ بغداد مدينة العلوم.
48_ الترجمة جسر التواصل الفكري بين الحضارات الإنسانية.
49_ إسهامات العلماء العرب في تقدم حضارة الغرب.
50_ من مظاهر الاستعمار الثقافي في البلدان الإسلامية.
51_ المجتمع الإسلامي في ظل الجهاد.
52_ العرب وتحديات العولمة.
53_ حوار الإرادات أم صراع القرى.
54_ هجرة العقول العربية إلى الآخر.
55_العرب والقوى العظمى.
56_الجرح الفلسطيني من داخل الروح وخارج الجسد.
57_ الإعلام العربي وهموم الواقع.
58_ مؤتمرات القمة العربية بين الواقع والطموح.
59_ المساجد والمدارس: زحزحة الحدود.
60_ متى تتوقف هذه الظاهرة؟
61_ البعد الاستعماري للمنقب الإفريقي.
62_ لكي لا ينسى الشعب الإفريقي.
63_ الاستعمار وتكريس الأمية في أفريقيا.
64_ أفريقيا الاقتصادية في المخططات الأمريكية.
65_ المخططات الاستعمارية الثقافية في القارة الإفريقية.
66_ الإسلام ودوره في التقارب الإفريقي.
67_ الهجرات العربية إلى أفريقيا: الأسباب والتأثيرات.
68_ رفض السياسة الإسرائيلية في القارة الإفريقية.
69_ العلاقات الصهيونية الإفريقية: الأهداف والمكاسب.
70_ عوامل الصمود الإفريقي في وجه الاستعمار الأوروبي.
71_ نتائج الاستعمار الأوروبي للشعب الأفريقي.
72_ قضية لوكربي والعيون الأمريكية على أفريقيا.
73_ تأثير التعاليم الإسلامية على الشعوب الإفريقية.
74_ أسباب انهيار الصمود الإفريقي.
75_الميلاد الإفريقي الجديد.
76_القارة الإفريقية في عيون غربية.
77_لماذا القارة الإفريقية؟
78_ الوحدة الإفريقية تعبر عتبة القرن.
79_ كيف استنزفت أمريكا القارة الأفريقية؟
80_ إعادة قراءة التاريخ بين الضرورات والممكنات.
81- الإعلام الفضائي العربي : ملامح الواقع وطموحات المستقبل .
د_ الندوات والمؤتمرات:
1_ أفريقيا الاقتصادية في المخططات الأمريكية. بحث القي في الملتقى الجغرافي التاسع المنعقد في جامعة قاريونس. بنغازي للفترة 9_11 / 3 / 2004.
2_ الإدارة الإلكترونية ودورها في تطوير التعليم وتنميته، بحث القي في المؤتمر لعلمي الثالث المنعقد في أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية. طرابلس. للفترة 28_30 / 9 / 2004.
3_ أثر تكنولوجيا المعلومات في المدينة القديمة. بحث القي في ندوة المحافظة على المدينة القديمة. بنغازي للفترة من 8_9 / 12 / 2004.
4_ التعليم الإلكتروني ودوره في تحديث التعليم العالي الجماهيرية: رؤية مستقبلية. بحث القي في ندوة التعليم العالي. كلية الآداب. جامعة قاريونس. للفترة من 10_12 / 4 / 2005.
5_ مدن المستقبل: دور الثورة الإلكترونية في النمو الحضاري الصحراوي. بحث القي في ندوة المناطق الصحراوية: التحول والآفاق. كلية الآداب جامعة سبها. للفترة من 6_7 / 12 / 2005.
6_ المدن التكنولوجية ودروها في حل أزمة التحضر في الوطن العربي. بحث القي في ندوة الجيل الثلث ومستقبل المدن في ليبيا. بنغازي للفترة 8_9 / 3 / 2006.
7_ دور تكنولوجيا المعلومات في الحد من الكوارث الطبيعية. بحث القي في ندوة الوقاية من الكوارث الطبيعية والتخفيف من آثارها المنعقدة في جامعة قاريونس. بنغازي للفترة 23_25 / 3 / 2006.
8_ الهيمنة الإعلامية وتحديات حماية الهوية الحضارية. بحث القي في ندوة حرية التفكير وحق التعبير بين الحرية وحماية الهوية. سرت للفترة من 3_7 / 12/ 2006.
9_ دور مراكز المعلومات والأبحاث في خدمة الدراسات العليا واستيعاب مخرجاتها بحث القي في ندوة الدراسات العليا بالداخل. جامعة السابع من أكتوبر للفترة من 16_ 17 / 4 / 2008 مصراته.
10_ دور النشر الإلكتروني في دعم العملية التعليمة. بحث القي في الندوة العلمية حول النشر الجامعي في ليبيا: الواقع والرؤى المستقبلية _ بنغازي للفترة 6_7 / 5 / 2008.
11- الثورة المعلوماتية ودورها في الفصل بين السلطة والتسلط . بحث القي في الندوة الدولية حول إشكالية السلطة بين التسلط والتحرر .بنغازي للفترة من 23- 25/3/2009
12 – جرائم تكنولوجيا المعلومات وسبل مكافحتها .بحث ألقي في مؤتمر الجريمة في المجتمع المعاصر : الأبعاد الاجتماعية والقانونية .بنغازي للفترة 10-12/5/2010
هـ_ الكتب المنشورة :
1- تكنولوجيا المعلومات
2- التطبيقات الاجتماعية لتكنولوجيا المعلومات.
3- جرائم تكنولوجيا المعلومات: رؤية جديدة للجريمة الحديثة.
4- تقنية المعلومات في المكتبات ( تحت النشر ).
5 - المكتبات الرقمية: واقعها ومستقبلها .
6- مقدمة في الاقتصاد الرقمي .
7-حرب المعلومات بين ارث الماضي وديناميكية المستقبل .8- التصنيف العملي في المكتبات : قواعد تطبيقية على نظام تصنيف ديوي العشري(تحت الطبع).
المداخلون :

عبد الله علي عمران .

عبد الله عاشور .

عبد الباسط الجياش .

سعد الدّلال .

عبد السلام بدر الدين .

الحضور يودّعون الاستاذ الطائي ويتمنون له سلامة الوصول :











زينب جعفر الطائي .

الاستاذ جعفر الطائي وولده صادق وابنته زينب حفظهما الله .




















30‏/05‏/2010

الأمسية 29


عبد الباسط الجياش يقدم ضيفه الدكتور عبد الجواد عباس .

الدكتور عبد الجواد وهو يلقي المحاضرة .
لأول مرة في أماسي البيضاء الثقافية يعتلي الأستاذ عبد الباسط الجياش منصة التقديم ليتولى تنشيط وتقديم أمسية تدور عن القصة القصيرة في ليبيا . هذه الأمسية أقيمت يوم الإثنين الماضي الموافق 24-5-2010م , وكان ضيفها هذه المرة الأديب الدكتور : عبد الجواد عباس .. كان منتدى أماسي البيضاء الثقافي قد احتفى في السابق بالدكتور عبدالجواد عباس كروائي وأديب من مدينة البيضاء , وفي هذه الأمسية يحتفي به كمؤرخ للقصة في ليبيا فقدم محاضرة عن تاريخ القصة القصيرة في ليبيا واختار قصاصي الجبل الأخضر نموذجاً .
بدأ الأستاذ : عبد الباسط الجياش بالترحيب بالحضور وبضيفه الكريم ثم عرّفه قائلاً :
نرحب بضيوفنا الكرام في أمسيتنا رقم ( 29 ) ، هذه الأمسية تستضيف شخصية مرموقة في مدينة البيضاء وفي ليبيا ، شخصية تحمل للكلمة فكراً وتحاول أن تقتنص من البيان معنى . قبل أن نعرّف بشخصية هذه الأمسية نبدأ بتهنئة القاصّ أحمد يوسف عقيلة لحصوله على جائزة مؤسسة (ناجي نعمان) للقصة لسنة 2010م ، هذه الجائزة مُنحت له عن مجموعة( درب الحلازين). تحصّل عليها وسط (1012) مبدعاً من (51)دولة ، ومن ميزات هذه الجائزة أن يكون صاحبها عضواً فخريّاً دائماً في هذه المؤسسة .
ضيفنا هذا المساء من مواليد البيضاء سنة 1947م . تخرّج من جامعة قاريونس سنة 1979م . عمل مدرساً للآداب واللغة العربية حتى سنة 1990م . دخل سلك التفتيش التربوي واستمر على ذلك حتى عام 2000م . تحصل على شهادة الماجستير في الآداب سنة 2003م . واختتم شهاداته بحصوله على شهادة الدكتوراة في (القصة الليبية بين التقليد والتجريد) . من مؤلفاته مجموعته قصصية ( وحدي في عرض البحر) ورواية ( لقاء في غابة السرو) ،وفي التراث له كتاب (رعي الأغنام في التراث) وتحقيق ديوان الشاعر (جبريل الرعيدي). فازت قصته (سائق الشاحنة) بالتريب الثالث في مهرجان القاهرة الدولي سنة 1995م،وحُوِّلت إلى شريط سينمائي .
لدينا في هذا المساء ضيف ، وإن كُنّا في واقع الأمر ضيوفه ولا نبدأ شيئاً دونه. د.عبدالجواد عباس، يدلنا هذا الاسم على الكثير من المعاني ،ويفتح لنا أكثر من مجال للنقاش ،ويمنحنا براحاً واسعاً لنقول ونسأل ونجيب .
هذا المساء في أماسي البيضاء ندخلُ حيّزاً جديداً في نتاج هذا الأديب الناقد حيث الدراسة والتحليل والمتابعة لنتاج القصة في ليبيا .. هذا المساء مفتوح لكل الأسئلة متجاوب مع النقد ومشارك فيه . يقال إن على المرء أن يعرف شيئاً عن كل شيء لا أن يعرف كل شيء عن شيء واحد . ضيفنا هذا المساء استطاع تجاوز ذلك فعرف كيف يصف لنا الأشياء وإن تباعدت بينها السبل ، استطاع بمقالاته وكتاباته أن يصل إلينا وأن يضعنا في ذلك الحدث تحليلاً ورأياً واستنتاجاً . من سمات ضيفنا أنه يحدثك عن الذئاب والأغنام في الجبل الأخضر بنفس قدرته على تناول فنتازيا التشاؤم والقلق عند (سالم الهنداوي) مثلاً. تراه بارعاً في حديث الناس بما يفهمون في (أستاذية سائق الحافلة) دون أن يمسّ ذلك نغمة الأستاذ الأكاديمي حين يجادل في المستويات اللغوية والفنية في القصة الليبية. يتعامل باحترافية مع نتاج التراث الشعبي عند (جبريل الرعيدي) دون أن يشيح بذائقته عن ديوان (أنفاس) لمفتاح ميلود . هذا هو الدكتور عبد الجواد عباس صاحب هذه الأمسية .. تعالوا لنستمع إلى مالديه :

المحاضرة:"القصة الليبية القصيرة ، قصاصو الجبل الأخضر نموذجاً".
أولا - مقدمة: وتشمل أصل القصة في العالم ـ تعريف القصة ـ القصة عند العرب ـ بدايات القصة في ليبيا ـ عيوب القصة ـ ما يرفع قيمة القصة ـ الرواد الأوائل في القصة الليبية ـ

ثانياـ قصاصو الجبل الأخضر

أحمد يوسف عقيلة:
وتصنيفه قاص ، لأن غزارته في إنتاج القصة أكثر من اهتمامه بفنون أخرى ، كالتراث الشعبي ، فله أكثر من كتاب .. كالجراب أو حكاية النجع ـ وقاموس الأمثال الشعبية ـ وغنّاوة العلم أو قصيدة البيت الواحد ـ وخراريف ليبية .. وكل هذا قام بتوظيفه في قصصه ، فمادة القصص هي مادة التراث نفسها ، ولا يفترقان إلا في صناعة الحدث القصصي وتميزه في القصص الخاصة بطبيعة الجبل الأخضر ، ونادرا ما تخلو هذه القصص من الأسلوب الساخر المنطوي على نقد مغلف حول ايجابيات وسلبياتي العادات والتقاليد في المنطقة وضرب الأمثال بأجناس من الناس بأسلوب واقعي .. وهو عندما يضرب الأمثال يتناول الأشياء الصغيرة والبسطاء ليضرب بحالاتهم صرحا كبيرا ما وكمثال للسخرية وضرب الأمثلة على الأحوال الأحول قصة (غليان المرجل في مناقب حمد المنجل ونكتفي ببدايتها المرصعة بالسخرية والأمثلة تقول : " حمد المنجل " تقلب في عدة وظائف حكومية بطناً وظهراً ابتداءً من محاسب صغير وانتهاءً بمدير شركة لها فروعها في كل أنحاء البلاد وهو " يعرف من أين تؤكل الكتف " ويعرف أيضاً " من أين يؤكل الرأس " باختصار هو من أولئك الذين يجيدون " أكل الداعي والمداعي " والاهم من ذلك أنه يدرك أن"البقرة السوداء تدر حليباً أبيض "كان من فئة " قلال الوالي " وبقفزة غير منظورة من أهل الوالي نفسه .. ومن مصنف في خانة راقد الريح إلى عضو فاعل في خانة فوق الريح بحيث لا تطاله تقلباتها ليس هذا فحسب بل أصبحت الريح " تحطب له " وتجري بما تشتهي سفنه وتحول بقدرة قادر من " ديك أجرب " إلى ديك يبيض ذهبا .. فأحمد يوسف عقيلة يجيد بامتياز استخدام التراث في قصصه ، يجيد استخدام اللغة ، لا يستخدم أدوات العطف إلا نادرا لتكثيف الحدث وبقائه متوهجا .. أحمد يوسف عقيلة لم يكتب المقالة ولا التعليق ولا تقديم للقصص أو الدواوين الشعرية وليس هذا مأخذا .

الصديق بودوارة:
هو قاص وكاتب مقالة وإن غلبت في أدبه القصة على المقالة ، وكثير ما تكون مقالاته صرفة عن الأدب
قصصه نقدية محضة ، يسيطر عليها الغموض الشفاف والأسلوب الفلسفي والجو الفكري المتطرق إلى أشياء بعيدة وكبيرة ونظرة إنسانية واسعة عن الحياة والناس .. حتى القصص التي تبدو على سماتها المظهر الكلاسيكي هي ترمي في النهاية إلى أمور فلسفية وإسقاطية ، فهو من أصحاب ما أسميه بالرومانسية الجديدة التي لا تكتفي بالشكل الرومانسي البريء وإنما هي ممزوجة بهوس تجريدي ، فترى القصة تشتغل على تفجير اللغة ، أي تحميل العبارات والألفاظ بمعانِ جديدة غير المعاني التي عرفت بها من قبل فوظـّف في قصصه الأسطورة الخيالية التي تشتغل على الرمز ، ووظف المثل ووظف الشخصيات التاريخية لإثارة الانتباه انظر مثلا إلى قصة : (تخلف) التي يسخر فيها ممن يقومون بالفرحَ والتطبيلَ عند ولادةِ الولدِ ، وعدم حدوثِ ذلك عند ولادة البنْت ، فيستعين بشخصيات تراثية لزيادة حجم السخرية وتفخيم انتظار الأسرة وشوقها لولادة مولود ذكر فيقول : " أجيالٌ متعاقبةٌ تنتظرُ الجوابَ .. عربٌ أقْحَاحٌ .. عرب عاربةٌ وأخرى مُسْتعْرِبَة .. المناذرةُ يتقدمهم النعمانُ يتْبَعُه خدمٌ مُطِيعُون يحملون يومَ بُؤْسِهِ وسَعْدِهِ .. الغساسنةُ .. الخوارجُ .. شيعةُ علي وشيعةُ معاوية .. الأمويون أقْبَـلُوا وكذلك العباسيون .. بنو حمدان يرْفُـلُون في حُلَلٍ فاخرة من قصائد المتنبي .. حتى أُمَرَاءَ الطوائفِ .. كلُّهم ترَجَّـلُوا مسرعين .. رَبَطُوا أعِنَّةَ خُيُولِهم في أشْجَار حديقةِ المستشفي المركزي وأطْلقُوا العنانَ لإبْلِهم ترعَي في أعْشَابِها اليافعة وصَعَدُوا إلى الطابقِ الرابعِ حيثُ قسمُ الولادةِ ..." .

داود حـــــــلاق:

هذا رجل محنّك ، قاص من نوع آخر ومزاج آخر ، قصصه تبدو عليها رؤىًِ حزينة وكأنما يداوي بها همومه ، قصص متميزة بمسحة مأسوية وحسرة وبكاء على ماضٍٍِِ غير حميد .. يبدو فيها داود حلاق شخصا أنهكته الحياة وعكّر الناس مزاجه ، فهو ذو مزاج شخصي وقابلية وأسلوب خاص به وحده قد يكون قريب الشبه بأسلوب و قابلية صادق النيهوم أو خليفة الفاخري في بعض خصائصها ..ذاود حلاق يكتب القصة ويكتب المقالة الفنية وعلى وجه الخصوص المسرح والرسوم التشكيلة والموسيقى
هو قاص وباحث في التاريخ والتراث ، ورغم أن ما كتبه في التاريخ والتراث يفوق كثيرا ما كتبه في القصة ، إلا أن براعته في القصة يجعله مصنفا بين التاريخ والأدب..فقد هجر القصة مبكرا بعد نشره لمجموعته الأولى (ذات ليلة ممطرة) سنة 1973 وانكب على التأليف في التاريخ والتراث فصدر له أوشاز الأسلاف ـ ومرقص الإنجيلي ـ وعمود السماء ـ والفكر الحرفي ، ثم عاد للقصة بعد توقف سنوات طويلة فصدر له (قناص هرم ) .. وكل من المجموعتين (ذات ليلة ممطرة) و(قناص هرم) محض توثيق لما رأى وما سمع من فواجع الحرب ومآسي الإنسان وتعثره بالفقر والتعاسة والجوع والمرض بعيد الحرب الثانية .
يبدو من خلال قصصه أنه رجل محنّك قد صقلته الدنيا وجعلت عنده ما يقول ، قاص من نوع آخر ومزاج آخر ، قصصه تبدو عليها رؤىًِ حزينة وكأنما يداوي بها همومه ، قصص متميزة بمسحة مأسوية وحسرة وبكاء على ماضٍٍِِ غير حميد .. يبدو فيها داود حلاق شخصا أنهكته الحياة وعكّر الناس مزاجه ، فهو ذو مزاج شخصي وقابلية وأسلوب خاص به وحده قد يكون قريب الشبه بأسلوب و قابلية صادق النيهوم أو خليفة الفاخري في بعض خصائصها ..ذاود حلاق يكتب القصة ويكتب المقالة الفنية وعلى وجه الخصوص المسرح والرسوم التشكيلة والموسيقى .

الناجي الحربــي:
قاص وكاتب مقالة ، له مجموعة (رائحة الجوع) في القصة ، وله (حبل الغسيل) في المقالة الاجتماعية على وجه الخصوص ، وله بعض المقالات السياسية والبحوث التاريخية من الطلائع الأولى المعروفة التي عنيت بالهم الثقافي في منطقة الجبل الأخضر ، وأسلوبه في القصة يطغى عليه الدهاء الصحفي ، فما من ثمة قصة تعلن عن براءتها من حبل الغسيل ..

من مميزات قصصه في خدمة النظام السردي أنه يمتعك بالقصة حتى تسترسل فيها ثم يقطع العقدة بنهايتها في الوقت الذي تكون فيه مشتاقا للباقي ، وكأنه يقول لك خمّن أنت الباقي وتصوره كيفما يكون حلك له .. وهذا ما يطلق عليه في النقد الحديث بمشاركة المبدع في إبداعه .
وتراتبية الحدث عنده عن طريق نقلات سريعة , متجنِّبًا ما أمكن أدوات العطف , بالتعليق على الجملة وليس على الفقرة , كما هو واضح مثلاً في قصة ( لقاء ذات خريف غاضب) ، وقصة ( العدسة الخفية ) , فجملة الفقرة الأولى منها تقول: (أحسُّ بضيق) , وجملة الفقرة الثانية تقول ( امتدَّ بصره) , والثالثة (تهالك على أحد مقاعد المقهى).. في حين نجد قاصًّا آخرَ ـ على سبيل المثال ـ هو أحمد يوسف عقيلة تعتمد النقلات السردية عنده على الجملة وليس على الفقرة ..
كما يركِّز على تحليل شخصيات قصصه منذ البداية وهي طريقة لا نمطية , يمتاز بها القص الكلاسيكي الجيد في قليلٍ من قصصنا الليبية وحتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين الماضي حين بدأ التجريب يتسلَّل باستحياء . وإلقاء الضوء حول الشخصية يمكن الحدث من إعطاء الانطباع وجعله متوهجا ناميا إلى النهاية.. هذا من ناحية الشكل.
أما الموضوعات فيغلب عليها السخرية من المجتمع والناس , وعدم الاطمئنان إلي الناس وسحب الثقة منهم .
من قبيل التجريب في هذه القصص (الفانتازي) الذي يلعب فيه الحلم والخيال دوره , والذي يعتمد في نفس الوقت على الرمز الموضوعي , بتأويل يحيلنا إلى الواقع , ويتجلَّى هذا النوع في قصة (مأدبة الشيطان ) فهي قصة جامعة لما يسود في هذا العالم من فوضى عقائدية ونفسيَّة وأخلاقيَّة .

سعد موسى مهيـــوس:
قاص وكاتب مقالة وشاعر له عدة دواوين في شعر التفعيلة والغنائي والشعبي ، ملازم للكتابة منذ زمن طويل .. له مجموعة قصصية بعنوان (كلمة للقلب وكلمة للريح ) ولا تخلو هذه القصص من اللمسات الفنية التي من شأنها بسط الروعة على القصة وبعدها عن المباشرة كالتكثيف والتناص والمعادل الموضوعي .
ومع أن القصص تعتمد أسلوب الراوي العليم فإنها تعتمد أيضا المنهج النفسي فيما نراه ونحسه من تفاعلات البشر وأحاسيسهم الداخلية بحيث نرى أنفسنا أيضا في شخصيات القصص .. فالقصص في مجملها تميل إلى مخاطبة العقل الباطن وذلك من الأسباب التي أبعدتها عن المباشرة ، مع كون هذه القصص قد وقعت بالفعل أو أنها تحتمل الواقع .
وفي هذه المجموعة القصصية قدم قصة الومضة في خمس ومضات
قصصية تختلف كل واحدة منها على سابقتها في الموضوع ..ومن نماذجها هذه القصة بعنوان تشابه :" تقدم لها جميع فتيان الحي وكانوا جميعا يشبهونني ولكنها وعدتني بأنها ستختارني أنا وبالفعل اختارت أحدا غيري كانت تعتقد أنه أنا "
كما اشتغل كثير على تيار الشعور الداخلي ، أو حديث الشخصية لنفسها كما هو واضح في قصص : مذكرات في القبر ـ رائحة شيء يحترق ـ الجواب

صالح سعد يونس:
قصصه تتغنى بالجبل الأخضر .. طبيعته وبيئته وجوه ، سماءه ومطره ورياحه وغيومه .. من الوهلة الأولى في قراءة قصص صالح سعد يونس تعرف ابن بيئة من هذا الكاتب ، سرعان ما تلتقي بالخروب والبطوم والشماري .. سرعان ما تلتقي بالوديان والكهوف والمنحدرات ، سرعان ما تلتقي بألفاظ شعبية نعرفها أحق المعرفة ..
كان قد أهداني مشكورا مجموعته القصصية الأولى (صور باهتة)2001 ثم مجموعة(أنثى الرحيق)2007 فأنا أحيل عليهما كل ما أقول
هذا الكاتب مازال دائبا في العمل كمن يزرع أرضه ويحسنها بأنواع البذور
قصصه تعلن البراءة والبعد عن الدهاء ..إنها قصص تساهم في تغطية وترسيخ بيئة وعادات وتقاليد الجبل الأخضر .. يشاركه في هذا مع اختلاف الذائقة والأسلوب كل من أحمد يوسف عقيلة وعبدالسلام بدر الدين .

عبدالسلام بدرالدين:
هذا باحث وكاتب مقالة وصاحب المجموعة القصصية (المساء الشتوي)التي تعبر عن عشقه للجبل الأخضر وعمقه وأصالته فيه ، فنراه في هذه القصص يتخذ عين سائح ، فهو يشبع خواطره ويملأ عينه من عبق الجبل الأخضر ، يتوحّد ويذوب فيه مطلقا نفسه على هواها كيفما يشتهي من العبارات ، ولا يضيره تقديمها بأسلوب مباشر أو غير مباشر .. قصصه ممزوجة بمداخلاته وخواطره الخاصة وهو بالأحرى راهب الجبل الأخضر..من مثل قوله :" أما أنا فأتشمم بيئة الإنسان الأول .. أشهق وأزفر الصفاء ، وفؤادي يجول عبر النسيم المطلق " .
يعرض علينا في قصصه تأثير الطبيعة عليه دون تصنع ودون أن يختار الكلمات أو يتأنق فيها .. ومع وجود أخطاء مطبعية وكلمات غريبة ، قد تلازم البدايات دائما ولكن القصد من ورائها مفهوم .
فإذا أردت أن تتعرف أكثر على نباتات الجبل الأخضر وتتعرف على طقسه فاقرأ (المساء الشتوي) فإنه يعج بمعظمها ، وعناوين القصص تبشر بذلك ومنها : وادي العودة ـ مطلع المساء ـ فتاة وشتاء ـ الخريف ـ ليلة بيضاء ـ الجدب .

عبدالله عبدالباري:
صدر له مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان(نزيف الصمت) ، ولا يعنى هذا أنه قاص جديد ظهر فجأة ، وإنما سبق له نشرها في الصحف والمجلات منذ زمن طويل وقد ضاع بعضها فلم يضمنه المجموعة .
وقد أهداني مشكورا المجموعة إثر صدورها وتحمل تاريخ هذه السنة 2010 .. وهو بهذه المجموعة يعتبر من قصاصي الجبل الأخضر المتميزين ذلك لصراحته وشجاعته ، فقد جاء بشيء متميز بالفعل ، لأنه أدخل السياسة في قصصه لغرض الإصلاح العام والخاص وليس لغرض الهدم ، فهي تعبر عن معاناة المواطن وحاجته إلى أولويات المعاش والمأوى كما تعبر بشكل درامي كيف تلاعب الآخرون بمقدرات المجتمع وسرقة أمواله بالاختلاس واستغلال السلطة والدس والخديعة ونصب الأشراك لبعضهم البعض .
بالإضافة إلى هذا كله فالقصص لا تخلو من نظرة اجتماعية نفسية معمقة خلقتها لديه تجارب الحياة وممارسة العمل ومخالطة مختلف طبقات الناس فمن هذه القصص ما يمس الهم اليومي وما يحيق بالمواطن من منغصات وحديث النفس الذي لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة.. ومنها أيضا ما يرجوه من أمل وما يهدف إليه من خير الشيء الذي جعل من هذه القصص ثنائية الإيقاع.

فتح الله المجدوب:
هو شاعر ومخرج وكاتب مقالة وخاطرة .. ليس غريبا على فتح الله المجدوب المتصرف بكل هذه الأنواع من الأدب أن نرصد له محاولات ناجحة في القصة ، خاصة وأنه عضو هام في أماسينا ولم يتغيب عنها طرفة عين .. فقد استفاد من فن المسرح في كتابة هذه القصص ، ولكونه مخرجا ناجحا فقد وظف فن الإخراج والسينارست في تنسيق المشاهد وفي صياغة القصة .. تشعر وأنت تقرأ القصة كأنما هناك شخصية تتلقى الأوامر الدقيقة من المخرج كما في هذا المقطع من قصة الصنم : "بصق على الأرض بعد أن أحسّ بمرارة في رضابه جرّاء طعم السيجارة سيئة السمعة العالقة أبدا بفمه .. جلس على الصخرة المغروسة عنوة فوق التلة ..جال ببصره إلى الأسفل حيث الطريق الملتوي الممتد إلى ما لا نهاية .. بدأ الغروب يتشكل كالسديم ..اختلطت ألوانه في الأفق البعيد .."
فالمسرحية عبارة عن قصة ولها نفس خصائص القصة من حبكة وعقدة وزمان ومكان وفكرة وشخصيات ، إلا أن الشخصيات في المسرحية تعبر عن نفسها بنفسها ، بينما تعبر الشخصيات في القصة بواسطة الراوي وهي تشغل الذهن فقط بينما المسرحية دراما تشغل الذهن والسمع والبصر معا.

بعد أن فرغ الدكتور عبد الجواد عباس من محاضرته التي لم تخلُ من التشويق .. بدأ عبد الباسط الجياش في تنظيم المداخلات , فكانت كما يلي :
القاصّ : أحمد يوسف عقيلة : السلام عليكم ، أشكر الدكتور عبد الجواد على هذا الجهد الكبير – ذكر الدكتور عبدالجواد في محاضرته أن رواية زينب هي الرواية العربية الأولى ولا ألومه في ذلك لأنه من الأخطاء الشائعة ولكن الصحيح هو أن الرواية العربية الأولى هي لسيدة لبنانية وليست مصرية، ولكن مشكلة أخواننا المصريين أنهم لا يؤرخون إلا لأنفسهم ،ويحضرني في هذا الصدد مثالٌ أكثر وضوحاً من هذا وذلك أنني قرأت في سنة 2003 أو 2004م خبراً في مجلة أخبار الأدب المصريّة جاء تحت عنوان " طاغور لأول مرة في العربيّة " ومفاد الخبر أن مترجماً مصرياً ترجم للشاعر الهندي طاغور وأصدر هذه الترجمة في ديوان صغير الحجم . في حين أن الأديب الليبي (خليفة التليسي) كان سباقاً إلى الترجمة للشاعر الهندي طاغور فترجم له في ثمانينيات القرن الماضي ديواناً من ثلاثة مجلدات . وهو موجود في كل أنحاء الوطن العربي !!!!!!.
القاص والمخرج المسرحي ،فتح الله المجدوب : أشكر الدكتور عبد الجواد عباس لأن دراسته قد شملتني – قصتي ( الصنم) التي شملتها الدراسة كانت من وحي واقعة طريفة حدثت لضيفنا هذا المساء الدكتور عباس وتتلخص هذه الواقعة في أنّ الدكتور عبدالجواد كان من هواة السباحة والغطس ،وذات مرةّ أثناء ممارسته لهذه الهواية عثر على جرّة كبيرة غارقة في الرمال في قاع البحر فحاول أن يجرها إلى الشاطيء ولكنها استعصت عليه لثقلها , فقرر أن ينصرف ليحضر أداة تمكنه من تهشيم الجرّة وإخراج ما بداخلها فلما انصرف وعاد أضاع مكان الجرة ولم يعثر عليها .
هذه الواقعة الطريفة هي التي أوحت لي بكتابة قصة الصنم التي أهديتها له – في الحقيقة كنت أحتكم للدكتور عبد الجواد عباس كتابتي للقصة ،كنت أراقب ملامحه وهو يقرأها فإذا استحسنها فرحتُ بذلك – كان كثيراً ما يصحّح أخطائي ويرشدني ويمدني بالمعلومات المفيدة في هذا الجانب .
الكاتب ،حمدي الزايدي : أشكر الدكتور عبد الجواد عباس الذي ذهب بنا إلى بدايات القصّة ووصل بنا إلى مرحلة عندنا فيها شباب لهم اصداراتهم ونفخر بهم كثيراً – تطرّق الدكتور إلى (خليفة الفاخري والصادق النيهوم) وصنّف ما نشروه من قصة قصيرة على أنه مقالة قصصية ،والحقيقة أن القاريء لنتاج الفاخري والنيهوم يتضح له أن الحالة الصحفية في السبعينيات هي مَن فرض هذا النوع من الكتابة فعندما نذكر الكتابة في السبعينيات فإننا بالضرورة نذكر صحيفة الحقيقة –،كتب الفاخري والنيهوم في هذه الصحيفة بشكل مستمر ولذلك فإن لغة الصحيفة فرضت عليهما المقالة القصصية – لقد حاولا أن يتناولا هموم الناس بشكل قصصي غير مرهق في القراءة ويتناسب مع حجم الصحيفة – عندنا هنا في الجبل الأخضر بدأ هذا النوع من الكتابة في الظهور في فترة سابقة من خلال صحيفة أخبار الجبل حيث تراجعت المقالة الصحفية أمام المقالة القصصية التي أعتبرها معززاً للقصة القصيرة باعتبارها لغة سهلة تسهل على القرّاء التواصل معها – أنا أؤكد على أن وجود الصحيفة دائماً هو مدخل للمقالة القصصية أو القصة القصيرة ذات طبيعة المقالة – أما فيما يتعلق بتعظيم المصريين لأنفسهم ففي اعتقادي أن ذلك راجع إلى عجز الآخرين وقصورهم في أن يقدّموا أنفسهم فوجهوا هذه التهمة إلى المصريين – نحن نحتاج إلى الآليات التي تستطيع أن تقدّم نتاجنا الأدبي بشكل يفرض نفسه على الساحة والعربية.
الشاعر ، أ. عبد الله علي عمران : في إطار شكري للدكتور على المحاضرة سأعرّج على القضية التي أثيرت وهي قضية أيُّ الرّوايات أول صدوراً ، إن ما نفتقده في ليبيا حقيقة هو التأريخ للقصة الليبية – أنا أتفق مع حمدي الزايدي فيما ذهب إليه من أننا عجزنا عن نشر نتاجنا الأدبي كما يجب ، فليس العيب في أن يشيد الآخرون بأنفسهم بل العيب في أننا لا نملك مرايا نرى فيها أنفسنا – أنا أستغرب من الدكتور قوله بأن القصة الغربية تأثرت بالقصة العربية فمن وجهة نظري لا وجود لشيء اسمه قصة عربية قبل حملة نابليون بونابرت على مصر – كانت القصص العربية ترد لإثبات حدث ما أو قضية ما ولم يكن القصد منها هو سرد الحكاية ولذلك نجدها تخلو من الجوانب الفنية الواجب توافرها في كتابة القصة – القصة والرواية جاءتنا من الغرب ولم يكن للعرب أي إسهام فيها – هناك قضية أخرى حساسة وهي قومنة الفكر كأن نقول الفلسفة اليونانية أو الفلسفة الألمانية فهل يجوز ذلك ؟ الخطورة تكمن في أن يكون هذا التصنيف معياراً لجودة الفكر، هذه القضية لاحظتها لدى الدكتور عبد الجواد عباس وقد أشار إليها ضمناً ، فهل الحديث عن البيئة شيئاً إيجابيّاً للقصة؟ ، إذا كثر حديث كاتب ما عن بيئته هل سيكون ذلك لصالح كتابته؟ من وجهة نظري فإنني قد أطرب لديستوفسكي عندما يحدثني عن أي شيء ولا أطرب لكاتب يحدثني عن بيئتي – هل يجوز أن نعطي جنسية للفكر ؟ .
د. محمد الطيب خطاب : هذه قضية جدلية فكثير من العرب يؤصّل القصة بأن لها جذور عربية ومن ثم يربطها بالمقامات وما فيها من حبكة قصصية ، ولكن البعض الآخر يرى أن المقامات لم يكن هدفها هو القصة بذاتها – أنا دائماً أقول أن التراث الليبي مغبون إلى حدٍّ كبير في الأعمال الفنيّة من دراما ومن قصص وغير ذلك ، رغم غِنى هذا التراث وتعدد أبعاده ودلالاته ولا أعلم السبب هل هو جهلنا بهذا التراث أو أن الكتّاب الذين تناولوه لم يكونوا قريبين منه بالحد الذي يمكنهم من فهمه واستيعابه ؟ - أعتقد أن الجيل الجديد من أمثال أحمد يوسف وغيره استطاعوا أن يجسّدوا هذا التراث وأن ينصفوه لأنهم فهموه أولاً ثم كتبوا عنه .
الكاتب . سعد موسى : أشكر الدكتور عبد الجواد عباس شكراً جزيلاً لأنه رغم انشغاله بشؤونه الخاصة إلا أنه يحمل همَّ الآخرين ويقرأ نصوصهم ويُقدّمهم للناس – أتساءل إن كانت للدكتور نيّة في إصدار موسوعة بهذا الخصوص .
الشاعر . مفتاح ميلود : قليل هم الذين يرصدون إبداع الآخرين والدكتور عبد الجواد يأتي في مقدمتهم – انجذاب أحمد يوسف للبيئة ليس انجذابا لها في حدّ ذاتها ولكنه يوظف هذه البيئة في تقنيات بناء القصة – يعكس ثقافة وفكر البيئة التي ينبثق منها النصّ , فالبيئة عند أحمد يوسف لا تشارك في الحدث ولكنها خلفية للأحداث .
الفنان التشكيلي،عبد العالي عمر شعيب : أصعب ما يواجهه النقد أن العناصر التي ينتقدها لا ترقى لمستوى النقد ، وذلك يدفعه المجاملة والمواربة وحالات الترقيع – يُفترض أن لا يُنشر كتاب إلا إذا كان جديراً بالنشر- الأشجار والوديان والجبال هي جزء من البيئة وليست كل البيئة،وحياة المبدع وما يتخللها من أحزان وأفراح ورضى وغضب وعُقد ومزاج كلها جزء آخر من البيئة وكلها تقف وراء نتاج المبدع – هل نحن فعلاً في حاجة إلى الكتابة والقراءة والرسم ؟ أم أنها مجرد مجاراة للعالم من حولنا ؟ لابد أن تكون الثقافة هي الدافع الحقيقي لكتاباتنا ونتاجنا الأدبي والفني – الثقافة ليست مجرد قراءة وكتابة الثقافة همّ .
الشاعر ، مفتاح بوعريقيب : لست من كُتّاب القصة ولست متابعاً جيداً لها ولكنني أحببت أن أشكر الدكتور عبد الجواد عباس على تشجيعه لأبنائه المبدعين وفي هذا الصدد أتذكر لقائي بالدكتور عباس ، كان ذلك منذ زمن بعيد وكنت حينها أروي الشعر عن جدّي وعن غيره من الشعراء فلما سمعني الدكتور عبد الجواد عباس قال لي : أنت تروي الشعر بشكل جيد وأنا أتنبأ لك بأنك ستكتب الشعر يوماً ما وستكون شاعراً جيداً . وبعد سنوات من هذا اللقاء كتبتُ الشعر وشاركت في العديد من المسابقات وتحصلتُ على تراتيب متقدمة كان آخرها حصولي على الترتيب الأول في مهرجان الشعر الجامعي الذي أقيم في مدينة سبها الأيام القليلة الماضية .
بعد أن انتهت مداخلات الحضور تحدث الدكتور عبد الجواد فقال :
نحن نكتب القصة لأنها تمثل اتجاهات شعب واتجاهات ذوق ولكنها تخضع للنوازع الشخصية فمنهم من يكتبها في يوم ومنهم من يكتبها في أشهر – أنا كتبت وسأظل أكتب عن المبدعين في الجبل الأخضر وفي ليبيا هذا أحد أبرز همومي الأدبية – سأحاول أن أوسع دائرة البحث وأسوغ ذلك في موسوعة كبيرة حتى تعم الفائدة – ليعذرني من لم أتناوله بالدراسة وعذري في ذلك أن الذين شملتهم الدراسة كانوا قد أهدوني نتاجهم فتمكنت من الاطلاع ليه ودراسته – أشكر منتدى أماسي البيضاء الثقافي على استضافتي للمرة الثانية .

المداخلون :

القاص : أحمد يوسف عقيلة .

المخرج المسرحي والقاص : فتح الله المجدوب .

الكاتب : حمدي الزايدي .

الشاعر : عبد الله علي عمران .

الدكتور : محمد الطيب خطاب .

الكاتب : سعد موسى .

الشاعر : مفتاح ميلود .

الفنان التشكيلي : عبد العالي عر شعيب .

الشاعر : مفتاح بو عريقيب .
وجوه من الحضور :