28‏/10‏/2009

الأمسية 18

الشاعر عبدالسلام الحجازي وإلى يمينه المخرج فتح الله المجدوب
المخرج فتح الله المجدوب
الحجازي والمجدوب والكاتب عبدالرحمن عباس
شيزوفرينيا

ضمن النشاط المسرحي الذي يشرف عليه منتدى أماسي البيضاء الثقافي أقام مسرح السلفيوم بالبيضاء عرضاً مسرحياً بعنوان ( شيزوفرينيا ),وذلك في اليوم الثاني والعشرين من رمضان الموافق 12-9-2009م.
كان العرض المسرحي شيزوفرينيا-أو انفصام- من تأليف الكاتب السوري: حسام سفان. سينوغرافيا: عبدالجواد العبد. تمثيل: وائل الشرع – المهدي صهد – خالد البريسيدي – سيف طاهر – فتح الله المجدوب. إخراج : فتح الله المجدوب.
تناول العرض شيزوفرينيا لحالة الهلع أو الخوف من الآتي - اللا مرئي-, أي أنه يعالج فوبيا المحيط والانكفاء إلى العمق الداخلي حيث مكمن الصراع النفسي .
اعتمدت فكرة الإخراج على سينوغرافيا تصنع الشكل التواتري لحالة التضاد بين أسس الحالة السيكولوجية لشخصية العمل واستخراج هذه الحالة الضبابية إلى مرئيات تشخيصية يمكن رؤيتها والعمل عليها من حيث الحركة والنقلات مع المحافظة على الخط الدرامي لفكرة العمل. ويعتبر هذا العمل من الأعمال التي تنسف نمطية الاعتماد على الحوار فالحوار ليس فاعلاً أو مهماً من حيث توصيل الأحداث وإيضاح المضمون بشكل مشهدي وليس حواري.
لقد أخذ هذا العمل الكثير من الجهد والمعاناة,وذلك لاعتماده على حركة الجسد المستمرة والفاعلة حيث تم تقطيع إنسان وتأطيره في صور تشبه داخله الممزق جراء مرض الانفصام. وفي النهاية هو عمل ذهني أعتمد على أدوات بسيطة لتوصيل فكرة كبيرة .

بعد انتهاء العرض الذي استغرق قرابة أربعين دقيقة,عُقِدَت حوله ندوة تولى إدارتها الشاعر عبدالسلام الحجازي الذي باشر - بعد تعريفه بطاقم العمل – بتنظيم مداخلات الحضور لإبداء انطباعاتهم فكانت مداخلاتهم على النحو التالي :
*- الكاتب المسرحي:عبدالرحمن عباس : لم يكن في ذهني أن أشاهد ما رأيته اليوم – بعض العروض تحثنا على بذل جهدٍ ذهني لفهمها وهذا العرض من بينها- ما رأيته الليلة كان شيزوفرينيا فعلية – اللوحات كانت معبّرة جداً- الألوان الأبيض والأسود كانت تعبر عن طبيعة الحياة – فوجئت أيضاً بالقدرة الفائقة لدى الممثلين – اللعب بالمركب والإضاءة وبالديكور كان جميلاً- هذا العمل جدير بأن يُعرض في مهرجانات دولية-
*- الناقد:سعد الحمري:أعجز عن التعبير عن مدى الإبهار بهذا العرض- استغلال الأدوات البسيطة كان ينم عن قدرة المخرج- كان بودّي أن لا يكون في هذا العمل أي حوار- أشد على أيديكم وشكراً لكم.
*- المخرج :عز الدين المهدي: مسرحية تجريبية اعتمدت كثيراً على رؤية سنغرافيّة- عبدالجواد العبد مكسب للمسرح الليبي – فاجأني فتح الله المجدوب كممثل جيد- أنا سعيد بهذه التجربة .
الكاتب:سعد موسى: هذا العمل نسف نظرية الإمكانيات- كان بسيطاً وعبقرياً- الموسيقى كانت متناغمة مع العرض.
*- الفنان:سعد الدلال:الثنائية بين المجدوب وعبد الجواد كانت موفقة إلى حد بعيد,أتمنى أن يضعوا أيديهم على نصوص أكبر وهم قادرين على ذلك- كثيراً ما تمّ الشغل على البحر ولكن مشهد القارب كان جديداً ومتميزاً.
*- المخرج:حمدي العوكلي: النصّ لم يصلني-رأيت شكلاً جميلاً.
*- عبدالقادر عبد الحميد:شكراً لمنتدى الأماسي الذي أثار هذا الحراك الفني,الالتفاف الفني جميل ودافيء.
وبعد كل هذه الملاحظات من الحضور قال المخرج فتح اله المجدوب في ردوده عليها:
شكراً للجميع- كنا نرغب في تسمية هذا العمل تضادّ ولكن هذا الاسم سبق في عمل آخر- لم أجد مكاناً للعمل فيه-بعض البروفات كانت في الشارع- الممثلون كانوا رجالاً يعتمد عليهم- أشكركم استفدت من ملاحظاتكم.

19‏/10‏/2009

الأمسية 17

ملحمة حكاوي الجبل
كان يوم 21 رمضان الموافق 12-9-2009م هو موعد عرض الملحمة الغنائية حكاوي الجبل الأخضر.. وقد سبق لهذه الملحمة أن قُدّمت في يوم 10-8-2008م بمناسبة احتفال نادي الأخضر الرياضي بالعيد الخمسين لتأسيسه , وكانت من إنتاج نادي الأخضر .
كتب كلمات هذه الملحمة الشاعر الغنائي عبد السلام الحجازي وقد استعان في سبيل إنجاز هذه الملحمة بمجرودة للشاعر الشعبي رويعي الفاخري الذي كتبها لهذا الغرض فأبدع وأحسَنَ كعادته دائماً, كما استعان بقصيدة(الوصية)للشاعر الغنائي سالم الكواش. بالإضافة إلى بعض المختارات من الموروث الشعبي.
وقد قام الفنان سعد الفيتوري بتلحين كلمات الملحمة وأداها صحبة نخبة من الأصوات الليبية المتميّزة. كما قام الفنان ياسر نجم بالتوزيع الموسيقي للملحمة. أما الإخراج المسرحي الاستعراضي فقد كان من مهمة المخرج المسرحي عزالدين المهدي ومصمم الرقصات الفنان محمد سعد.
كانت الملحمة قد قسّمت إلى عدة لوحات استعراضية,فبدأت باستعراض حياة النجوع في الجبل الأخضر وكيف كانت معيشة أهلها تقوم على التعاون والتكافل في كافة شؤونهم الحياتية من حرث وحصاد وجز الصوف وغيرها. أما اللوحة الثانية فكان الجبل الأخضر يتحدّث فيها عن ذكرياته والحُقب التاريخية التي مرّ بها وعايشها منذ قدوم الإغريق وحتى قيام الثورة. أما اللوحات الأخرى فقد استعرضت مدينة البيضاء ونادي الأخضر الرياضي.
استغرق العرض حوالي الساعة بـ(الداداشو) في قاعة مسرح هواة الفن,وقد حضرها لفيف من الفنانين بمدينة البيضاء. وبعد انتهاء العرض عُقِدَت ندوة على أضواء الشموع بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
تولى الفنان المسرحي عبد الرحمن عباس إدارة هذه الندوة وبدأ على الفور باستطلاع آراء وانطباعات الحضور,فجاءت هذه الانطباعات والآراء كما يلي:
* - الناقد سعد الحمري:العمل رائع جدّاً-ولكن هناك خلط في مفهوم الأوبريت واللوحات الغنائية التسجيلية,وما شاهدناه الليلة هو لوحات استعراضية وليست أوبريتاً غنائياً.
* - الأديب الصديق بودوارة:أشكر أسرة العمل – ولكن لديّ ملاحظة وهي أن الإغريق ليسوا على عكس الرومان هم أيضاً مستعمرون,وقد وقعت بينهم وبين الليبيين معارك شرسة.
* - الفنان سعد الدلال:أولاً أودّ إبداء إعجابي بكلمات الملحمة كان الشعر غاية في الروعة والإمتاع,والموسيقى كذلك.وبالنسبة للإخراج فالرقص كان هو هو حتى نهاية العرض – في الإجمال كان الجهد كبير والملحمة ضخمة- ثانياً أؤكد على كلام بودوارة- هناك خلط في التسلسل التاريخي- لماذا لم يرد في النصّ ذكر لفرسان القديس يوحناّ؟.
*- الفنان المهدي الهيلع:هناك علاقة قديمة بين عزالدين المهدي والاستعراض- اللون الأحمر كان طاغياً على العرض.
*- المخرج شرح البال عبد الهادي: لم يكن هناك مبرراً لوجود الرواة – كان من المفروض استخدام الداداشو-أثناء العرض المباشر في الاحتفالية- لإظهار مشاهد أخرى غير موجودة على الركح- هناك نقص في الديكور– الإضاءة لم تساعد العمل.
* - الإعلامي عبد السلام الجياش:العمل رائع جدّاً- استطاع الشاعر أن يوظف موروثنا توظيفاً جيداً- واستطاع الملحن سعد الفيتوري أن يطوّر غناوة العلم والكشك بشكل جميل وممتع.
وبعد الانتهاء من استطلاع الانطباعات أحال عبد الرحمن عباس الحديث إلى كاتب وملحن ومخرج الملحمة,فجاءت ردودهم على النحو التالي:
*- الشاعر عبد السلام الحجازي:شكراً لحضوركم وأرائكم- أودّ التنويه أولاً إلى أنّي قد كُلفتُ بكتابة هذه الملحمة في يوم 15-6-2008م.على أن يكون العرض متكاملاً بموسيقاه وتمثيله في شهر 8 من نفس العام,ولا يخفى أن هذا الزمن قصير جدّاً مقارنة بموضوع الملحمة,ولكن العزيمة والحماس وحب الجبل الأخضر ومدينة البيضاء وناديها كانت وراء هذا الإنجاز في هذا الزمن القياسي .أما بالنسبة لانطباعات بعض الحضور فأولاً لستُ أنا من سماه أوبريتاً فقد كتبته بعنوان ملحمة حكاوي الجبل- ذكر بودوارة أن الإغريق مستعمرين وأنا أقول أنهم لم يكونوا كذلك في بداية أمرهم فعندما نزلوا في خليج البمبا أخذهم الأهالي الليبيون إلى منطقة المنصورة حيث الخضرة الدائمة والمطر الدائم ولم يكن الأهالي ليفعلوا ذلك لولا شعورهم بالودّ تجاه هؤلاء الإغريقيين,وأما الحروب التي وقعت بين الليبيين والإغريق فقد كانت في مرحلة متقدمة نوعاً بسبب استشعار الإغريق بقوتهم فبدأوا باضطهاد الليبيين- أما ما ذكره الفنان سعد الدلال عن الخلط في التسلسل التاريخي وتجاهل بعض التفاصيل مثل فرسان القديس يوحنا وغيرها,فأقول: أولاً أنا لستُ مُحاضِراً يعطي درساً في التاريخ فيعنى بتفاصيله الدقيقة,إنما كانت غايتي أن أذكر على لسان الجبل الأخضر الحقب التاريخية التي مرّ بها هذا الجبل وما عاناه أهله من هؤلاء المستعمرين عبر التاريخي وما ضربوه من أمثلة جبارة في المقاومة والاستبسال دون أرضهم,ولذلك فقد اكتفيتُ بتوضيح الخطوط العريضة لهذا التاريخ. هذا من جهة,ومن جهة أخرى لم يكن هناك أي خلط في التسلسل التاريخي فالنصّ يبدأ بعهد الإغريق,ثم العهد الروماني,ثم الفتح الإسلامي,ثم العهد التركي العثماني,ثم الغزو الإيطالي,ثم مرحلة الجهاد وقيام الثورة,فأين الخلط التاريخي في هذا؟- وأخيراً لم يثبت لديّ أن فرسان القديس يوحنا وطئوا الجبل الأخضر ولهذا لم يرد ذكرهم في هذا النص الذي يتحدث عن السيرة الذاتية لهذا الجبل.
*- سعد الفيتوري: ليس لديّ ما أضيفه – شكراً لحضوركم وانطباعاتكم الجميلة تجاه الموسيقى.
*- المخرج عز الدين المهدي:الأوبريت يجمع مجموعة عناصر- المسرح أبو الفنون- هذا أوبريت بمعنى الكلمة لأنه جمع كافة العناصر الدرامية,فالراوي يتحول إلى مطربٍ والممثلون كذلك- صفقوا كثيراً للحجازي على هذا العمل العظيم.

قراءة مُختصرة في ملحمة حكاوي الجبل للشاعر ( علي الفسيّ) من مدينة بنغازي بعنوان : غنائية رائعة من رحم التراث كتبها في 5/8/2008.

التحضير للاحتفال بخمسينية نادي الأخضر يسير على قدم وساق،على عدة مسارات رياضية،ثقافية،فنية، إعلامية... والجديد هنا هو إقدام الشباب القائمين على هذه الاحتفالية على خوض تجربة جديدة و رائعة وهي ((أوبريت )) ملحمي .
قادتني الصدفة لحضور إحدى تدريبات هذا العمل الإبداعي فأدهشتني اللوحات التي تمزج أصالة الكلمة بتناغم تاريخي بديع وجمال للحن وحرفية الإخراج وتقنيات الحركة لتجسد حكاية من زمان ومكان ، ........
لوحات تصور الماضي بقضِّـهِ وقضيضهِ ، و بتراتُبية متفردة بـِدْأً من هجرات الإغريق وغزوات الرومان ومن ثم الأتراك وصولاً إلى الغزو الإيطالي البغيض .
النص الشعري .. يبدأ بمجرودة للشاعر الشعبي المجدد المتجدد الرويعي الفاخري هي نقوش زمنية وصور شعرية متلألأة مؤثرة. ثم رشقات من الفخامة الشعرية المعهودة لدى عبدالسلام الحجازي يصب فيها فيضاً من مخزونه الثقافي والتراثي غير متجاهل لأي سمة تراثية من (الجلامة ، والحرث ،والحصاد )و غيرها . ويطرح سالم الكواش لوحة حوارية قمة في التأثير تتناغم لتجسد صعود الإنسانية من الهاوية تستحضر روح الماضي في نفوس الصغار بنكهة جديدة مطعَّمَـة بكل ما هو أصيل،و موشـَّحة بقالب أنيق من حس وذوق.
الموسيقى .. بأنامل سعد الفيتوري الذهبية فهي باهظة التكوين تتلاقح فيها سمات التنوير الإبداعي في أروقة الذوق الرفيع لتطير بنا بلونها الشفيف إلى السماء .
أضفت عليها عبقرية ياسر نجم لمحةً من لمحات الدهشة،مبشرةً بلون جديد و أسلوب جديد.
كل ما أسلفت من مشيج .. هو بين يدي عز الدين المهدي يشكله بعبقرية و يحيله استعراضاً إيحائياً تكتمل من خلاله الفكرة و النص في لوحات راقصة بأسلوب الفن الإيمائي الحركي وهي مزيج من الحكايا الشعبية
ورقصات تلهج بحب الوطن و لوحات تغازل الحاضر وتستشرف المستقبل برؤية العارف المدرك لطبيعة وهموم الوطن ... اتسقت في الأداء جمالاً موحداً.
عز الدين وصل إلي صيغة جمعت جاذبية الطرح وجماليات الاحتفاظ برؤى ودلالات الكاتب يساعده في ذلك لفيف من الشباب المثقل بالأعباء رغم ذلك يجدون في تنفيذ هذا العمل تحدياً لكل عائق .
أما الأداء .. فحدث ولا حرج فأنت ترى حِـرفية بديعة يخيل إليك أنها ذات خبرة ، حركات تموسق التأمل ، والمثير هنا أن أغلب المؤدين من راقصين و ممثلين،أطفال هي إطلالتهم الأولى على المسرح .
والأصوات .. تلج حلقة الجمال لتمتطي سلماً من سلالم الفخامة و تسجل لها اسماً جديداً، فهي دون أن تشارك في السوبر ستار ،سوبر ستار،رافقت مختلف اللوحات، ساحرة متنوعة بأسلوب تفاعلي ,اكتشافات جديدة ،لذا فهي وسام على صدر القائمين على هذا العمل .هذه المسرحية الغنائية كما أحب أن أسميها ، جاءت غاية في الروعة في فكرتها وشعريتها وحواريتها وموسيقاها وأدائها وإخراجها .
أخيراً .. تحية لمن يعملون في الظل وراء الكواليس و يدعمون هذا العمل بالمجهود الذاتي من شباب مدينة البيضاء المحبين لمدينتهم وناديهم وأجدادهم اللذين ورَّثوهم المروءة والكرم والتفاني في حب الأوطان .

02‏/10‏/2009

الأمسية 16



لقطات من الندوة





الحجازي يقدم شرح البال


الشاعر والباحث رمضان العوامي

الناقد سعد الحمري

المخرج عز الدين المهدي
النفنان المسرحي سعد الدلال
الممثل والمخرج أسامة عبد الحق

المخرج شرح البال يردّ على مداخلات الحضور




مشاهد من العرض للمثلة عائشة الماجري :










بكاء الموناليزا
أقام منتدى أماسي البيضاء الثقافي أمسيته السادسة عشر يوم الأحد السادس عشر من رمضان الموافق 6 – 9 – 2009م. كانت هذه الأمسية عرضاً مسرحياً بعنوان ( بكاء الموناليزا ) , وكان هذا العرض هو الثاني في المهرجان المسرحي لمسارح مدينة البيضاء المقام بإشراف المنتدى .
فعلى تمام الساعة الحادية عشر بدأ العرض المسرحي بكاء الموناليزا في مسرح هواة الفنّ,وهو من تأليف:المؤلف العراقي(ذوالفقار خضر),وللمخرج (شرح البال عبدالهادي),أما طاقم العمل فكان على النحو التالي: تمثيل – بطولة – عائشة الماجري. موسيقى:حسن الشاوش.ديكور:هشام عبدالهادي..إضاءة:محمد عبدالجليل.مؤثرات:حسين النعمي.تنكر ومكياج:نعيمة اهويدي..إدارة مسرحية ومكملات:محمد هوّاد وأيمن أمّو. إشراف عام:محمود المجبّر.
اعتمد المخرج في هذا العرض على فن الإيماء الصامت – المانتومايم – كما اعتمد على ممثلة واحدة لأداء هذه المهمة. دام العرض(بكاء الموناليزا) لخمسين دقيقة استعرض خلالها قضيّة العنوسة ومسبباتها. وبعد انتهاء العرض مباشرة أقيمت ندوة لمعرفة انطباعات الحضور حول العرض شارك فيها عدد من المثقفين والأدباء والمسرحيين بالمدينة,وكانت هذه الندوة بإدارة الشاعر عبدالسلام الحجازي.
وقبل أن تبدأ مداخلات الحضور نوّه الحجازي أولاً إلى أن هذا العرض من نتاج فرقة الشباب بمدينة سبها بالتعاون مع المخرج شرح البال عبدالهادي,ولأن هذا العرض سيعرض لليلة واحدة فقط فإنه سيعرض مرئياً على ( الداداشو) بدلاً من قدوم فريق العمل من مدينة سبها .
كما نوّه الحجازي إلى أن فرقة الشباب بسبها قد شاركت بهذا العمل (بكاء الموناليزا) في المهرجان العربي للهواة المُقام في القاهرة بتاريخ 26-6-2009م. وقد لقي هذا العرض استحساناً كبيراً من الحضور,ونظراً لأن التقييم مقصور فقط على الفرق المسرحية المصرية فقد تحصّل هذا العرض على شهادة من لجنة التقييم بالعمل متميز.
وبعد ذلك بدأ عبدالسلام الحجازي بدعوة الحضور لإبداء انطباعاتهم حول ما شاهدوه هذه الليلة فكانت المداخلات كما يلي :
* - الكاتب :أ.ناجي الحربي: العرض طرح أسئلة وإجابات(العنوسة –سلطة الأب – الكبت) كلها مسببات للعنوسة- تمنينا أن يكون العرض حيّاً – الموسيقى كانت هي البطل – أبدع المخرج في إظهار التفاصيل الصغيرة .
* - الناقد : سعد الحمري: شاهدت عرض ممتع – الممثلة نقلت إلينا المشكلة بكل تفاصيلها – كان على العرض أن ينتهي عند دخولها في برواز الموناليزا.
* - الشاعر مفتاح ميلود :أتفق مع سعد في الملاحظة الأخيرة – لم يكن مطلوباً من المخرج أن يطرح حلاًّ,بل كان عليه أن يكتفي بطرح المشكلة فقط – استخدام الأغاني كان حواراً وهو قياساً بالموقف الدرامي تعتبر الممثلة قد نطقت ,وفي ذلك أسلوبَ مباشرة بالإضافة إلى أن الأغاني لم تُضِف للعمل شيئاً- إجمالاً ,فإنّ العمل برمّته ليبيٌّ أصيل,استطاع أن يعكس التراكم المسرحي في مدينة البيضاء.
* - المخرج عز الدين المهدي : أحيي بكل صدقٍ هذا الحضور الجميل للجمهور- رغم أن العمل مُقدّم باسم مدينة سبها إلاّ أن روحه كانت جبليّة– وددت أن يتوقف العرض عند ربط الممثلة لعقارب الساعة.
* - الفنان المسرحي سعد الدلال : كان من المفترض أن يُختزل العرض أكثر من ذلك – المتعة جاءت من الموسيقى ولم تأتِ من الأداء التمثيلي – انزعجتُ قليلاً من كثرة المؤثرات- بصفة عامّة العمل كان وجبة دسمة,وهو علامة أخرى تحسبً لشرح البال.
* - الشاعر: رمضان الصالحين العوامي : قدرات المخرج كانت فائقة- العمل جديدٌ نوعاً ما عن المسرح الليبي .
* - الفنان: سعد الفيتوري: تجربة جميلة لشرح البال – إحساس الممثلة بالموسيقى كان عالياً – لو نُفذت الموسيقى بشكلٍ أفضل لكانت أغنت عن الشعر الوارد في العمل.
* - المخرج أسامة عبدالحق : كان هناك رهان عن ماذا سيقدّم شرح البال بعد تفوقه في مسرحية يا مطر يا عمتي – كان شرح البال في الموعد ولم يخيّب آمال محبّيه.

ولمّا انتهى الحضور من ابداء انطباعاتهم بدأ شرح البال في التعليق على بعض هذه الانطباعات, فقال: ما عندي قلته في العرض – تمنيت أنكم شاهدتم العرض الذي قُدّم في مصر – السؤال هو: هل استطاعت الموسيقى مع حركة الممثلة أن توصل الحالة أم لا؟. – الممثلة جديدة في هذا المجال وهذه هي التجربة الثانية لها – استفدت المساحات الصوتية لهذه الممثلة – كنت مُصرّاً أن تكون الحالة ليبيّة – حتى في مهرجان القاهرة طُلِبَ مني انهاء العمل عند لوحة الموناليزا – أردت أن أبرز خصوصيتي كمسلم فصبغت الخاتمة بصبغة دينية تمثلت في أن العودة إلى الله هي الحلّ الأمثل- أنتم مرآتي, استفدتُ من ملاحظاتكم,شكراً جزيلاً لكم.









































10‏/09‏/2009

الأمسية 15

مشهد من مسرحية ( بالعود يا مسعود )
مشهد آخر من العمل ( آخر مشهد ) .
الجمهور الذي حضر الندوة
منشط الندوة سعد موسى يتوسط المؤلف والمخرج
كاتب النصّ : عبد الرحمن عباس
مخرج العمل : عبد العالي شعيب
المخرج : سليمان الخشبي
القاصّ : الصدّيق بودوارة
المخرج : شرح البال عبد الهادي
الفنان: أ . سعد الدلال . نقيب فنانين الجبل الأخضر
الشاعر : رمضان الصالحين العوامي
الفنان : المهدي الهيلع .
المخرج : أسامة عبد الحقّ


بالعود يا مسعود . كان هذا هو عنوان العرض المسرحي الذي كتب نصّه الكاتب عبد الرحمن عباس , وأخرجه الفنان عبد العالي عمر شعيب , بدأ العرض على خشبة المسرح الحديث على تمام الساعة الحادية عشر مساء, من يوم السبت الخامس عشر من رمضان الموافق 5- 9 – 2009م . كان هذا العمل المسرحي هو باكورة لأعمال مسرحية ستقدم في شهر رمضان الكريم تحت إشراف منتدى أماسي البيضاء الثقافي .
كان العرض ( بالعود يا مسعود ) يطرح قضية مهمة من قضايا المجتمع,تتلخص هذه القضية في أحلام اليقظة التي تراود الباحثين عن عمل,فكانوا يقومون بمزاولة بعض الأنشطة الاقتصادية بشكل عشوائي غير مدروس,وبدون رأس مالٍ كافٍ,ولذلك فإن هذه المشاريع كثيراً ما كانت تنتهي بالفشل. ولمّا كانت أحلام اليقظة لا تنتهي فإن تلك المشاريع الاقتصادية الفاشلة لم تكن لتتوقف مصحوبة بآمال تراود هؤلاء الحالمين باحتمال نجاحها وتحقيق الثراء المُرتقب .
وكثيراً ما كان يترتب على فشل تلك الأنشطة أن تتغير لافتات المحلات التجارية بعد مُدد قصيرة من تعليقها على واجهات تلك المحالّ التجارية . فمبنى المقهي – حسب العرض – كان قبل أيام قليلة ورشة لكهرباء السيارات,ومحل بيع الأسماك كان في الأصل لبيع التبغ,وهكذا. ولمّا ثبتَ لأصحاب هذه الأنشطة عدم جدواها,فقد أجمعوا رأيهم على أن يشتركوا في مشروع لصيد السمك,وهكذا حتى آخر مشهد في العمل حيث يظهر أبطال العمل وقد تقدمت بهم السنّ وهم يجتمعون من أجل دراسة مشروع جديد,لعله ينجح هذه المرّة .
استمرّ العرض لمدّة ساعتين كاملتين,وبعد انتهائه مباشرة عُقِدَت ندوة حول العرض حضرها عدد كبير من الجمهور,وتولى إدارة هذه الندوة الكاتب سعد موسى امهيوس – عضو منتدى أماسي البيضاء – . فبدأ سعد أولاً باستعراض أسماء أسرة العمل فكانوا على النحو التالي : بالعود يا مسعود . تأليف : عبد الرحمن عباس. تمثيل : يونس عبدالرازق – أحمد شعيب – رمضان العريبي – طارق فيتوري – محمد عبدالرحمن – حسن إبراهيم .
ديكور: علي الشرقاوي . إضاءة : سعيد العوامي , عبدالله خنفر . تنكر وملابس : أكرم عبدالسميع . موسيقى : طارق البراني . إدارة مسرحية : خالد الورفلي . إشراف عام : المهدي الهيلع,سعد الدلال . إخراج : عبدالعالي شعيب .
ثم بعد ذلك بدأ الحضور في التعبير عن انطباعاتهم وآرائهم حول العرض,فجاءت المداخلات على النحو التالي :
*- الأديب :د . عبدالجواد عباس : أحيي الفرقة – الحوار واضح – تناول العرض مشكلتين : الأولى , أحلام اليقظة التي تراود الإنسان وخاصة الحلم بالثراء . والثانية,ظاهرة تغيير أنشطة المحلات. أذكر أنني ذات مرة حملتُ جهاز مرئي لإصلاحه في محل متخصص بإصلاح الأجهزة الإلكتلورنية ,ولما عدت في الموعد لاستلام الجهاز وجدت المحلّ قد أصبح محلاً لبيع الخضراوات. – لاحظت على العرض أن الفاصل بين الفصل والفصل طويل. - كما لاحظت التداخل في الحوار بين الممثلين.
* - الناقد :سعد الحمري : ما رأيته اليوم كان جميلاً – النصّ يتحدت عن قضايا واقعية – الخروج على النصّ أتاح للمثلين إبراز قدراتهم كممثلين . – كان بإمكان الديكور وخاصة في مشهد البحر أن يكون أفضل من ذلك . – في المجمل كان العمل ممتازاً.
* - القاصّ:الصّدّيق بودوارة : هناك إسهاب في كلّ شيء,كان من المفترض أن تُختزل الكثير من المشاهد .
* - الفنان:أ. سعد الدلال : قلة الإمكانيات تسببت في قليل من الإرباك .- يُفترض أن لا يزيد العمل المسرحي على الساعة تحاشياً للملل .كان من المفروض أن يكون الديكور أكثر تطوراً .
* - المخرج: المثل الشعبي يقول:(المتفرج عامر عقل) إن الذي يعمل في المسرح معتمداً على إمكانياته المادية الخاصة هو مجاهد حقيقي – قدرات الممثلين كانت فائقة .
* - المخرج : سليمان الخشبي : لفت نظري قدرة الممثلين وخاصة الممثل رمضان العريبي – المشهد الثاني كان تكراراً للمشهد الأول – أحيي الجميع على هذا الجهد الرائع .
* - الشاعر : رمضان الصالحين : العمل المسرحي في حد ذاته معاناة وتناول معاناة أخرى – وددت أن كاتب النصّ توسع في موضوع الهجرة – أحيي أيّ عمل يعتمد على إمكانياته الذاتية .
* - د.زياد : جميل أن أتحدث عن عملٍ ليبي – لا أدّعي فهم جميع مفردات العرض لأنه باللهجة الليبية – الارتجال هو قدرة وقتية على التأليف وليس عيباً,وهو مهم في تحاشي الملل وإلاّ كانت كل العروض نسخة واحدة متطابقة- الإخراج كان ذكياً لأنه أوصل الفكرة المحورية وهي محاولة السعي إلى الأفضل – التداخل في الحوار أعتقد أنه كان مقصوداً لأن أضغاث الأحلام تتداخل أيضاً . العاملون في المجال الإبداعي ينحتون في الصخر في كافة أرجاء الوطن العربي وليبيا ليست استثناء.
* - المخرج أسامة عبدالحق: عبدالعالي – مخرج العمل – يؤكد أن البيضاء قادرة على الأعمال الكوميدية .
* - الفنان : المهدي الهيلع : أخذتنا الأعمال التجريبية – نحتاج إلى الكوميديا – لا نستطيع الوصول إلى الجمهور إلا بالكوميديا – شكراً لكل من يحاول أن يخلق القاعدة الجماهيرية .
كانت هذه أهم المداخلات من الحضور . وبعد الاستماع لها يبدأ مخرج العمل عبدالعالي عمر شعيب في التعقيب فيقول : إن كل ما هو دفع للعمل إلى الأمام – النجاح رهن بالتكرار – نحن لا نبحث عن الإضحاك لمجرد الإضحاك – النصّ في مجمله نقلة من حيٍّ إلى شاطيء بحر وهو يحتاج إلى إمكانيات ضخمة تزيد من متعة الفرجة ولكنني وفق إمكانياتي لا يمكنني أن أحلم بأكثر مما قدمت – النصّ كان يخوض في تفاصيل الهجرة فاكتفينا بالإشارة إلى تهجير العمالة إلى أوربا – ركزنا بالدرجة الأولى على القضايا التي تخص المواطن بالدرجة الأولى – نحن لا ننشد الكمال بقدر ما ننشد الجمال , وشكراً .
بعد ذلك علّق كاتب النص عبد الرحمن عباس فقال : شكراً على الحضور – آراؤكم تهمنا – حاولت أن أمرر عبر النص رسالة مضمونها أن العشوائية في حياتنا قد تكون مناخاً صالحاً للجريمة وأشياء أخرى – أكرر شكري .

05‏/09‏/2009

الأمسية 14

أ . ناجي الحربي يقدّم الشيخ صلاح سالم
الشيخ صلاح سالم يلقي محاضرته : قيمة الكلمة في الإسلام

استضاف منتدى أماسي البيضاء الثقافي يوم السبت التاسع من شهر رمضان الكريم الموافق 29 – 8 – 2009م الشيخ صلاح سالم في محاضرة دينية حول علاقة الدين بالأدب عموماً وبالشعر على وجه الخصوص , وكانت الأمسية بإدارة الكاتب الأديب ناجي الحربي الذي قدّم الشيخ صلاح للحضور فبدأ أولاً باستعراض السيرة الذاتية للشيخ صلاح سالم,فكانت سيرة عطرة تنبيء عن صلاحِ صاحبها وعن نشاطه وهمّته ونفسِه الخيّرة . ثم أفسَحَ الحربي المجال للشيخ صلاح سالم ليلقي محاضرته التي جاءت بعنوان قيمة الكلمة في الإسلام . ويمكن تلخيص هذه المحاضرة في النقاط التالية :
- لا بدّ أولاً من الإشارة إلى أن نفيَ صفة الشعر عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – في القرآن إنما هو من باب دفع الشبهة عن الدين,ومن باب الرّد على الكافرين,وليس قدْحاً في الشعر. فكما هو معروف أنّ البيئة العربية زمن نزول الوحي كانت تعجُّ بالشعر والشعراء فكان من الطبيعي أن يشيع المشركون أن ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو من قبيل الشعر وليس قرآناً يُتلى .ولذلك جاءت الآيات القرآنية لتردّ هذه الشبهة وتنزه الرسول – عليه الصلاة والسلام – فقال الله عزّ وجلّ :).. وما هو بقول شاعر ..)- سورة الحاقة 41 - وقوله جلَّ شأنه : ( .. وما علمناه الشعر.. ) – سورة يس 69- . .
- عندما نزلت الآية : ( والشعراء يتبعهم الغاوون .......) – سورة الشعراء 224– جاء ابن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك يبكون إلى النبيّ , فقالوا : هلكنا يا رسول الله قد والله علم ربنا أننا شعراء حينما أنزل قوله هذا . فنزل الاستثناء من الله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلِمُوا ) - سورة الشعراء 227- .
- كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول لحسان : أهجُهم وروح القدس معك - اللهم أيّده بروح القدس - إن ما تقوله يا حسّان أنكى فيهم من النبل .
- واكبَ الشعراء الرسالة الإسلامية منذ بدايتها وناصروها بأشعارهم والأدلة على ذلك كثيرة .
- موقف الإسلام من الشعر كموقفه من سائر الكلام , قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – ( إنما الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ) .

السيرة الذاتية:
البطاقة الشخصية :
الاسم : صلاح سالم سليمان سعيد كمش الحاسي.
مكان وتاريخ الميلاد : البيضاء,1979م.
الحالة الاجتماعية : متزوج وله ولد وبنت.
المرحل الدراسية :
- درس الابتدائية في مدرسة عبدالله بن عباس.
- تحصل على الشهادة الإعدادية الدينية من معهد الإمام مالك بالبيضاء.
- تحصل على الثانوية الأدبية من مدرسة ناصر الثانوية.
- نال الليسانس في الآداب ( اللغة العربية ) من جامعة عمر المختار عام 1994م.
- نال درجة الإجازة العالية ( الماجستير) في الأدب الحديث من جامعة عمر المختار سنة 2004م وكان عنوان رسالته "راشد الزبير السنوسي ,حياته وشعره,دراسة نقدية تحليلية ". وقامت جامعة عين شمس بمصر بتقييم الرسالة ومنحها تقدير " ممتاز ".
- يقوم حالياً بالتحضير لدرجة الدكتوراة في جامعة عين شمس بالقاهرة .
نشاطاته :
- يحفظ القرآن الكريم بعدد من الروايات.
- من أقدم مُحفظي القرآن الكريم في مدينة البيضاء. وقام بتحفيظ كتاب الله في عدد من المدارس والمساجد منها : مسجد السيدة خديجة,مسجد سيدنا عثمان,مدرسة رابعة العدوية,مدرسة الخنساء,ثم استقرّ به المقام في مسجد بلال بن رباح منذ عام 1990م.
- أدّى خطبة الجمعة في عدد من المساجد منها : مسجد سيدنا حمزة,مسجد السيدة فاطمة الزهراء,المسجد الكبير,مسجد الأخضر,مسجد القدس,مسجد سيدنا عثمان,مسجد بو عروش, وهو الآن إمام وخطيب مسجد بلال بن رباح بالبيضاء.
- كاتب في عدد من الصحف المحلية والمواقع الالكترونية,ومُشرف الصفحة الدينية في موقع (السلفيوم ) الالكتروني.
- مقدم لكثير من الاحتفالات الدينية والثقافية والجامعية.
- عضو في جمعية الحكيم للأعمال الخيرية.
- منسق الشؤون القرآنية في جمعية واعتصموا بالمنطقة الشرقية.
- له برامج إذاعية بمحلية الجبل الأخضر,منها:في رحاب القرآن- ومن أحسن قولاً – هذا بيان للناس .
- مؤسس مسابقة بلال بن رباح السنوية,ورئيس لجنتها العليا لمدة أربع سنوات .
- رئيس لجنة مسابقة الأخضر السنوية في كافة دوراتها السابقة .
- مقرر لجنة تحكيم مسابقة عمر المختار القرآنية في كل دوراتها.
- عضو مُحكّم في عدد من لجان التحكيم القرآنية بمختلف الشعبيات,ومنها:مقرّر مسابقة واعتصموا النسائية على مستوى ليبيا عام 2006م – مقرّر لجنة تحكيم مسابقة الجغبوب الأولى – مقرّر لجنة تحكيم مسابقات البطنان في أكثر من دورة .
التراتيب :
- تحصّل على الترتيب الأول في عدة مسابقات قرآنية محلية في الجبل الأخضر مطلع التسعينات من القرن الماضي.
- تحصّل على الترتيب الثالث على مستوى الجماهيرية في تجويد القرآن الكريم كاملاً في طرابلس.

28‏/08‏/2009

الأمسية 13

الشاعر مفتاح ميلود-إلى اليسار - يقدم القاص صالح سعد يونس


القاص صالح سعد يستعرض بعضاً من قصصه

سعد موسى . أول المعلقين .

أ.ناجي الحربي

د . عبد الجواد عباس
القاصّ : علي بوحرارة .

المخرج : فتح اللله المجدوب, والدكتور : عبدالجواد عباس

بعد الأمسية ( تمر وحليب ) وبعض التعليقات .

بإدارة الشاعر مفتاح ميلود,بدأت الأمسية القصصيّة التي أقامها منتدى أماسي البيضاء الثقافي في السابع من شهر رمضان الموافق 27- 8-2009م . على تمام الساعة الحادية عشر مساءاً للقاصّ الليبي صالح سعد يونس .
بدأ مفتاح ميلود بالترحيب بضيفه القاصّ وبالحضور, وقبل أن يبدأ في استعراض السيرة الذاتية لضيفه ترك للقاص صالح سعد يونس فسحة من الوقت ليرحب هو أيضاً بالضيوف ويتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في تشكيل شخصيّة القاصّ لديه.وأثنى على الجهد المبذول في منتدى الأماسي والذي من شأنه يضمن استمرار الحراك الثقافي في مدينة البيضاء.

بعد ذلك استعرض مفتاح ميلود السيرة الذاتيّة لضيفه والتي يظهر من خلالها مدى مثابرة القاصّ صالح سعد يونس ونشاطه,هذا النشاط الذي أثنى عليه أغلب الحضور. ثم ترك مفتاح ميلود ناقل الصوت للقاص صالح سعد يونس فباشر بقراءة عدّة نماذج من قصصه القصيرة فكانت على النحو التالي : الكاتب والعجوز سدّينا – موكب حضرة المسؤول – العودة – الكنز – الرّحى – الناطور .
وبعد أن فرغ القاصّ من استعراض نماذجه القصصية بدأ الشاعر مفتاح ميلود بإتاحة الفرصة للراغبين في التعليق,فكانت التعليقات على النحو التالي :
1 – سعد موسى امهيوس : القصّة غير الشعر من حيث الإلقاء وتفاعل المتلقي .
2 – الكاتب : ناجي الحربي : القاصّ يستعمل اللهجة العاميّة بكثرة في نصوصه وفي ذلك عيب وميزة فأما العيب فيكمن في أن الإكثار من اللهجة العامية في القصة قد يقف عائقاً دون الانتشار لا سيما عند مَن لا يجيدون فهم معاني هذه اللهجة. أما الميزة فهي أن اللهجة العامية تؤكد قاموسنا الشعبي وتسوّق له. – القاص كاتب مسرحي لم يكتشف نفسه بعد .- القاصّ مثابر وله طموح مميز.
3 – الشاعر عبد الله عمران : يجب أن نحدد ما نريد من اللهجة وظيفيّاً – من المفترض أن القصة تكون موجّهه للمثقفين فما هو مبرر استخدام اللهجة ؟.
4 – د – عبدا لجواد عباس : احتفاء القاص بالبطّوم والخرّوب وبالأمطار على صفائح الزنك هو ترسيخ لبيئة الجبل الأخضر. – أعجبتني للقاصّ قصّة (الأم) التي تضمنتها مجموعته القصصية الأول(صور باهتة),فقد كانت قصة رائعة اتسمت بالواقعية واعتمد القاص فيها أسلوب الراوي العليم .
5 – القاص علي بوحرارة : كنت أعرف القاص وهو لا يزال في بدايته وكنت كثير النقاش معه حول نتاجه القصصي , والآن أستطيع أن أقول أن القاص صالح سعد يونس قرأ كثيراً واطلع كثيراً وانعكس ذلك على كتابته للقصة فشكراً له على ما سمعناه الليلة .
6 – الشاعر مفتاح ميلود : لاحظت أن اللهجة العامية التي استخدمها القاصّ كان يوظفها في السخرية فقط .

وبعد انتهاء التعليقات باشر صالح سعد يونس بالردود عليها فكان ملخص ما قاله هو : إن إلقاء القصة أجده أصعب من الشعر,وقد فكرت جاداً قبل هذه الأمسية أن أستعين بممثلين مسرحيين من أجل أداء بعض الأدوار ولكن الوقت لم يكن كافياً – الحوار بين الشخصيات المحلية يفترض أن يلقى باللهجة التي درج عليها الناس – سبق لي أن كتبت نصّاً مسرحيّاً ولكنني خفت من خوض التجربة فلم أعلن عنه. – أما عن السخرية في إثارة المواضيع فأنا لست ضدها.

السيرة الذاتية للقاصّ :
* صالح سعد يونس
* مواليد مدينة البيضاء – 1975
* حاصل على ليسانس آداب – جامعة عمر المختار – البيضاء – 1998
الكتب الصادرة :
1 – صور باهتة – قصص قصيرة – طبعة أولى – 2001
2 – الحجر الأصفر – قصص قصيرة – طبعة أولى – 2006
3 – أنثى الرحيق – قصص قصيرة - طبعة أولى - 2007
المخطوطات :
1 – امرأة خاصمها القدر – (رواية ) في انتظار الطبع .
2 – البوح بتباريح العشق والوجع –( خواطر ) في انتظار الطبع .
3 – وردة الخريف – رواية
4 – مخالب القهر والجوع والعطش – رواية
5 – طقوس الحب والحرمان – رواية
6 – قطعة حلوى – (قصص قصيرة ) في انتظار الطبع.
7 – قاموس اللهجة البرقاوية – دراسة مقارنة مع اللغة العربية الفصحى
8 – حفنة من التبر – محاولة أولى للمعرفة
9 – مختارات من أقوالهم – حكم وأمثال وروائع
10 – روائع التراث - نظرة في العادات والتقاليد والآداب والفنون والمقتنيات البرقاوية
برامج إذاعية أعدها الكاتب :
1 – برنامج آفاق ثقافية – لإذاعة الجبل الأخضر المحلية المسموعة .
2 – برنامج محطات قصصية – لإذاعة الجبل الأخضر المحلية المسموعة .
محطات هامة :
الفوز بدرع التميّز حول أفضل مجموعة قصصية صدرت بليبيا خلال عام 2006 وذلك عن مجموعة ( الحجر الأصفر ) في الاستفتاء الذي نظمته قناة الجماهيرية الفضائية بالتعاون مع قناة المعلومات عبر برنامج ( مع السهرانين ) خلال شهر رمضان 2006 .
المواقع :
· مدونة البوح بتباريح العشق والوجع :
www.wajaa.maktoobblog.com

نماذج من قصصه :
القصة الأولى : موكب حضرة المسؤول
(1)بإدارة الشاعر مفتاح ميلود,بدأت الأمسية القصصيّة التي أقامها منتدى أماسي البيضاء الثقافي في السابع من شهر رمضان الموافق 27- 8-2009م . على تمام الساعة الحادية عشر مساءاً للقاصّ الليبي صالح سعد يونس .
بدأ مفتاح ميلود بالترحيب بضيفه القاصّ وبالحضور, وقبل أن يبدأ في استعراض السيرة الذاتية لضيفه ترك للقاص صالح سعد يونس فسحة من الوقت ليرحب هو أيضاً بالضيوف ويتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في تشكيل شخصيّة القاصّ لديه . وأثنى على الجهد المبذول
ثلاثتهم كانوا جالسين بالـ (مربوعة) منتظرين بشوقٍ قدوم (عبد الباري) الذى ألحق بـ ( موسى)و(محمد)ليلة البارحة ثلاث هزائم نكراء متلاحقة .
محمد .. الذي هو صاحب البيت الليلة كان الأكثر قلقاً وهو يباصر ساعته .. بينما موسى كعادته يستذكر أحداث الليلة الماضية ويقذف بها دون اكتراثٍ لما يفعله الآخران وهو يستند بمرفقه الأيمن على طرف الصالون ويتسلى فى الوقت نفسه بتنقية أسنانه بمزقةٍ من علبة التبغ .. فى حين يقلِّب (( حميد )) الورق بين يديه فى محاولةٍ لمجاراة القلق الذى استبد به إثر تأخر زميله .
قفز محمد متجهاً صوب الباب وهو يردد :
لقد حضر أخيراً .
أرهف الآخران السمع فتيقنا حين سمعا صوت سيارته وهى تلعلع وتزقزق من بعيد .
رجع محمد ومن خلفه بطل البارحة بشعره الأكرد وقميصه الذى كان ذات يومٍ أبيض .. ثم صار كتلةً من ألوانٍ ورقعٍ مختلفة .. وكالعادة كان القميص قصيراً كاشفاً جزءً من بطنه مما جعل حميد يبتسم ويكرر جملته الترحيبية المعتادة :
لك سنين ما طليت .. .. .. علينا وبطنك حاسرة .
ضحك عبد الباري وجلس قبالة حميد وهو يلقى التحية .. إستدرك :
هيا يا عرب .. خشّوا الميدان .
مد المضيف رقبته من فتحة الباب وهو يصيح لآل بيته :
شاهي يا هوووووه .
تراجع .. جلس قبالة موسى وهو يزعق متوتراً فى وجه حميد :
هيا يا سي حميد .. مَشكِي
· .
(2)
لم يك عبد البارى محظوظاً الليلة فقد ألحقت به الهزائم تباعاً الأمر الذى جعله ينهض محتجاً متهماً خصميه بالغش وسرقة الأوراق .. ثم استدار خارجاً وهو يزبد فيما تطفو على شفتى محمد ابتسامةٌ خبيثةٌ كانت أكثر ما أثار أعصاب الرجل .. أدار محرك مركبته الـ(( داتسون 140 )) وانطلق عبر الشوارع لا يلوى على شىء .
كان يسكن فى أقصى طرف المدينة حيث تنهض مجموعةٌ من بيوتٍ صغيرةٍ بنيت بالحجر الأبيض وسقفت بالزنك .. لذلك فضل الخروج من زحمة المدينة وسلك الطريق الدائرى السريع .
أما العربة فلم تك صالحة للسير بالمرة .. فزجاجها الأمامي متشققٌ والخلفي مخلوعٌ تماماً .. إنارتها ضعيفةٌ بالكاد تمكنه من رؤية مقدمة السيارة .. لا مرايا جانبية ولا مقاعد سليمة .. يتعالى ضجيجها كلما ضغط على دواسة البنزين وتطلق خلفها حبلاً من دخانٍ أبيض كثيف .. فيما يتمايل هيكلها بفعل التواء أذرع الإطارات .. حتى حزام الأمان غيّر وظيفته واستخدمه لشد غطاء المحرك بطريقةٍ تدعو للدهشة .
( 3 )
فجأةً تعالى من خلفه زعيق سيارات الشرطة .. لم يك فى الوقت متسعٌ لوقف العربة إذ كانت سرعة الموكب كبيرةً
جداً .. جانبته المركبة الأولى .. حاول جاهداً السيطرة على الفرامل ولكن بلا فائدة .. كانت أضواء الفلاش تقدح بالأحمر والأزرق وصوت زعيق منبهها طغى على ضجيج الداتسون .. تكلم الشرطي عبر لاقط الصوت آمراً إياه بالتنحي لكنه لم يك بقادرٍ على التصرف بسرعة والتحكم بمقود مثل هذه المركبة أمرٌ زاده ارتباكاً .
أطلع الشرطى رأسه من النافذة وهو يشير ويعربد .. فيما عبد الباري يلتقط بأذنيه الضجيج ويلمح بطرف عينيه رأس الرجل ويديه .
فجأةً .. فرقع الإطار الأمامي الأيمن لمركبة عبد الباري .. أخذت السيارة تتمايل بعنفٍ وهو يحاول عبثاً السيطرة على المقود .. انتبه الشرطي للأمر فمال إلى أقصى الطريق وضغط على دواسة البنزين متجاوزاً إياه,مفسحاً المجال لمركبةٍ ضخمةٍ تقدمت من وسط الـ (رتل) لتتولى مهمة إزاحة عبد الباري وعربته .
تدحرجت السيارة على الخط الترابي المحاذي للطريق حتى سقطت فى خندقٍ كان قد حُفر منذ زمنٍ ثم تُرك لتتجمع به مياه الشتاء وترتاده الضفادع .
هدّأ الموكب من سرعته قليلاً .. نزل زجاج الـ (مرسيدس) السوداء التي كانت تتوسطه .. حدق الرجل فى الداتسون المنكفئة على جنبها ثم التقط جهازه المحمول ليعطى بعض الأوامر .
( 4 )
لم يتضرر عبد الباري ولم يبت بالمشفى سوى لليلةٍ واحدة .. فى الصباح .. كانت سيارة شرطةٍ تقله إلى منزله .
( 5 )
بعد يومين .. كان عبد الباري يتجول بعربته الـ (فورد) ذات اللون الأسود والزجاج الأتوماتيكى الملون والأضواء الليزرية مرتدياً بذلةً جديدةً أنيقةً ونظاراتٍ فاخرة .. بينما كان رفاق الـ(كارطة) يتجولون بعرباتهم على الطريق الدائرى منتظرين بشغفٍ وصبرٍ مرور موكب رئيسٍ أو مسؤول.



ــــــــــــــــــــــــــــ
· إخلط الورق .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الثانية : الكنز
(1)
كثيراً ما كنا نصعد أنا وشقيقي إلى علوة الـ "لب"
(1)..نستمتع بنسمات البحر..نلعب ونلهو..وقد ينضم إلينا بعض الأصدقاء..تلفح الشمس وجوهنا..تنعشنا بين الفينة والأخرى نسمةٌ باردةٌ تنفح بعبير البحر .. وكنا نسميها"ضرطة بحر"..ثم نعود في معظم الأوقات بملابس قذرةٍ إن لم تك ممزقة..ووجوهٍ مغبرةٍ وشعورٍ شعثاء مقرفة.
وقد لا ينجو أحدنا من إصابةٍ بالغة ٍإذ نعود منحدرين بسرعة كبيرةٍ مما قد يؤدي إلى تدحرج أحدنا حتى أسفل العلوة ..لكننا لا نتوب!.
(2)
ذات أحد الأصباح الصيفية صعدنا إلى قمة العلوة بصحبة صديقنا فرج .. أمامنا كان البحر مستلقٍ في سكونٍ .. وإلى خلفنا كانت تربض الـ "شعبية " ذات المساكن المتراصفة.
كنا متلهفين يشدنا شوق طفولي عظيم لألعابنا .. فقد انقطعنا عن الصعود لأكثر من شهرٍ بسبب إصابة أخي إثر تدحرجه من قمة العلوة .
في منتصف القمة .. جهة البحر ,, كانت تختبىء عدة "حْقاف"
(2) حفرت بعنايةٍ في جوف العلوة منذ زمنٍ سحيق ٍ.. وكانت إحداها مخبأ لألعابنا .
أخذنا الألعاب وعدنا إلى القمة ..طرحنا الصقورة
(3) وأخذنا نتبارى ونلعب .. من أحدها كانت تنبعث رائحة كريهة.. كان ذلك حلزوناً تسلل إلى الصقر لكنه مات واستحال لونه إلى سواد .
(3)
الأستاذ الموريتاني "علي ولد محمدي " كان يصعد العلوة عائداً لتوه من الشاطىء .. وصل إلينا وهو يلهث ويجفف عرقه بكم قميصه..جلس قليلاً يتفقد ألعابنا ..ومن بينها قطعة من الزجاج اكتسبت ألواناً براقةً بفعل تعرضها لأشعة الشمس لفترة ٍ طويلةٍ.. التقط الزجاجة بإصبعين وبدأ يمعن النظر بها .. وكنت أمد يدي إليه محاولاً استردادها بهدوء .. لاحظ خوفي فارتسمت على شفتيه ابتسامة كشفت عن لثة سوداء مقرفة . . أردف :
- أين وجدت هذه الزجاجة ؟.
- خلف هذه الصخرة الكبيرة .
نظر إلى الصخرة .. إنها بقايا كهفٍ صغيرٍ تهدم .. مسح على رأسي بلطف وهو يقول :
- ربما تكون هذه علامة ًعلى وجود كنزٍ.. إبحث جيداً فقد تجد الخريطة التي تدلك عليه .
(4)
إنفلت لساني كعادته يروي تفاصيل إنجازاتنا..من جمع أكبر عددٍ من الصقورة .. ومن بكى ومن سعل وكم ضرطة ًضرط البحر..!.
شزرت إلى جدتي بنظراتها المخيفة .. أطالت النظر إلىّ فيما أنا أتحاشى النظر إلى عينيها المشتعلتين .. نادتني هامسةً.. إقتربت.. ضمتني إلى حجرها وهي تقول موشوشةً:
- أين وجدت الزجاجة؟.
- في العلوة .. قرب الكهف .
- هل بحثتما عن الكنز .
- ...........................!.
هززت كتفي نافيا ًًفقرصتني في وركي وهي تقول متجهمةً:
- وليش ما دورتوه .. ليش .. تريدوا عيت محمد يسبقونا وياخذوه يا مضاحك ؟.
إبتعدت قليلاً وقد حنقت غيظاً.. ثم أطلقت العنان لحنجرتي .. ولم أسكت حتى أعطتني قطعةً من الحلوى .
حملنا الفؤوس .. صعدنا لاهثين ننوء من ثقل الحمل ..وحفرنا الصخر بحثا ًعن كذبةٍ كبيرةٍ.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) علوة اللب : تلة صغيرة بالحمامة الشمالية الواقعة شمال الجبل الأخضر
(2) حقاف : جمع حقفة وهي الكهف .
(3) الصقورة : جمع صقر وهي قوقعة الحلزون.









































27‏/08‏/2009

الأمسية 12

الشاعرعبدالله عمران-إلى اليمين-يسرد السيرة الذاتية للشاعر صلاح اعطير.


الشاعر صلاح اعطير أثناء إلقائه لقصائده

الفنان جمال عبدالسلام وإلى يساره المخرج شرح البال عبدالهادي

المخرج المسرحي فتح الله المجدوب, وإلى يساره الفنان التشكيلي أ. عبدالجواد العبد.

كان منتدى أماسي البيضاء الثقافي على موعد يوم الثلاثاء الخامس من شهر رمضان الكريم الموافق 2009.8.25م. مع أمسيته الثانية عشَر . فعلى تمام الساعة العاشرة والنصف مساءاً استضاف المنتدى الشاعر المتألق صلاح اعطير في أمسية شعرية دامت لساعة ونصف الساعة قدّم خلالها الشاعر خمسة عشر قصيدة من الشعر العامودي اختلفت في أغراضها ومواضيعها ونكهتها. فبعد أن فرغ الشاعر عبدالله عمران – مدير الأمسية – من تقديم السيرة الذاتية للضيف الشاعر, ترك له المجال ليقدّم( تشكيلة ) من قصائده جاءت بالعناوين التالية : اغتنم خمساً قبل خمس – النصيحة – قرشيٌّ من غزّة – المفازة – النبأ اليقين – ألا يا قلب مهلاً – نطقَ العراق – فلّوجة الأبطال – غزّة المجد – أمانٍ كاذبات – صدى الهواجس – فرية قلب – المأدبة – أبا شرّاح – مقت البخيل .
ولمّا انتهى الشاعر من قصائده أدار عبدالله عمران دفّة النقاش حول أهميّة الشعر ورسالته وموقف المتطرّفين الدينيين من الشعر ,ثم اختتم الأمسية بالإعلان عن الأمسية التالية للقاصّ صالح سعد يونس يوم الخميس السبع من رمضان الموافق 27- 8 – 2009م.

السيرة الذاتيّة للشاعر :
الاسم : صلاح علي محمود اعطير .
مكان وتاريخ الميلاد : البيضاء , 1978م.
درس الابتدائية وجزء من الإعدادية في مدينة البيضاء عبدالله بن عباس ورويفع الأنصاري,ثم التحق بجمعية الكفيف ببنغازي وتحصّل على الشهادة الإعدادية منها,واستكمل دراسته الثانوية في مدرسة الفاتح الثانوية.وقد تأثر كثيراً بمعلميها من أمثال :سعد الدلال,إبراهيم عنتر,حسن ثابت,وعلي حمودة الذين كان لهم أثر كبير على صقل شخصيته الأدبية والثقافية. ثم نوجه الشاعر صلاح اعطير من جديد إلى بنغازي ليدرس بجامعة قاريونس العلوم القانونية,وقد تحصل على الليسانس منها سنة 1999م.
امتاز الشاعر صلاح اعطير بالتنوع في أغراضه الشعرية ما بين الرثاء والحماسة والنسيب والفخر والمديح والوصف, كما أنه نظم على مختلف البحور فنظم على البحر الطويل والبسيط والوافر ومجزوئه والكامل ومجزوئه وغيرها.

نماذج من شعره :
النبأ اليقين
إذا ما كــــان صــدر اليوم ولى فــإن غـــداً , لـنـاظِــــره قــــريب
وإنّ غـداً لعـــمـــــرٌكَ يومَ يأتي ترى الطـفــــل الرّضيع له يشيب
وإنّ غــداً لَــيـأْتـي بــالــرّزايــا كما يأتي على الحـــطـــبِ اللهيبُ
فَتَرْعَى الخلقَ فيه كما السكارى وما هُـم , إنما الجَّــللُ الرهيبُ

وتذْهَــــلُ كـلُ مُـرضعـةٍ عـن ابنٍ لها , قـد كان يَصْفـو له الحليبُ
وتنتثر الكـواكـبُ في سَــمَـاهَا و تُشـــرِقُ شـمـــسُها أنَّى تَـغِـيـبُ
وتنطــمـسُ النجــــومُ فـلا تراها وكـيفَ وذاك مـوعـدُها المهيبُ
مَشــاهِـدُ إذ تُعـايُنُـهـا الـجـبـال تـصــــيّرَ صَـلـْبُها قـطــــعـاً تـذوبُ

فرية قلب
يا أيهـــا القــلبُ المُـدلِّسُ ما الذي أبرَمــتَ,ثمَّ نكــــثـتَ دون تعـفـــفِ
أبرَمـتَ,ثم نكــثتَ,ثمَّ نقـــضـتَه حـــــتى تخـــابل مِــثل مَـــسْدىً مُتلفِ
حـــتى تخـابَلَ غَـزْلهُ بَعــد المُنَى فاشْـــرَقْ بِدَمْعِكَ خَــــلِّ عينَك تَذْرِفِ
فاشْرَقْ بِدمْعـــــك ساعةً علَّ البُكَا يُنْجِـــكَ مـن جَـبَرُوْتِ يومٍ مُشْرِفِ
ينْجِــيكَ مـن يومٍ ثقـــــيلٍ دَينُهُ حانَ الســدادُ و جـاءَ وقْــــــتُكَ أنْ تَفِي
يــومٌ تَخِـــرُّ له الجـبابِرُ سُجَّـــداً أَعْـــجِــــبْ بـيومٍ وعْـــدهُ لم يُخْــــلَفِ
أتُراكَ تَجهلُ أن دَينَ السـبتِ قد يُقـْــضَى إليكَ متى ترى السبتَ اقتُفِي
سلِمَتْ منَ الكسْرِ العظامُ وأنتَ لــــم تسْلَمْ عظامكَ دونَ كسْرٍ مُجْحِفِ
عـجَباً لِقَــلْبٍ هَـــمُّهُ شُـرْبُ القــذى فصـفــاءُ مــــاءِ الورْدِ لـمّا يـألَفِ
يا قـــلبُ ما ضرَّ اتِّــعاظُــكَ بالذي في كــلِّ يومٍ يســـــــتــــبينُ ويخْتَفي

ما ضَرَّ لو أقــــــسَمْتَ أنْ لا تكْذِبنْ و صدَقْتَ يومَ عرفْتُ أو لم أعرِفِ





07‏/08‏/2009

الأمسية الحادية عشر



الدكتور : عبدالجواد عباس , وإلى يساره القاص: صالح سعد يونس.


الأستاذ: الناجي الحربي أثناء سرده لسيرة الضيف الذاتية،وسرد ذكرياتهما معاً.

الدكتور: عبدالجواد عباس ضاحكاً من إحدى قفشات الحربي .

الدكتور : عبدالجواد عباس أثناء حديثه عن تجربته القصصية


أقام المنتدى أمسيته الحادية عشر يوم الاثنين الموافق : 25-5-2009م. وكان الدكتور الأديب عبد الجواد عباس هو الضيف المُحتفى به في هذه الأمسية التي انبرى لتقديمها القاص : صالح سعد يونس . وكالعادة استـُهِلت الأمسية بسرد السيرة الذاتية للضيف الأديب عبدالجواد عباس وقد تكفل الأستاذ الكاتب الناجي الحربي بهذه المهمة وذلك بسبب علاقته الشخصية الوثيقة بالضيف من جهة , وبسبب اطلاعه بشكل واسع على تجربة الأديب عبدالجواد عباس .وربما لهذا السبب استفاض الناجي الحربي في سيرة الأديب على البداهة من دون الاستعانة بورقة مُعدّة لهذا الشأن . وكعادته دائماً لم تخلُ كلمة الناجي الحربي من بعض المناوشات الودودة للضيف أثناء سرده لسيرته الذاتية .
وبعد أن فرغ الناجي الحربي من كلمته , بدأ الدكتور عبدالجواد عباس بتوجيه الشكر للحربي , وبالثناء على أسرة المنتدى وجهدهم المبذول . ثم أكد على أن هناك عدّة مؤثرات كانت وراء تجربته القصصية من بينها المعاناة والدهشة والطفولة وثراؤه العاطفي بالإضافة إلى تجربته في الحياة وكثرة ما قرأه من شعرٍ ونثر .
ثم خالف الدكتور عبدالجواد عباس المألوف والسائد في مثل هذه الأمسيات فسرد مختارات من رواياته باللهجة الليبية بدلاً من قراءتها بالفصحى وذلك حتى لا يتسرب الملل للحضور بسبب طول الروايات, وقد وفق في ذلك إلى أبعد حد حيث استطاع أن يضفي على الأمسية نكهة أخرى ومذاقاً مغايراً وجعلها ( لمّة عائلية ) أكثر من كونها أمسية رسمية . واختار لهذا الغرض ثلاث من رواياته ألقاها على التوالي وهي : وحدي في عرض البحر – حارس المنارة – يوميات من المعتقل .
ثم بعد ذلك بدأت مداخلات الحضور والتي كان أبرزها مداخلة الفنان التشكيلي والمخرج المسرحي عبدالعالي شعيب,ويمكن تلخيص مداخلة عبدالعالي فيما يلي : شكراً للضيف على الطرح والقراءة الأخرى للرواية.- ما سمعناه هو روايات اجتماعية والمؤلف نقلها وترجمها في شكل أدبي . – أما على صعيد التقنية فالضيف متخصص في اللغة العربية ولكنه رغم بساطة أسلوبه تظهر منه تحديات للغة تبرز في بعض الكلمات القاموسية.
كذلك شارك الدكتور العراقي جعفر حسن الطائي بمداخلة قيّمة اشتملت على عدة ملاحظات من بينها: طابع الألم يميز كتابات الضيف , وتساءل عن السبب؟. – كما تساءل عن سبب قراءتنا بتركيز للكتاب من خارج الوطن مثل ماركيز على سبيل المثال ,رغم أن وطننا يزخر بالكتاب الجيدين الذين لا تحتفظ ذاكرتنا بنتاجهم.- وأكد الدكتور جعفر على ملاحظتين هامّتين ,وهما : - غياب العنصر النسائي. - وعدم الانتشار الواسع لكثير من الأسماء الليبية اللامعة محلياً.
وبعد أن فرغ الدكتور عبدالجواد من ردوده على المداخلات ,اختتم القاص صالح سعد يونس الأمسية متمنياً للجميع التوفيق والاستمرارية في إثراء الحركة الثقافية تحت مظلة منتدى الأماسي .

السيرة الذاتية:
· - من مواليد مدينة البيضاء سنة 1947م.
· تحصل على ليسانس آداب من جامعة قاريونس سنة 1977م.
· اشتغل بالتدريس بالمدارس الإعدادية والثانوية في مجال اللغة العربية وآدابها حتى سنة 1990م.
· واصَلَ العمل التعليمي كمفتش حتى سنة 2000م.
· تحصل على درجة الماجستير في الأدب( اتجاهات القصة الليبية القصيرة ما بين عامي 1957- 1987م ),وذلك سنة 2003م من جامعة عمر المختار .
· بدأ في التدريس الجامعي في مادة تخصصه في كل من : البيضاء – المرج – الكفرة – القبة.
· تحصّل سنة 2007 م من جامعة قاريونس على درجة الدكتوراة في الأدب الحديث ( القصة الليبية من التقليد إلى التجريب ) .
مؤلفاته :
· ألف مجموعة قصصية بعنوان ( وحدي في عرض البحر ) , صدرت عن الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع سنة 1991م . كما صدرت له رواية بعنوان ( لقاء في غابة السرو) عن دار نقوش عربية بتونس سنة 1998م. وصدر له كتاب في التراث بعنوان ( رعي الأغنام في التراث ) عن دار الجبل الأخضر للطباعة سنة 1992م. كما اشترك مع الأستاذ عبد الله عقيلة في تأليف كتاب ( اسلنطة المكان يتحدث ) الصادر سنة 2001م عن مطابع الثورة ببنغازي . كما قام بشرح وتحقيق ديوان الشاعر جبريل الرعيدي والمعنون بـ ( جبريل الرعيدي في قصائد الحرب والحنين والشكوى ) سنة 2000م , وأعدّه إسرافيل الرعيدي .
· له مخطوطات منها : ( البيضاء وتذكرات صبيّ الخمسينات ) ومجموعة قصصية بعنوان ( ثروة أمي ) . وكتاب منهجي بعنوان ( توضيحات إملائية ) .
جوائزه :
· فازت قصته ( سائق الشاحنة ) بالترتيب الثالث في مهرجان القاهرة الدولي سنة 1995م بعد تحويلها إلى شريط مرئي.
نشاطاته الأدبية:

· كتب في الصحف والمجلات عن مجموعة كتاب وشعراء عرفهم أو قرأ لهم , منهم : أحمد رفيق المهدوي – خليفة التليسي – أحمد الشارف – صادق النيهوم – إبراهيم الأسطى عمر – خليفة حسين مصطفى – حسن السوسي – طالب الرويعي – علي صدقي عبد القادر – عبدالرسول العريبي – أحمد يوسف عقيلة – الصديق بودوارة – الناجي الحربي – مفتاح ميلود – صالح سعد يونس – مفتاح الشاعري – سالم الهنداوي – جمعة عبدالعليم – جمعة الفاخري – علي الفزاني – عبدالله هارون – عوض الشاعري – أحمد الفيتوري – رجب الماجري – سليمان كشلاف – عبدالحميد بطاو – داود حلاق – علي مصطفى المصراتي – إبراهيم الكوني – عبدالله القويري – صالح السنوسي – علي الخرم , وغيرهم . وسيضمهم مشروع كتاب بعنوان ( أدباء ليبيون ).
· كتب عنه : الناجي الحربي – محمد بوسويق – عبدالرسول العريبي – عادل عبدالواحد – فوزي البشتي – بالقاسم صميدة – وإسرافيل الرعيدي .

نموذج من روايات الدكتور الأديب عبدالجواد عباس :
حارس المنارة
كانت الطائرات تقصف المدن وبعض القرى العامرة بالسكان,وقد ألقت ببعض قنابلها إلقاء عشوائياً على بعض الأماكن الخالية. إحدى القنابل وقعت في المياه الضحلة بالقرب من بيت مصطفى. لقد أحدَثت دويّاً هائلاً حتى كسرت صخور المنطقة الأثرية المغمورة في الماء , ورمت ببعض الرمال وحشائش البحر إلى الشاطيء.
كان مصطفى يقيم في بيته المتواضع بجوار الشاطيء , ومن حسن الحظ أنه لم يُصب بأذى .إنه بيت ملحق بالمنارة,له سور عتيق تعشش فيه الطيور , جانبه الشمالي غير مشيّد ,فماء البحر يقوم بالحماية.
البيت والنواحي القريبة منه يُوحيان بجَمَالٍ مُريح يليق بسكن شاعرٍ أو رسّام يستلهمان فنهما من المنظر الجذّاب حيث الهدوء والنسيم العليل.
كان مصطفى راضياً عن حياته تمام الرضا, فهو شغوف بالبحر وقد واتته الفرصة ليحصل على عمل يرضي حبه هذا,إنه أقصى ما يتمناه,ولذلك تراه متفتح النفس على الحياة وعلى الناس, فهو يعيش في وئام تامّ مع أسرته ومع الآخرين ,خاصة أن حراسة المنارة ليست عملاً مُرهقاً بل يصبح مع مرور الأيام عملاً عاديّاً وكأن الإنسان يعمل في بيته. يمضي في الصباح نحو شِباكه وخيوطه التي كان قد ألقاها في الماء قبيل الغروب, وكثيراً ما ترافقه زوجته وابنهما الصغير. يُبقي من صيده لنفسه ويحمل الباقي لبيعه في سوق القرية.
كان هذا دأبه,لا يأبه لفقر ولا يطمع في غِنى إلى أن جاءت تلك الأيام التي تردد فيها أحد الرعاة سائلاً عن مصطفى إن كان موجوداً أم لا,فتجيبه زوجته بأنه غير موجود,فيسوق غنمه لترعى قريباً من الشاطيء,بل هي البقعة الوحيدة التي وقعت عندها القنبلة,ويمكث هناك ساعة من نهار مما أدخل الريبة في نفس المرأة التي أخبرت زوجها بتردده على تلك المنطقة,فقال لها: إن سألك غداً عني فقولي له غير موجود.
اختبأ مصطفى في بعض الشجيرات وترقب قدوم الراعي, وما هي إلا فترة انتظار قصيرة حتى جاء يسوق قطيعه سوقاً حثيثاً ويتجه نحو بقعته المفضلة بعد أن علم بغياب مصطفى.
خرج مصطفى من مخبأه وأخذ يرقبه من بعيد,رآه يلتقط شيئاً ويضعه في جيبه بعناية فلم يُثر ذلك اهتمام مصطفى أول الأمر,ولكن الراعي كرر ذلك عدّة مرّات بتلهف وحِرصٍ شديدين,يتلفت ويتحرك هنا وهناك ونظره لا يفارق الأرض,فتارة ينبش في الرمال,وتارة أخرى يقف في الماء ويستمر في الالتقاط.اقترب مصطفى أكثر وبقي يرقبه عن كثب حيث توارى خلف صخرة وأخذ يختلس النظر,رآه ينحني ويُمسك بشيء ويهم بوضعه في جيبه الداخلي ولكنه يقع منه على الحصى محدثاً رنيناً مسموعاً,وقبل أن يُعيده الراعي من جديد كان مصطفى أسرع منه في التقاطه. كان معدناً أصفرَ عليه بعض الشوائب,ولكنها لم تفقده لمعانه,إنه من الذهب الخالص,لقد كان عملة في زمن غابر.
وبينما مصطفى يتأمل القطعة كان الراعي قد تسمّر في مكانه ولعله ارتبك ولم يدر ما يقول,فالتفت إليه مصطفى وقال:إذن كنت تخفي هذا السرَّ عني طيلة الأيام الماضية. قال الراعي هو يتلعثم:لم أجد إلا العدد القليل. قال له مصطفى على الفور:هذا من أثر القنبلة على المنطقة الأثريّة داخل الماء,والمنطقة الأثريّة والساحل والمنارة تحت حراستي. كان عليك إبلاغي بالأمر,إني لا أدري كم أخفيت من القطع... جميع مناطق الآثار مناطق محمية ومحظور تنقيبها.. واستمر مصطفى في وابل من اللهجة الحادّة دون توقف,وقال للراعي:سأبلغ عنك,سيفتشون بيتك,ستُصادر أغنامك,سوف تقضي بقية أيامك في السجن.
تضايق الراعي من حديث مصطفى وقال:لا,لا تبلغ عني,لم أجد سوى عشرين قطعة,ها هي في جيبي أرجوك أنا في غِنى عن هذه المتاعب. عندها هدأ مصطفى وقال:حسناً حسناً,هات القطع, سأسكت عنك. أعطاه الراعي ما بحوزته من قطع ذهبيّة وساق غنمه ومضى مسرعاً.
هرع مصطفى إلى بيته وأحضر النظارة البحرية وسبح نحو موقع القنبلة,وغطس ويا لعجب ما رأى,لقد رأى ما يشبه الصندوق ولكنه من الحجر قد انشقّ نصفين,وجده يحتوي على آلاف من القطع الذهبية التي كان الراعي يجد مثلها على الشاطيء.
عاد مصطفى إلى بيته مرة أخرى وهو لا يتمالك نفسه, أحضر كيساً وغطس للمرة الثانية وأخذ يملأ يده بالقطع ويدسّها في الكيس,ثم يطفو إلى السطح ليتنفس ثم يعود حتى أفرغ الصندوق الحجري مما فيه من ذهب عدا بعض القطع اللاصقة بالصخر أو التي جرفها التيار إلى الشاطيء.
لقد جمع عدة كيلوجرامات من الذهب,أخفاها جيداً,ومكث في البيت إلى ما بعد الغداء يغمره التعب والدهشة معاً,لا يدري أكان ذلك حلماً أم حقيقة,ولم تخرجه عن دهشته إلا ضوضاء على طول الشاطيء لجماعات من الناس تبحث عن الذهب.
الواضح أن الراعي لم يسكت بل أخبر الناس بالخبر الخطير فهبَّ جميع من في الجوار ليصيبوا من المغنم. ربما كان ذلك نكاية في مصطفى حتى لا يستحوذ على الكنز وحده,وربما كان الراعي أيضاً قد أصاب الكثير من القطع الذهبية وأخفى خبرها عن مصطفى.. ربما هذا وربما ذاك.. مكائد كثيرة تحدث في مثل هذه الظروف فالكل يريد الخير لنفسه خاصة أن المال ليس لأحد بل جاد به البحر,إضافة إلى أنه لا سلطة مستقرة تبحث عنه لظروف الحرب,فالكل في شغل شاغل.
تجاهل مصطفى جموع الناس الباحثة عن الذهب بل دخل في غمار المنقبين عن الذهب وأخذ يبحث هو الآخر وكأنه لم يظفر من الغنيمة بالكثير.
لقد فتش الأهالي الشاطيءَ بعناية ونصب الكثيرون منهم خيامهم قريباً من المكان.نبشوا المكان وقلبوا الحجارة داخل الماء وخارجه.استمر ذلك عدة أيام,وعلى الرغم من ذلك فإن أوفرهم حظاً لم يحصل على عُشر ما حصل عليه مصطفى,بل إن أكثر الذين خيّموا بأسرهم قد فقدوا كل ما جمعوه نتيجة كيد كائد,فقد جاء أحدهم متأخراً عن الغنيمة فلم يحصل على شيء,فما وسعه إلا أن أعلن أن الشرطة ستأتي غداً وتفتش الخيام وتأخذ الذهب,وعندما خبّأ كل منهم ذهبه خارج الخيام لم يجدوه في مخبئه عندما رجعوا إليه.ثارت شكوكهم حول ذلك الرجل بأنه تلصص على المخابيء خارج الخيام وأخذ ما فيها من ذهب.
جاءت الشرطة على كل حال,ربما بإيعاز من الراعي,وربما لم يأتوا بصفة رسمية بل دفعهم الطمع في شيء من الذهب.استضافهم مصطفى وأجزل لهم العطاء على أن يعتبروا الأمر قطعاً قليلة تفرقت في أيدي الناس.
أخفى مصطفى سرَّ الذهب لعدة أشهر ثم انتقل بعدها إلى مدينة بعيدة عن معارفه,واشترى بيتاً فخماً وسيارة شاحنة عيّن لها سائقاً خاصاً,كما اشترى مزرعة واسعة.
لقد تحول مصطفى الحارس البسيط إلى مصطفى الثري الواسع الثراء.لقد أيقظ المال في نفسه رغبات لم تكن لتخطر له على بال أيام البساطة,لم يتردد في الزواج بأخرى,ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل راح يتزوج متى شاء ويُطلق متى شاء وفي كل مرة يذهب قسط كبير من المال إلى أصهاره الذين أصبحوا أيضاً من الأغنياء. لقد كان يبذر حتى أن السيارة إذا تعطلت في مكان ما فإنه يشتري غيرها فوراً ويُوصي بالأخرى إلى أحد المقربين منه .
كان يتنقل من مدينة إلى أخرى في لباس جديد وأصدقاء جدد,فهم ملازمون له طالما جيوبه مترعة,حتى أن العلاقة قد توثقت بينه وبين أقاربه,وأصبحوا يزورونه كثيراً ويُصرّون على حضوره كلما حدثت مناسبة كبيرة أو صغيرة,فلقد شملهم بعطاياه أيضاً.
كان مصطفى طيب النفس هانيء البال,لا يأمل إلا في استقرار المعيشة عندما كان حارس منارة,ولكن المال الذي هبط عليه فجأة غيّر مجرى حياته فقد أربكه ووضعه في حيرة مما جعله يُقلّب حياته على تصرّفات عدّة تعلو وتسفل.أصبح يخرج عن طوره ويتيه عجباً وخيلاء,فقد شوهد مرات كثيرة يمشي في السوق وفي يده قطعة أو قطعتان من الذهب يعبث بهما كمَن يعبث بمسبحة لغير تقوى,وأحياناً يركز قطعة على إبهامه ويجعلها تفرّ في الهواء,فإذا لم تقع في يده فلا يلتقطها ثانية بل يلتقطها الصبيان,حتى إنهم صاروا يعرفون ذلك ويترقبون دخوله السوق.
لقد تحدث عنه أحد أقربائه الناصحين فقال:كانت عطاياه كلها فخراً وتيهاً,فإما أن تكون لحاشية وقربى يبغي بها التأييد أو لزيادة فراهة أو لزواج جديد. لم يفكر في استثمار ماله في شؤون تنفعه مستقبلاً أو تنفع الناس.صحيح أنه قد حصل كثير من الناس على نصيب من ماله ولكن حصولهم عليه عن طريق النصب والاحتيال والتملق,لا عن طريق العمل والكدّ, وبالجملة فإن مصطفى لم يعرف كيف يتصرف بذلك المال .فلم يوجهه نحو عمل يبتغي به وجه الله. نسي مصطفى وما كان لمثله أن ينسى ... نسي الطريق الصحيح,تزوج بالعديد من النساء شهوة وغيّاً, وليس طلباً للولد,فقد كانت زوجته الأولى منجبة.
بذّر المال يمنة ويسرة في غير وجوهه الصحيحة حتى نفد ما بيده من ذهب ولم تبق إلاّ العقارات والمزرعة فأخذ يبيعها الواحد تلو الآخر حتى أتى عليها جميعاً. أخيراً خوت جيوبه,تلفت حوله فلم يجد صديقاً يسعفه,لقد فرّوا جميعاً وكأنه كان في حلم,استمرّ ذلك الحلم خمس سنوات,عاد لعدها فقيراً معدماً. لم يقف إلى جانبه أحد,تنكروا له,ترفعوا حتى عن الحديث معه,لقد أضحى إنساناً منبوذاً.ويستمر ذلك القريب ويقول:كان يُشاهد على الشاطيء مطرقاً مفكراً في همه وكأنه يجترّ ماضيه ويتحسر على المال الذي ضاع. تردد على الجهات لكي يعيدوه إلى عمله السابق وبعد لأيٍ طويل عاد لحراسة المنارة ولكن غناه المُفاجيء وزوال ذلك الغنى كان قد أخذ من عقله ما أخذ .

05‏/05‏/2009

عاشِر الأماسي

الشاعر عبد الله علي عمران وإلى يساره الشاعر عبد السلام الحجازي

كانت ساحة الشعر العربي الفصيح ( العمودي ) هي المحطة العاشرة التي يتوقف عندها منتدى أماسي البيضاء ليحتفي بالشاعر عبد الله عمران يوم أمس الإثنين الموافق 4 – 5 – 2009م.انطلقت الأمسية الساعة التاسعة مساءً وكانت بإدارة الشاعر عبد السلام الحجازي. استهلها الحجازي بالترحيب بالحضور ثم عرّف بالشاعر عبد الله عمران وبعد ذلك تحول ناقل الصوت إلى الشاعر عبد الله عمران الذي أعرب عن امتنانه بالاحتفاء به,وأعلن أنها المرّة الأولى التي يتصدّى فيها لأمسية كاملة بمفرده ثم باشر إلقاء بعض من قصائده فوصل عددها إلى 9 قصائد , كانت بالعنوانين التالية ( عبير السطور – إنقلب السحر على الساحر – مع الاعتذار لأبي تمّام والمتنبّي – مَن أنت ؟ - للمرءِ قلب واحد – أمومة – بغداد – أعمى بنجمٍ يهتدي – أصيل الشروق .
وبعد أن اكتفى الشاعر بهذا الحدّ من الشعر , بدأت المداخلات حول ما سُمع الليلة فكانت مداخلة الفنان التشكيلي عبد العالي شعيب هي أبرز المداخلات وذلك لأنها كانت أشبه بمحاضرة موجزة دارت حول بنيوية اللغة,وماذا نريد من اللغة,وأنّ اللغة خامة مثل اللون عند الفنان التشكيلي,وأن القصيدة حالة حسيّة وليست مجرد سردٍ للتاريخ. وهكذا طرح عبد العالي الكثير من الأسئلة , ومن الأجوبة أيضاً .
بعد ذلك عقّب الشاعر عبد الله علي عمران على المداخلات , وأنهى كلمته بشكر الحاضرين على الحضور وحسن الاستماع . ثم اختتم الشاعر عبد السلام الحجازي الأمسية بالإعلان عن الأمسية القادمة المحددة في يوم الإثنين الموافق 18 – 5 – 2009م , والتي ستخصصّ للقصّة والرواية وسيكون الدكتور الأديب ( عبد الجواد عباس ) هو الضيف المُحتفى به في تلك الأمسية .
نبذة عن الشاعر :
· - الاسم عبد الله علي عمران .
· المؤهل العلمي : ماجستير آداب في الفلسفة .
· بدايته مع الشعر كانت منذ مرحلة التعليم الثانوي من خلال المجلات الحائطيّة .
· لم يصدر له ديوان بعد , لكنه ينشر أعماله من خلال موقع إلكتروني خاصّ به تحت مُسمَّى ( تساؤلات حسناء ) .


نماذج من قصائده :

وانقلب السحر على الساحر
قد كنتُ قـ،ديماً في لهْوي لا أؤمـن بالحُـبِّ الـطـّاهـِــر
لا توجــد في الدنيا امرأة تـمنحــني قــلباً ومـشــــاعر
فأتيتُ وفي نفـسـي عـبَثٌ لأغـازل ثـغــراً ونـــواظــــر
ولأنعَــمَ بالحُـسـنِ قـــليلاً ولأعــبـثَ حــيناً وأغـــــادر
وأجـيء إليها مـلهـــوفـاً والباطن ليس كما الظـَّـاهـر
وأردّدُ قــولاً مـعــســـولاً وفـــعـالي أفـعــــال الغــــادر
لكـنْ بالحُـبِّ غَـزَت قلبي فانتصرَت من دون مـــؤازر
فوقعــتُ أســيراً لهواها وغــدوتُ السّــــاهرَ والحائر
وعـرفتُ بأني أعشــقها لـكـــنِّــي مـــــا زلـتُ أكـابــِر
فخضعتُ إليها في لُطفٍ وانقلب السحر على السّاحر


للمرء قلب واحد
يا صاحـــــبي إنَّ الفُـــؤادَ يُعــــــاني مِن ظُلمِ مَن أهوى وصرفِ زمـان
يا صـــاحـبي ما مِـن فُـــؤادٍ نابــضٍ يخلــــــــــو مِنَ الآلامِ والأشجــانِ
إنْ كُنْتَ قدْ أخـمدتَ ناركَ في الهوى فـــأنا يــــــزيـدُ لهــيبُـها نيـــــراني
فلـــطالمــا خِـــفــــتُ الهـوى لكنْنـّي لبّيــتــُــــــهُ لمَّـــــا إليـه ِدعــــــاني
مُلئــــتْ جــوانحُـــنّا بشـــوقٍ دافـقٍ وعيـــــونُنّا نطـــقــتْ بغــيرِ لســانِ
فركِبـتُ بحرَ العشقِ في صفـــواتهِ وحســـِبتُ أنَّ المـــوجَ طـوعَ بناني
فــــــإذا بها ريـــحٌ تُفــرقُ جـــمعـنَّا ومراكــــبي تغــــــــــدّو بلا شــطآنِ
مِن بعـدها أضحى الفُـــؤادُ مُسهداً في ظُلمــــةِ الأشـــواقِ والأحـزانِ
قدْ عِشـــتُ لا ادري أقـلبي خافـقٌ أمْ أنــّــــــهُ يحــيى بلا خـــفـــــــقانِ
في القلبِ جُرحٌ ســـوفَ يبقى نزفهُ حــــــتّى يُـــــردُّ الخَلــقُ للرّحــمـنِ
لي مُقلـــةٌ عبـثاً أُكفكف دمعــــــهَا كالنهــرِ ما انفكــتْ عن الجــريانِ
إني قتــيلٌ مـاتَ يعـشــــــقُ قــاتـلاً ومُســـــهـدٌ يبكــي على وســــنانِ
يا صاحـــبي هـذا ســـبيلٌ طــــالما قـدْ قـــــــــادَ مَن سـلكــوه ُللأكفانِ
فالحُـــــبُّ نبعٌ للجنـــــونِ و للرّدى قـدْ جُــنَّ توبــةُ منــــهُ والقيـسانِ
والحُــــبُّ سِجــــنٌ شـوقنا قضبانهُ والنفسُ قد ســئمتْ مَن القضـــبانِ
أتُريدُ أنْ أضـعَ السـلاسـلَ في يدي وأســـيُر في طــــوعٍ إلى السـجانِ
والقلبُ قدْ ملَ الحـديثَ عن الهوى فحــــديثهُ ضــــربٌ مِــن الهــــذيانِ
فالقُـدسُ تغـرقُ في دماِء شــبابها وبُكــاء أطفالِ العـــراقِ شــجـاني
و الأُمـةُ الصــماءُ طــالَ سُـــباتها غفِلـــتْ عن الصهيونِ والصــُلـبانِ
عجـباً أيعشـق مَن يـــرى إخـوانهُ في القُـدسِ قـدْ أمــسـوا بلا أوطـانِ
يا صاحبي للمـــــــرءِ قلـبٌ واحـدٌ أنــَّـــى بـهِ الجُرحــــانِ يجــتمــعانِ

21‏/04‏/2009

تاسع الأماسي : سيكولوجية الضحك


د. فتح الله خليفة , وإلى يساره الشاعر مفتاح ميلود
احتفى منتدى أماسي البيضاء يوم أمس الاثنين الموافق 20– 4 – 2009 م بالدكتور فتح الله خليفة في أمسية ثقافية أدارها الشاعر مفتاح ميلود فبدأها بسرد السيرة الذاتية للضيف ثم سلم ناصية الحديث للدكتور فتح الله خليفة فألقى محاضرة قيمة جداً عن ( سيكولوجية الضحك ) . وبعد أن انتهى من محاضرته استمع لمداخلات الحضور وأسئلتهم فكانت المشاركات على النحو التالي : الفنان التشكيلي عبدالعالي شعيب – الصحفي محمد بو سويق – الدكتور الأديب عبد الجواد عباس – الشاعر عبد الله علي عمران – الاستاذ الكاتب الناجي الحربي - القاص محمد الصادق .
وبعد أن أنهى الدكتور فتح الله خليفة ردوده على كافة المداخلات , اختتم الشاعر مفتاح ميلود الأمسية بالإعلان عن الأمسية القادمة التي حدد موعدها بيوم الاثنين الموافق 4 – 5 – 2009 م للشاعر عبد الله علي عمران .

السيرة الذاتية :
· الاسم : فتح الله خليفة جبريل امشاقن .
· تاريخ ومكان الميلاد : 1948م / البيضاء .
· الحالة الاجتماعية : متزوج .
· عدد الأبناء : خمسة أبناء .
· المؤهلات العلمية :
- الابتدائية - الإعدادية – الثانوية من مدينة البيضاء ( 1955 – 1967م ) .
- ليسانس آداب لغة انجليزية من الجامعة الليبية , بنغازي ( 1972م ) .
- ماجستير في تقنية المعلومات " INFORMATION TECHNOLOGY " من جامعة " GOLDEN STATE " ( 2006 م ).
- دكتوراه في تقنية المعلومات " INFORMATION TECHNOLOGY " من جامعة " GOLDEN STATE " ( 2006 م ) .
· الوظائف التي تقلدها :
- مترجما بإذاعة الجماهيرية العظمى بدائرة الأخبار السياسية (1972م).
- مدير الإعلام والثقافة بمحافظة الجبل الأخضر (1973–1984م).
- مستشار الشؤون الإعلامية بالمكتب الشعبي بالبرازيل(1984–1987م).
- أمين الإعلام والثقافة بفرع البيضاء(1987-1989م).
- أمين الشباب والرياضة بشعبية الجبل الأخضر(1989–1992م).
- أمين مكتب الشؤون الثقافية بشعبية الجبل الأخضر(1992–1994م) .
- أمين إدارة الإعلام والثقافة بشعبية الجبل الأخضر(1994–2001م) .
- مؤسس ومدير إذاعة الجبل الأخضر المحلية(1996م).
- أمين مساعد للإعلام والثقافة بالمكتب الشعبي ماليزيا (2002–2007م).
· الدورات والمهمات :
· حضر وشارك بأعمال المؤتمر الدولي عن الازدواج الضريبي على حقوق المؤلف تحت رعاية منظمة اليونسكو في كل من باريس ومدريد خلال السنوات ( 1978 – 1979 – 1980 م ).
· حصل على دوره تدريبية في مجال حقوق المؤلف (1981 م ) على نفقة اليونسكو في كل من ( الجزائر - تونس – باريس)
· شارك في عدد من المؤتمرات الدولية أثناء تواجده بماليزيا منها.
* اجتماعات وزراء إعلام دول عدم الانحياز كوالمبور (2003م )
* المؤتمر الدولي لوسائل الإعلام الآسيوي كوالمبور(2004 م )
* المؤتمر الدولي للرعاية الاجتماعية كوالمبور(2004 م )

له العديد من المقالات الساخرة في الصحف المحلية والمواقع الالكترونية مثل الحمار – السلحفاة- القمل والذباب يموتان فى النظافة – وغيرها .
المحاضرة :
سيكولوجية الضحك

كثيرة هي الأشياء التي تولد معنا ونمارسها ونتفاعل معها بشكل يومي ولكننا لا نعرف كنهها ولا ماهيتها ولا نعرف لماذا تحدث ؟ أو كيف تحدث ؟ وأين,ومتى تحدث ؟ مثل النوم,والضحك والبكاء والجنس والموسيقى وأشياء أخرى .
لذا اخترت أن تكون هذه المحاضرة عن سيكولوجية الضحك,وتزاحمت أمامي مجموعة تساؤلات واستفهامات. ما هو الضحك ؟ ولماذا نضحك ؟ ومتى نضحك ؟ وكيف نضحك ؟ وأين تقع الخلايا المسئولة عن الضحك في مخ الإنسان ؟ .
وسأحاول في هذه المحاضرة الإجابة على كافة هذه التساؤلات والاستفهامات, ورغم أن البحوث والدراسات في هذا المجال- مجال الضحك - قليلة وغير وافية,إلا أنني حاولت تجميع الآراء وتفسيرات الفلاسفة والباحثين المتخصصين في مجال التحليل الفسيولوجي والسيكولوجي للضحك,وحاولت تحليلها والوصول إلى نتائج أساسية في سيكولوجية الضحك والياته في محاولة للتعرف على كل ما يتعلق بظاهرة الضحك .
أولاً : يجب أن نتفق من البداية بأن ظاهرة الضحك هي آية من آيات الله في خلق الإنسان. ففي سورة النجم-الآية(43)- قال تبارك وتعالى: ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) أي أن الضحك والبكاء من الله سبحانه وتعالى,وكونه من الله سبحانه وتعالى فهو لجميع خلقه فإذا نظرنا إلى الدنيا كلها نجد أن الضحك والبكاء موجودان بين البشر جميعاً على اختلاف لغاتهم وجنسياتهم,فلا توجد ضحكة إنجليزية وضحكة أمريكية وضحكة إفريقية أو ضحكة آسيوية , بل هو فعل واحد لدى جميع البشر."ضحك في حالة السرور والبهجة وبكاء في حالة الحزن" .
إلا أن هناك قوانين تحكم فعل الضحك وفعل البكاء فالتغيرات الفسيولوجية في كلتا الحالتين واحد في ملامح الوجه وما يحدث له من تغير وكذلك عملية الشهيق والزفير المصاحبة لفعل الضحك أو البكاء وكذلك انهمار الدموع.
ويعتبر كل من الضحك والبكاء من الانفعالات الفطرية النفسية الداخلية وبالرغم من اختلاف الحالتين فإن الشيء المشترك بينهما هو أن آلية حدوثهما الداخلية واحدة وما ينجم عنهما من فوائد فيزيولوجية ونفسية للإنسان واحدة أيضاًَ.
إن الآية الكريمة : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) ليس معناه بالضرورة أن الناس تضحك معاً أو تبكي معاً , ولكن المعنى العميق للآية هو أن الإنسان لا يستطيع إضحاك نفسه ولا أن يبكي نفسه عن شعور صادق بلا اصطناع , لذلك فعل الضحك والبكاء انعدمت فيه الإرادة البشرية . فهو آية من آيات الله سبحانه في خلق البشر, فلا يستطيع أحد منا أن يقول أنني سأضحك الآن فيضحك ولا يستطيع الإنسان أن يبكي بكاءً طبيعياً كأن يقول أنا سأبكي الآن فيبكي , إنه فقط يستطيع أن يصطنع الضحك أو البكاء بشكل غير طبيعي , ولكن الضحك والبكاء يأتي من الله حين يكون طبيعياً .
ولأن الضحك آية من آيات الله في خلقه, كان الإلمام بهذه الظاهرة من جميع أطرافها مستحيلاً, ومعرفة جميع ما يتعلق بهذه الظاهرة أمر صعب وقد أتضح حالياً أن الدراسات والبحوث في دراسة هذه الظاهرة لازالت قاصرة, فمثلاً لا يعرف إلى الآن ما هي المراكز الحسية المسئولة عن ظاهرة الضحك في الدماغ, وكل ما هو معروف علمياً الآن هو أن فسيولوجيا الأعصاب الحديثة تربط الضحك بتنشيط القشرة الأمامية الوسطى للدماغ والتي تفرز مادة الأندروفين .
ففعل الضحك يمتلكه كل واحد منا فهو جزء من مجموع اللغات البشرية على مستوى العالم فتوجد الآلاف من اللغات ومئات الآلاف من اللهجات البشرية ولكن الكل يضحك بطريقة واحدة وبآلية واحدة , وقانون الضحك إذا صح هذا التعبير, يرتكز على أركان ثلاث :
1- مؤثر أو باعث يستثيره .
2- حالة انفعالية فسيولوجية مصاحبة .
3- وظيفة أو غاية تسعى إلى تحقيقها .
غير أن الطفل الرضيع لديه قدرة على الضحك قبل أن يبدأ في تعلم الكلام , وحتى الطفل الأصم أو الأعمى يحتفظ بقدرته على الضحك .
تعريف الضحك :
الضحك هو شكل من أشكال التعبير الذي يظهر على الإنسان في صورة مرح وفرح . وتتعدد أسباب الضحك الذي يوصف أيضاً بأنه رد فعل فسيولوجي نتيجة للمرور بخبرة ما مثل سماع نكتة أو عند سماع مداعبة ... وغيرها من الأسباب الأخرى .
الضحك والمخ :
فسيولوجيا الأعصاب الحديثة تربط الضحك بتنشيط القشرة الأمامية الوسطى للدماغ , التي تفرز مادة " الأندروفين" بعد نشاط يشعر فيه الإنسان بالمكافأة بعد تناول وجبة لذيذة أو بعد فهم نكتة ...
وقد أظهر بحثاً من البحوث أن أجزاءً في المخ لها دور كبير في عملية الضحك,وهم Amygadala & Hippocapus
وفي مقالة لجريدة المؤسسة الطبية الأمريكية,نشرت في 1984.9.7 والتي تصف الأسباب المؤدية للضحك التي مصدرها الجهاز العصبي بالدماغ المتوسط والخلفي والتي تتواجد بالقرب من مراكز التنفس .
الضحك إذاً هو لغز إدراكي يسعى الإنسان لحله , فالنكتة تخلق جواً من عدم الموائمة والجمل فيها تظهر وكأنها غير متصلة بالموضوع ... وحينها يحاول الإنسان بشكل تلقائي أن يحلها للعثور على ما تخفيه هذه الجملة.ولكن إذ خفق في التوصل إلى الحل وإلى الفكرة المنطوية عليها فلن يأتي الضحك (لن يضحك الإنسان) .
آلية الضحك
الآلية هي أفيونات المخ التي يفرزها في هذه الحالات وتدعى الأندروفينات والتي تعاكس في تأثيرها على الجسم الهرمونات التي يفرزها في حالات الشدة وهي الكاتيكول أمينات "الأدرينالين" مما يؤدي إلى انتظام عمل القلب والضغط الشرياني واسترخاء العضلات ونقص إفراز الأحماض في المعدة , والأهم من هذا كله هو تأثيرها على عمل الدماغ نفسه وموجاته والذي يؤدي بدوره إلى تغير شعور المرء من الحزن والغضب إلى السعادة .
كما أن الضحك رياضة تدخل الهواء النقي إلى الرئتين وتدرب عضلات الصدر والجسم ككل معاً فتترك الجسم في حالة استرخاء جميلة .
ولا ننسى الأثر المسكن للألم للأندروفين الذي يعمل كمورفين طبيعي فقد استطاع مريض بداء عضال مؤلم (عن طريق إضحاك نفسه ضحكاً عميقاً حتى تهتز بطنه بشدة لمدة عشر دقائق كل ليلة) أن يحصل على نوم مريح دون معاناة لمدة ساعتين .
وأيضاً نذكر للأهمية طريقة في التنفس تدعى التنفس التحولي وهي تعتمد على جعل الإنسان يتنفس تنفساً بطئياً متلاحقاً وبشكل سريع كي يزيد معدل الأكسجين الداخل إلى الجسم , فينفعل الإنسان بالصور التي يراها من ذاكرته فيبكي بشكل قوي, فتتحرر عنده تحجرات الطاقة السلبية المخزنة في أعماقه فيتحرر سريان الطاقة بشكل طبيعي فيشعر بعده الإنسان بانتعاش وشعور خفي بالسعادة والفرح
وقد بينت الأبحاث أيضاً إن معدل فهم الإنسان للمعلومات وتذكرها يزداد إذا ارتبط بالمتعة والضحك .
وقد يحفز استنشاق الإنسان لبعض المواد الكيميائية مثل الأكسيد النتريNitrous Oxide ويطلق عليه أيضاً " الغاز المضحك" على إطلاق نوبات من الضحك الهستيري , أو للاعتماد على بعض العقاقير مثل الحشيش . وقد تتسبب نوبات الضحك القوية في إفراز العين للدموع وبعض الآلام البسيطة في العضلات كاستجابة لهذه الحالة الشعورية القوية .
* الضحك يعتبر لغة إنسانية نولد بها , فنحن نتعلم كيف نتكلم ولكننا لا نتعلم كيف نضحك .
* يحدث فعل الضحك بدون وعي أي أن الضحك ينطلق طبيعياً نتيجة مسبب للضحك أي أن الإنسان لا يضحك نتيجة أمر وجه إليه ولذا سيكون الضحك في هذه الحالة غير حقيقي أو مفتعل . أنت لا تستطيع أن تجبر نفسك على الضحك .
* يضحك الإنسان العادي يومياً حوالي 15 مرة إذا كان بمفرده . ويضحك 30 مرة تقريباً عندما يكون في جماعة . لأن الضحك فعل اجتماعي .
* أن الرغبة أو فعل الضحك ينمو في جماعة يقوي العلاقات الإنسانية وهذا سببه أن الضحك يحتوي على عنصر أساسي في تكوينه وهو أن الضحك معدي .
* الضحك كبصمة اليد شيء خاص بكل فرد إذ من الصعب جداً إيجاد ضحكتين متشابهتين .
* الضحك سلوك بشري يتحكم فيه وينتجه المخ أي المسئول الأول على الضحك المخ .
* الضحك في القرآن والسنة :
* وردت مادة الضحك في القرآن الكريم 10 مرات على النحو التالي :
* ( فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (82) سورة التوبة .
* ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ) (71) سورة هود.
* ( وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (110) سورة المؤمنون .
* ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا) (19) سورة النمل .
* ( فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ) (47) سورة الزخرف.
* ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) (43) سورة النجم .
* ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ) (59 - 60) سورة النجم.
* ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ) (38 - 39) سورة عبس .
* ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) (29) سورة المطففين .
* ( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (34) سورة المطففين.
* جاءت كلمة الضحك في القرآن الكريم بدلالات مختلفة ضحك السخرية والاستهزاء وتمثل في ضحك الكفار وأعداء الإسلام , وهو ضحك باعثه الجهل والاستكبار والعناد ومن هنا تكون عاقبته وخيمة كما هددهم الحق سبحانه وتعالى ( لْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (82) سورة التوبة .
* وفي المقابل نجد ضحك النصر والفوز والفلاح حين يجد المؤمن ما وعده الله حقاً وصدقاً سواء كان في الدنيا أو في الآخرة, وهو ضحك لا يستشعره غير من أعمل عقله وأتعب نفسه في استقصاء الحق والمثابرة والمصابرة عليه (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (34) سورة المطففين .
* وضحك النعمة كضحك سليمان عليه السلام : ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا) (19) سورة النمل .
* كما نجد أيضاً ضحك التعجب , كضحك امرأة إبراهيم عليه السلام : ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ) (71) سورة هود .
* وضحك الاستبشار كضحك المؤمنين ذوي الوجوه المسفرة الضاحكة المستبشرة استبشاراً ورضا بنعيم الله وجزيل عطائه: ( وُجُوهٌ ) (38 - 39) سورة عبس .
* أما الضحك في السنة الشريفة :
* فكان تطبيقاً للقرآن الكريم , فقد عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبشر والابتسام , حتى في لحظات الغضب . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك ويبتسم حتى تبدو نواجذه , ولكن ضحكه كان من غير قهقهة .
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق" .
* وكان - صلى الله عليه وسلم - يبتسم مع أصحابه ويلاطفهم ويستجيب مع طرائفهم .
* قال - صلى الله عليه وسلم - : " روحوا عن القلوب ساعة فساعة , فإن القلوب إذا كلت عميت" .
* وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " ما حجبني النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رآني إلا تبسم في وجهي" رواه البخاري .
* لقد صح عن عائشة – رضي الله عنها في وصفها للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان بساماً أي يكثر التبسم .
* قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" رواه الحاكم والبيهقي .
* قال - صلى الله عليه وسلم - : " تبسمك في وجه أخيك صدقة" .
* روي عن أبي هريرة أنهم قالوا : يا رسول الله إنك تداعبنا , فقال: إني وإن داعبتكم لا أقول إلا حقاً .
نظريات الضحك :
تعددت الآراء والنظريات في تفسير حدوث الضحك فهناك أكثر من مئة نظرية تحاول تفسير ظاهرة الضحك والأسباب المحفزة للضحك وكلها نظريات متداخلة يعتمد بعضها على بعض , إلا أننا سوف نركز على النظريات الرئيسية في هذا المجال .
1- نظريات ترى أن الضحك هو ممارسة عدوانية في جوهرها حيث يحس الضاحك أن المضحوك منه أقل منه شأناً وأقل قيمة وفي ذلك استعلاء وشعور بالتفوق يعوض عن مشاعر النقص . وهذه العدوانية ليست مذمومة إلا حين تعمد إلى إيذاء مشاعر الآخرين وجرحهم . وهي مقبولة في إطار الضحك والإضحاك ومتعارف عليها على أنها مزاح وفكاهة وليست جداً . وهذه الفرضية قديمة ولكنها مؤثرة وباقية وقد قال بها أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى فولتير وغيره .
2- الضحك ينشأ بسبب التناقض بين الشيء أو الأمر الحادث وبين ما اعتدنا أن يكون عليه . ويفسر ذلك أن الضحك ينتج عن المفارقة والتناقض وغير المتوقع أو المضخم أو غير المألوف أو سوء الفهم والتفاهم الاعتيادي . ويؤكد الفيلسوف الفرنسي برغسون هذه النظرية في كتابة النادر الضحك عام 1924م , وأيضاً غيره من الفلاسفة .
** برغسون : ميكانيكية الحياة أساس الضحك :
يعتبر كتاب الضحك لهنري برغسون من أهم المؤلفات التي تناولت موضوع الضحك من منظور فلسفي تحكمه منطلقات نظرية واضحة . فانطلاقاً من اتجاهه الحيوي , ينظر برغسون إلى الضحك باعتباره شيئاً حياً , لذا يؤكد على ضرورة معالجته بنفس الاهتمام والتقدير الذي نكنه للحياة نفسها . فالحياة – في نظره – تتطلب من الإنسان التشدد والمرونة , وغياب هذين العنصرين عن جسد الإنسان وفكره وطبعه يفتح المجال لمجموعة من النقائض التي لابد من التغلب عليها لتحقيق العيش الجيد . يقول برغسون : "كل تصلب في الطبع, في الفكر , وحتى في الجسد سيكون مرفوضاً من لدن المجتمع مادام يشكل علامة ممكنة على نشاط خامل ومنعزل أيضاً يتجه نحو الابتعاد عن المركز المشترك الذي يدور حوله المجتمع , وبالتالي نحو الغرابة". ومادام هذا العجز المتمثل في التصلب والآلية التي تلحق بالإنسان لا تمس المجتمع مادياً , فإن هذا الأخير يتدخل معنوياً من أجل التصحيح بواسطة الضحك الذي يعد " حركة اجتماعية " , تعمل على قمع كل محاولة انفصال عن المجتمع وكل تصلب ميكانيكي أو أوتوماتيكي في الجسد الاجتماعي . ففي الحياة الإنسانية مجموعة من النقائض التي يعمل الضحك على تصحيحها , فهو يصحح التصلب بالمرونة , والثبات بالتغيير , والآلية بالحيوية , والتسلي بالاهتمام , والأوتوماتيكية بالنشاط الحر , والانعزال بالاجتماع , انسجاماً مع هذا التصور الحيوي للضحك , يؤكد برغسون على ثلاث ملاحظات أساسية هي :
- لا وجود للضحك خارج إطار ما هو إنساني . فالإنسان كائن ضاحك ومضحك , وعليه فحتى عندما نضحك من حيوان ما , فالأمر لا يعدو كونه ضحكاً من خاصية ما فيه تشبه الإنسان .
- الضحك يكون مصحوباً بانعدام الإحساس , فالعدو الحقيقي للضحك هو العاطفة , لذا فلكي نضحك ينبغي أن نكون لا مبالين . يدعونا برغسون إذن إلى التجرد من عواطفنا والتسلح باللامبالاة كي تتحول الأحزان أمام أعيننا إلى أفراح , يقول : "تجردوا الآن شاركوا في الحياة كالمتفرج اللا مبالي , كم من الدرامات سوف تتحول إلى كوميديات" , ومادام الضحك يتوجه أساساً نحو الذكاء وليس نحو العاطفة , فأنه يحتاج إلى " تنويم لحظي للقلب" .
- الضحك فعل اجتماعي , يحتاج إلى نوع من الصدى , فهو" ليس صوتاً منطوقاً , صافياً , مكتملاً . إنه شيء يريد أن يمتد بالانتشار من قريب إلى قريب , فهو يبدأ بالانفجار ليستمر بواسطة قصفات مثله مثل الرعد في الجبل" , ولعل ما يحقق للضحك هذا الامتداد الاجتماعي هو كونه ينبني على نوع من التواطؤ المسبق والتفاهم الخلفي بين عدد من الضاحكين الواقعيين أو المتخيلين .
وانسجاماً مع هذا الفهم , فإن نظرية برغسون عن الضحك تؤطر مختلف أشكاله ومظاهره الحركية واللغوية والمزاجية والمواقفية . فما يثير الضحك في الحركة واللغة والمزاج والموقف هو الميكانيكية والتصلب , وما يضحك في الإنسان هو تحوله إلى شيء أي ظهور آثار الآلية الأوتوماتيكية على حركته ولغته وموقفه. في هذا السياق يرى برغسون أن ما يضحك , مثلاً , في سقوط رجل على إثر عثرة ما ليس فعل السقوط في حد ذاته وإنما هو التصلب والميكانيكية التي تسربت إلى جسده وجعلته يفقد المرونة اللازمة التي تتطلبها الحياة .
3- الضحك ينشأ بسبب ارتخاء مفاجئ وتفكك مؤقت في مناطق الضبط النفسي بسبب التوتر والإحباط والعقد التي نحملها في داخلنا والتي تنتج عن ضغوط الضمير والقيم وغيرها من الضغوط , ويأتي المثير الخارجي للضحك ليفتح المجال لإزالة التوتر والشحنات الانفعالية المتنوعة بداخلنا . وقد بين التحليل النفسي الفرويدي أن الضحك يشبه الحلم من حيث تحلله من القيم والممنوعات وأنه كلما زادت الضغوط كلما احتاجت تركيبتنا النفسية إلى التخفيف منها بعدة وسائل ومنها الأحلام والضحك . وفي ذلك نكوص مؤقت إلى مرحلة طفلية بما فيها من أحلام براقة وخيالات سعيدة جميلة . ويمكن أن يصبح هروباً من الواقع ومرضاً . كما يمكن أن يكون نضجاً وقوة ونوعاً من السمو الأخلاقي والذي يجعل الإنسان يواجه مواقف الحياة الصعبة بروح الهزل والاستخفاف وعدم الاكتراث" الفيلسوف الساخر" .
الابتسام والمرح والضحك والبشاشة والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والكوميديا كلها تصدر عن طبيعة واحدة في النفس البشرية المتناقضة حيث تمل الجد والصرامة والعبوس وتبحث في الفكاهة عن منفذ للتنفيس عن آلامها وواقعها ولو مؤقتاً مما يعيد التوازن النفسي ويؤدي إلى أداء أفضل , وهو استراحة واسترواح, ونشوة تنتج عن انقباض العضلات وتفريغ التوتر الجسمي والنفسي . وهذا رأي شائع ومنطق عام يؤيده كثيرون.
ويطرح بعض الأدباء والفلاسفة نظريات خاصة عن الضحك مثل : " إن الإنسان هو الأشد ألماً بين المخلوقات الأخرى لأنه يعي أنه سيموت ولذلك كان لابد له من أن يخترع الضحك " "نيتشه الفيلسوف الألماني" وقد مات منتحراً في سن الشباب . ويقول مارك توين الكاتب الأمريكي الساخر : " أن روح الفكاهة ذاتها تجد مصدرها السري في الحزن لا في الفرح , فليس هناك فكاهة في الجنة" .
وفي الممارسة اليومية للطب النفسي نجد في حالة اضطراب المزاج المعروفة باسم الهوس أن مزاج المريض يكون منبسطاً مرتفعاً ومتفائلاً , وهو يلعب بالكلمات ويغير من مدلولاتها بشكل مضحك وهو لا يتوقف عن المزاح والمرح والضحك والإضحاك والتهريج الممتع ويمكن لمزاجه أن يتغير وأن يصبح اكتئابياً لمدة دقائق أو ساعات ثم يغلب المزاج الفرح والنشيط , وهناك أشكال خفيفة من هذا الاضطراب أقل شدة , كما نجد في حالات استعمال بعض المواد الإدمانية أن المريض يصبح منشرحاً ضاحكاً خيالياً , ويدل ذاك على أن اضطراب كيميائية الدماغ بسبب مرضي , أو بسبب تناول مواد ذات تأثير نفسي مزاجي , يمكن أن يغير المزاج بشكل مرضي إلى الفرح المفرط والضحك والإضحاك , مما يستدعي التشخيص والعلاج .
كما يدل على أن الإنسان في توازنه واعتداله وصحته لا يمكنه أن يكون مازحاً طوال الوقت أو فرحاً ومضحكاً , وبالطبع يختلف الناس في شخصيتهم ومزاجهم وميولهم , ومنهم معتدلون وأصحاء ومنهم مرضى ومنهم بين هذا وذاك .
وتدل الدراسات على أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن لها أن تعدل المزاج وأن تخفف من التوتر والقلق, كما أن مشاهدة البرامج المضحكة والأفلام الكوميدية مفيدة للصحة النفسية والجسدية, ويعتبر ذلك من الأساليب العامة العلاجية , والتي لا تكفي في حالات الاكتئاب الواضحة . وأخيراً , وكما هو واضح فإن فهم الضحك والفكاهة قد أثار العقول والأفكار بحثاً وصياغة لتفهمه , وبالتالي لفهم الإنسان وانفعالاته , ولا يزال الإنسان ذلك المجهول , ولابد من الاعتدال في أمور الضحك والفكاهة دون إفراط أو تفريط (كثرت الضحك تميت القلب).
فرويد : الضحك تصريف سريع لطاقة نفسية
لقد صاغ فرويد نظريته عن الضحك من خلال دراسته الشهيرة بعنوان: "النكتة وعلاقاتها باللاشعور" حيث حاول تفسير ظاهرة الضحك من منظور التحليل النفسي مؤسساً نظريته " على مقولة توفير الطاقة النفسية أو المؤثر" فالضحك في نظر فرويد ظاهرة اقتصادية تتمثل في كون كل إنسان يمتلك تمثيلاً ذهنياً أو تصوراً مسبقاً عن لحظاته الآتية . هذا التمثيل الذهني المسبق تترتب عنه تعبئة كمية من الطاقة لا تكون بالضرورة مطابقة وكافية للحدث الآتي مستقبلاً. لذا فتحسباً لأي طارئ يتم حشد فائض من هذه الطاقة يدفع إلى البحث عن تصريفه بطريقة أو بأخرى , بشكل بطيء أو سريع . ففي حالة تصريفه بسرعة , فإن النتيجة تكون نوعاً من الانفجار والفرقعة تتحقق جسدياً عن طريق الضحك. ينبغي التمييز إذن – كما يشير إلى ذلك شارل مورون– بين الموقفين أو الحالتين أولهما هو التنبؤ المحتمل باللحظة الآتية وثانيهما هو تمثيل الحدث الواقعي , واختلاف الثاني عن الأول هو الذي يفتح المجال لتصريفين مختلفين للطاقة النفسية المعبأة , يقول مورون : "إذا كان هناك توفير , فإن فائض الطاقة النفسية المعبأ خطأ , يتحول إلى انتصار ؛ وفي حالة ما إذا كان هذا التحول صعب المنال بسبب سرعة العملية , فإنه يتم جسدياً في هذا المدخل إلى الصرع الذي هو الضحك .
وعلى أساس هذا المبدأ أي تصريف الطاقة النفسية , يميز فرويد بين ثلاثة أنواع من الضحك ينطبق عليها كلها نفس المبدأ لكنه يتحقق فيها بتلوينات مختلفة . وهذه الأنواع هي : النكتة والكوميك والفكاهة . يقول فرويد :"يبدو لنا أن لذة النكتة مشروطة بتوفير التصريف الذي يستلزمه الكبت , ولذة الكوميك مشروطة بالتوفير الذي يستلزمه التصريف (أو الاستثمار) , ولذة الفكاهة مشروطة بتوفير التصريف الذي يستلزمه الإحساس" . ولهذا التوفير في كل الحالات أهمية خاصة تتجلى في العودة بالإنسان إلى حالته الطفولية , أي حالة الحرية وانعدام الرقابة . لذا نجد مورون يؤكد على أن أهمية التصور الاقتصادي للضحك عند فرويد تكمن في أخذه الضحك الطفولي بعين الاعتبار.
4- فوراستيي : قطع الحتمية أساس الضحك
في كتابه "الضحك" يهتم جان فوراستيي بالضحك باعتباره " وسيلة للكلام والتفكير والتواصل" يستعمله الإنسان للتعبير عن كل الأشياء بما في ذلك الإحساس المأساوي بالألم . ولهذا علاقة بجانب مهم قلما تم الانتباه إليه في ظاهرة سيكولوجية وسوسيولوجية حيث بين أن دماغ الإنسان يتكون من قارتين تلعبان أدواراً متكاملة في ما يخص إرسال واستقبال المعلومات ومعالجتها بطرق مختلفة حددها في أربعة هي : النوح , المضحك , المعقلن والمعاينة , فالضحك يشكل , إذن إحدى هذه الوسائل التي يعالج بها الإنسان القضايا التي يستقبلها دماغه ليحقق تواصله مع الآخرين . إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو ما الذي يجعلنا نستعمل وسيلة الضحك ؟ أو بعبارة أخرى : ما الذي يفسر هذه الظاهرة التي لها أصل في الدماغ الإنساني ؟ يرى فوراستيي أن المقولة البرغسونية " الآلي في الحيوي" غير صالحة , ويقترح , بدلاً عنها , مقولة قطع الحتمية . والمقصود بهذه المقولة أن العادة جعلت الإنسان يبني داخل دماغه تخطيطاً تمثيلياً للواقع الذي يشاهده , من ثم يصبح قادراً على التنبؤ بالأشياء . هذه العادة أو هذه التجربة هي ما يسمى بالحتمية , لكن الأشياء لا تقع دائماً كما نتصورها أو كما نتنبأ بها مما يترتب عنه قطع الحتمية من شأنه أن يخلق لدينا خوفاً أو قلقاً أو انتظاراً أو اضطراباً . ولكي يصبح هذا القطع الذي مصدره تنبؤ خاطئ مضحكاً , لابد أ ينشأ عنه تنبؤ جديد أكثر طمأنينة وتأكيداً يتحقق معه نوع من الأمن المادي والعقلي . لذا فأننا "نضحك عندما تسند الوضعية غير المعتادة بتنبؤ مؤكد".
الضحك سلوك بشري يتحكم فيه وينظمه المخ
مسببات الضحك أو الدوافع للضحك :
هناك العديد من النظريات والأبحاث ووجهات النظر التي تبحث في الدوافع المسببة للضحك , إلا أننا سوف نركز على ثلاث نظريات تكاد تكون رئيسية في هذا المجال .
نظرية التفوق :
وقد نادى بها الفلاسفة اليونانيين مثل أرسطو وأفلاطون والتي ترى أن الضحك مثلاً ينتج عندما نرى شخصاً يتصرف بغباء أو أن شكله وملامح وجه غير متسقة فهذه الأشياء تشعرنا بتفوقنا من الناحية الفكرية والخلقية وهذا يعطينا شعور بالغبطة والسرور وهنا يأتي فعل الضحك .
نظرية التعارض أو التضارب :
وهي تقوم على أن هناك تعارض بين المقدمة والنتيجة . وهذا ما ذهب إليه الباحث في سيكولوجية الضحك توماس متش, الذي يرى التعارض والتناقض الفجائي بين المقدمة والنتيجة غير الموائمة مع المقدمة أو العلاقة اللامنطقية بين الاثنين .
نظرية الارتياح relief Theory :
قد يكون الباحث للضحك حسب نظرية الارتياح أي التعرض لموقف مقلق أو حرج أو خطر ثم ينجو من هذا الموقف ستكون رد فعله هو الضحك .
* للضحك وظيفة اجتماعية أي أنها تعني إعطاء معلومات أو معرفة للآخرين .
* للضحك أسباب مادية أي للإنتاج الضحك هناك عدة عوامل :
1. عوامل مادية أي ملموسة مثل : الدغدغة أي ملامسة الجسم في مناطق معينة من الجسم مثل العظمة المرحة Alnar - nerve تنتج الضحك , على أن تكون الدغدغة صادرة من شخص أخر .
2. تناول أشياء مثل غاز الضحك , أو مواد مخدرة مثل الحشيش .
3. عوامل أو دوافع معنوية أي تقوم على تفسير المخ لهذه العوامل , ووصول الحدث أو المعلومة أو النكتة عبر حواس الإنسان : العين والأذن , فالعين ترى أحداث مرئية دون كلام قد تكون باعثة للضحك مثل أعمال شارلي شابلن السينمائية التي تعتمد على الحركة الميكانيكية , وهذا تفسير لنظرية الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون في كتابه الشهير " الضحك " . والذي يرى ما يلي :
أولاً : أن الإنسان هو الكائن الوحيد في هذا العالم الذي يضحك ويُضحك . أي لا يُضحك إلا ما هو إنساني .
ثانياً : إن تحول الإنسان إلى ما يشبه في حركاته الآلة أو تكون حركته ميكانيكية سيكون هذا باعثاً للضحك , فمثلاً لو أن شخصاً يمر أمامك وفجأة سقط أو تعثر سيكون هذا باعثاً للضحك لأنه تحول فجأة إلى ما يشبه الحركة الآلية .
ثالثاً : يقول الباحث توماس ڤـنش أن الباعث للضحك هو التناقض بين المقدمة والنتيجة
ما هي مادة الضحك :
ذلك أن موضوع الضحك أو مسببه أو مادته متصل وتنتقل إلى المخ بحاستين السمع والبصر لأن كل ما هو مثير للضحك موجود في الفعل (الحركة) والقول نكتة مثلاً .
* يعبر الضحك عن الاستهزاء بما يعكس الابتسام تعبير طبيعياً عن اللذة وبصفة خاصة العاطفية والمحبة والتشجيع .
الضحك بشكل مخجل انعدام القدرة على التحكم في الجسد .
خصائص الضحك :
للضحك عناصر أساسية في تكوينه , ومن أهم هذه العناصر أو المزايا الرئيسية أن الضحك مثل الأنفلونزا معد فعندما يضحك الإنسان أو يبتسم فإنه يخرج طاقة التوتر من عضلات وأعصاب الوجه وبالتالي تنتقل عدوى الضحك لمن حوله , فعندما نسمع أو نرى الآخرين يضحكون فإن المناطق التي تسيطر على الضحك والابتسامة في دماغنا تصبح نشطة مما يلهمنا أو يجعلنا نبتسم أ نضحك دون أن نعي سبب الضحك , إن الإنسان يبدأ بالضحك منذ الطفولة أي عندما يبلغ الأسبوع العاشر من عمره بعد ذلك بسته أسابيع يضحك مرة كل أربع دقائق الأمر الذي يبين أهمية الضحك للإنسان حتى ينمو بشكل طبيعي وصحي , وبناء عليه فإنه يمكن اعتبار الأطفال هم " أبطال الضحك" في العالم إذ أن الطفل يضحك على الأقل 400 مرة في اليوم .
إن عدوى الضحك باعتبارها عنصر أساسي في تكوين أو إنتاج الضحك كانت وراء فكرة إنشاء أندية للضحك , ففي الهند يوجد أكثر من 200 نادي للضحك يعتمد على هذه الخاصية وهي وجود عدد من الناس في هذا المنتدى يضحكون لمجرد ضحك الآخرين , كما ثبت أن الإنسان يضحك لوحده 17 مرة تقريباً بينما يضحك أكثر من 30 مرة إذا كان في مجموعة من الناس أو الأصدقاء .
الخاصية الثانية للضحك وهي أن الضحك مثل البصمة لدى الإنسان أي لا توجد ضحكات متشابهة .
الخاصية الثالثة : وهو أن الضحك يرفع مستويات إفراز الأندروفين والهرمونات الأخرى التي تحدث شعوراً بالمتعة والاسترخاء وتخفض إفراز الهرمونات المصاحبة للتوتر , حيث أن الضحك الصادر عن إرادة صادقة ودوافع فعلية يؤدي إلى توسيع حجم الرئتين ويساهم في تسريع عملية تبادل الأكسجين خلال عملية التنفس فضلاً عن أنه ينظم الدورة الدموية وضغط الدم ويزيد من هرمونات الجسم الخاصة بالشعور بالسعادة وتخفيف الألم كما أن الضحك في حدوده المعقولة يحرك أكثر من 100 عضلة في الجسم خلال عملية الضحك من بينها 15 عضلة في الوجه .
وفي هذا الصدد أظهرت دراسة علمية حديثة بأن الضحك يحقق المزيد من الفائدة للجسم باعتباره رياضة حقيقية يمارسها الجسم من الداخل , وقد أجريت تجربة على فريقين من الناس . فريق شاهد فيلم رعب والفريق الأخر شاهد فيلماً كوميدياً.
أظهرت الدراسة العلمية أن الفريق الذي شاهد فيلم الرعب أبطأ في سرعة تدفق الدم إلى القلب بنسب 35% بينما الفريق الذي شاهد فيلماً كوميدياً فالضحك ومشاعر البهجة زاد من تدفق الدم إلى القلب بنسبة 22% .
وتؤكد الدراسة أن الضحك مرتبط بالجزء الأيسر للمخ والذي يجعل الجسم يفرز هرمون " الدوبامين" المسئول عن الشعور بالنشوة والبهجة .
مسببات الضحك أو إنتاج الضحك
هناك أسباب مادية ومعنوية لفعل الضحك , فالضحك هو شكل من أشكال التعبير الذي يظهر خارجياً على الإنسان في صورة مرح وفرح وسرور.
وتتعدد مسببات الضحك التي توصف بأنها رد فعل فسيولوجي نتيجة لمرور بخبره ما مثل سماع نكته أو عند سماع مداعبة أو المرور بمشاهدة مثيرة للضحك ووفق النظريات التي تم الحديث عنها وهى أسباب معنوية أما الأسباب المادية المسببة لفعل الضحك مثل استنشاق بعض المواد الكيميائية مثل الأكسيد النتري (nitrous oxide) الغاز المضحك والذي نتج من الضحك الهستيري أو تعاطي بعض العقاقير مثل الحشيش مثلاً وقد تتسبب نوبات الضحك القوية في إفراز العين للدموع وبعض الألأم البسيطة في العضلات كاستجابة لهذه الحالة الشعورية القوية.
كما يشعر الإنسان بالرغبة في الضحك عند مداعبة شخص أخر بالملامسة الجسدية الدغدغة والملامسة الجسدية أي الدغدغة إذا قام بها شخص أخر يكمن فيها عنصر المفاجأة , والتفاعل الاجتماعي التي يفتقدها المخ أثناء هذه العملية أما إذا قمت أنت بنفسك بدغدغة نفسك فإن المخ على دراية كاملة بما يحدث للجسم فهنا ينعدم عنصر التفاعل الاجتماعي و المفاجأة ولهذا لا يتم فعل الضحك . وهذا مسئول عنه المنطقة الخلفية بالمخ والتي تسمى cerebellum وتختص بمراقبة الحركة وهذه المنطقة يمكنها التنبؤ بالإحساس عندما تسببه حركة الجسم نفسه ولكنها غير قادره على التنبؤ بهذا الإحساس اذا صدر عن مصدر خارجي فالشخص عندا يقوم بدغدغة نفسه فان المخ يتنبأ بهذا الإحساس .
أنماط الضحك :
ليس الضحك مجرد ظاهرة بشرية اختص بها البشر , ولكنه فضيلة إنسانية خص بها الله ذلك المخلوق البشري دون غيره من سائر المخلوقات , عساه يستطيع أن يواجه بها تحديثات الزمن وتقلباته وظروف الحياة وصعابها , فضلاً عما يتهدده من شبح الفناء , إذاً الضحك بما يحتويه من تناقضات ومسببات وآلياته السيكولوجية والفسيولوجية هو ما لا يعرفه إلا الإنسان , تتواجد أنواعاً من الضحك به حالات الحزن والألم والتعاسة والعبوس والهم والقلق والبكاء والمرارة مما ينتاب الإنسان في رحلة حياته .
وهذا ما عبر عنه "فريدريك وليم نيتشه" الفيلسوف الألماني بقوله : "أنني لا أعرف تماماً لماذا كان الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك ؟ فإنه لما كان الإنسان هو أعمق الموجودات شعوراً بالألم كان لابد له من أن يخترع الضحك " .
فالضحك ظاهرة بشرية بالغة التعقيد ومتداخلة في مسبباته وآلياته وأنماطه .
فالضحك ضحوك عدة إذا صح التعبير , فالإنسان يضحك لأسباب كثيرة تشكل هذه الأسباب نمط أو شكل الضحك أو نوعيته .
فهناك ضحك العطف أو المودة , والسرور والرضا وهناك ضحك السخرية والازدراء , وضحك المزاح والطرب .
وهناك ضحك العجب والإعجاب , وضحك لشماتة والعداوة وضحك المفاجأة والدهشة وهناك الضحك الهستيري وضحك السذاجة والبلاهة , الانتصار , الترحيب , والتهكم , الضحكة الصفراء .
ومثلما توجد العديد من أنماط الضحك فهناك العديد من أساليب التعبير الفكاهي أو محفزات الضحك .
مثل أسلوب القلب أو العكس , والمقالب , والملاحظة اللاذعة والظن المختلف , والنادرة والكلمة التي تقال وتفهم على معنيين وتكرار الكلمة والعثرة اللسانية والصورة الهزلية .
ومثلما هناك اختلاف في أنماط الضحك وفي أساليب التعبير الفكاهي . هناك أيضاًَ اختلافاً في طريقة الضحك , فقد أظهرت بعض الدراسات المتخصصة في هذا المجال أن الضحك يوجد فيه اختلاف حسب نوع الإنسان , أي أنه يختلف ما بين الذكور والإناث من حيث تقبل مثيراته أو اختلاف في طريقة الضحك نفسها , فالمرأة تصدر أصوات فيها نغم وصوت حاد أما الرجل فأصوات ضحكاته غليظة وغير منتظمة , والضحك بدوره درجات فقد يضحك الإنسان دون أن يصدر صوتاً مميزاً , ثم إذا اشتد ضحكه تغير شكل الفم وانبعثت منه أصوات خاصة هي أوضح إمارات الضحك , أما إذا كانت موجة الضحك عنيفة فلابد أن تظهر هذه التغيرات بوضوح في كل ملامح الوجه , بل ربما تمتد التأثيرات إلى صدور أصوات معينة هي ما نعرفه " بالقهقهة" .
ويلخص أبو منصور الثعالبي مراحل هذا الشعور الإنساني بقوله : " إن التبسم هو أول مراتب الضحك , ثم الإهلاس وهو إخفاء الضحك , ثم الافترار والانكلال وهما الضحك الحسن , ثم الكتكتة وهي أشد , تليها القهقهة , ثم الكركرة, ثم الاستغراب , ثم الطخطخة ثم الإهزاق , فالزهزقة هي آخر المراتب, وهي أن يذهب الضحك بالمرء كل مذهب .
هناك عدة صور للضحك منها :
النادرة : وهي الخبر القصير أو القصة القصيرة الضاحكة .
الدعابة : وهي مداعبة الآخرين بما يدعو إلى الابتسام الخفيف .
المزاح : وهو وسط بين الدعابة والضحك .
النكتة : فن من أوجز فنون القول يثير في النفس فجأة الضحك .
السخرية : من أصعب أنواع الفكاهة تحتاج ذكاء ودهاء , مثل الهجاء والسخرية محمودة إذا تهدف إلى المقاومة العادات الذميمة ولكنها مذمومة إذا كانت تنال من الآخرين والحط من كرامتهم .
الكاريكاتير: وإن كان بعض رسومه فيه سخرية من بعض الأشخاص بالكلام أو الرسم مما لا يجوز في الإسلام .
الضحك عند الحيوانات :
الضحك لا يقتصر على الجنس البشري فقط , على الرغم من ملاحظة الفيلسوف "أرسطو" التي يقول فيها : " الذي يضحك فقط هو الحيوان البشري" .
وفد يكون الفارق بين ضحك الإنسان والحيوان مثل الشمبانزي , هي التكيفات التي توضع للإنسان من أجل أن يصدر الكلام . وعلى جانب آخر كان هناك رأي لبعض الأخصائيين النفسيين المختصين بالسلوك يرجعون خروج الضحك من الإنسان يعتمد على الإدراك الذاتي بموقف افرد أو بالقدرة على التنبؤ بسلوك شخص أخر , لذا فأن الحيوان لا يضحك بنفس الطريقة التي يضحك بها البشر .
توصلت بعض الأبحاث التي أجريت عن الضحك بين الحيوانات, إلى وجود بعض الجزئيات التي تخفف من حدة الاكتئاب وبعض الاضطرابات المتصلة بالقصور في وظائف المخ وتغير في الحالات المزاجية .
1. رتبة الثدييات التي تشمل القردة (غير الإنسان) :
الثدييات بخلاف الإنسان من القردة مثل : الشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب(ضرب من القردة العليا الشبيهة بالإنسان في بورنيو وسومطرة تصدر أصواتاً للضحك استجابة لبعض الملامسات الجسدية مثل المداعبة أو لعب في شكل مطاردات أو مصارعة) .
وقد لا يستطيع الإنسان معرفة الضحك الشمبانزي لأنه في مجملة عبارة عن إخراج الأنفاس وإدخالها (الشهيق والزفير) , أي أن ضحكها شبيه بعملية التنفس أو اللهاث . وهناك أمثلة عديدة توضح أن القردة تعبر عن مرحها مثل الإنسان , حيث تم إجراء دراسة على أطفال حديثي الولادة وعلى صغار الشمبانزي والذين تمت مداعبتهم جسدياً , وعلى الرغم من اختلاف نغمة الصوت التي كانت نبرتها أعلى عند صغار الشمبانزي إلا أنهما تشابها في التعبيرات الوجهية . كما أن الطفل البشري الصغير يستثار من نفس الناطق التي تحفز الشمبانزي على الضحك تحت الإبط ومنطقة البطن ، والاستمتاع بالمداعبة الجسدية لا تقل عند الشمبانزي كلما تقدم به العمر .
2. الفئران :
تم اكتشاف أن الفئران تصدر صوتاً أثناء فترات اللعب والمرح وفي حالة المداعبة الجسدية . ووصف الصوت الذي تصدره بـ" السقسقة" وهو صوت ضعيف جداً لا يستطيع الإنسان سماعه إلا بأدوات خاصة . كما تم اكتشاف أن الفأر مثل الإنسان يستثار بالمداعبة الجسدية من خلال جلده في مناطق معينة من جسده, وهذا الضحك مرتبط بوجود مشاعر وعواطف وروابط إيجابية بين الحيوان وبين الإنسان الذي يقوم بمداعبته مما يؤدي إلى بحث الفأر عن مزيد من هذه المداعبة .
ووجد أن الاستجابة الإيجابية لمزيد من المداعبة ترجمت في شكل رغبة الفئران في مزيد من المرح واللعب وفي قضاء وقت أطول مع الفئران الأخرى الضاحكة.
وعلى عكس الشمبانزي , فكلما تقدم العمر بالفئران كلما قلت حساسية الجلد عند المداعبة الجسدية . وقد قام كلاً من (Jack Panksepp & Jeff Burgdorf) بعمل بحث لتتبع المنشأ البيولوجي للفرح وللعمليات الاجتماعية في المخ من خلال مقارنة الفئران بمجتمع الأطفال الصغار وممارستهم للمرح في مناخ اللعب . وعلى الرغم من عدم مقدرة البحث على إثبات أن الفئران لديها روح المداعبة , إلا أنهما أشارا إلى قدرة الفئران على الضحك والتعبير عنه .
وفي دراسة أخرى , تم التوصل إلى أن الفئران تصدر أصوات "السقسقة" قبل لعب المصارعة أو أخذ المورفين أو القيام بممارسة النشاط الجنسي ويفسر هذا الصوت على أنه توقع لشيء إيجابي يتم مكافأتهم به .
3. الكلاب :
ضحك الكلاب يشبه إلى حد كبير اللهاث الطبيعي , وبتحليل اللهاث بواسطة مسمة الطيف (Spectrograph) فقد وجد أن طريقة التعبير عن اللهاث له درجات مختلفة مجموعها ينتج عنه ما يسمى بضحك الكلاب . وقد تم تسجيل الأصوات الضاحكة لبعض من الكلاب وبمجرد إعادة تشغيلها لهم يبدؤون في اللعب والمرح وتخفض من معدل الضغوط لديهم , كما تدعم السلوك الاجتماعي لديهم من الاقتراب واللعق باللسان .
وقد قام كل من العلماء الثلاثة : سيمونت وفيرستيج وستوري بإجراء ملاحظة على حوالي (120) كلباً تتراوح أعمارهم ما بين (4) أشهر إلى (10) سنوات من خلال إجراء مقارنة ما بين فريقين الأول قام بسماع ما تم تسجيله من ضحك الكلاب والفريق الثاني لم يقم بسماع مثل هذا التسجيل . وفي هذا البحث تم قياس السلوك التالية للكلاب : اللهاث , التذمر , سيلان اللعاب , العدو , النباح , الجلوس خوفاً من شيء أو من البرد , الاندفاع , اللعب بالمخالب ... وقد أسفرت الملاحظة عن نتائج إيجابية عند سماعهم لما هو مسجل من الضحكات , ومن هذه النتائج الإيجابية :
- انخفاض ملحوظ في السلوك المتصل بالضغوط .
- زيادة حركة الذيل في الارتفاع والانخفاض .
- حركة الوجه (كأن الكلب في حالة مرح) بمجرد سماع صوت الضحك .
- إظهار سلوك اجتماعي إيجابي بشكل متكرر .
ومن هنا توصل البحث إلى أن الضحك يزيد من هدوء الكلب , ويسهل حينها السيطرة عليهم وتلقي التدريبات .
فوائد الضحك :
قالت الخبيرة الألمانية في علم النفس والطب البشري سوساني لايننيغ إنه لا يوجد علاج مجاني وتتوفر باستمرار مدى علاج الضحك,مؤكدة على أن فائدة دقيقة واحدة من الضحك تضاهي أكثر من 45 دقيقة من الاسترخاء,وأن للضحك مؤثرات إيجابية وقيمة على مختلف أنواع الأمراض وتساعد على التعافي بسرعة.
كما توصلت دراسة الجامعة الأمريكية إلى أن الضحك أفضل دواء وان مجرد التطلع إلى حدث ايجابي مضحك أو مشاهدة تجربة مضحكة
يعزز جهاز المناعة لدى الإنسان ويقلل من موجات التوتر العصبي.
وخفض إفراز المواد الكيميائية المرتبطة بحالات القلق والتوتر والاكتئاب.
من فوائد الضحك في إيجاز:
- الضحك يفيد الجسم والعقل.
- يحقق السعادة والسلام النفسي.
- يمنحك التجدد.
- يقلل من الضغوط.
- يزيد من قدرتك على التأمل والاسترخاء.
- يقوى جهاز المناعة ووسائل الدفاع الطبيعية الموجودة في الجسم.
- يزيد من قدرتك على التحدث إلى الآخرين بلباقة.
-يطور من شخصيتك وقدرتك على القيادة.
- يجعلك تبدو أكثر شباباً.
- ينمى روح المشاركة و روح العمل الجماعي .
- يعطي الشخص الثقة بالنفس .
- ينمي قدرة الشخص الإبداعية.
-يرفع من روحك المعنوية .
- يجعلك تفكر بشفافية .
- يخرجك من دائرة الروتين.
- تتلألأ عينيك عندما تضحك وتصبح أكثر وسامة.
- يرفع من مستوى أدائك العقلي و من قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات لأطول فترة ممكنة و يقوي الذاكرة.
- يجدد الطاقة.
- يحطم طبيعتك المتحفظة.
- يذكرك دائماً بالصورة الأشمل والأعم في حياتك أي تفكر وترسم لمستقبلك.
ولا يوصى بالضحك لـ :
على الرغم من فوائد الضحك الجمة وخاصة للقلب, إلا أنه في بعض الأحيان يسبب مشاكل صحية خطيرة ومنها السكتة الدماغية وأزمات القلب , فتوجد بعض الحالات التي يوصى فيها بعدم الضحك وتجنبه .
- عقب جراحة في البطن , لأن الضحك قد ينجم عنه فك غرز الخياطة الجراحية .
- مريض الفتق .
- مريض البواسير في مرحلة متقدمة .
- مضاعفات لاضطرابات في العين .
- المرأة الحامل , وخاصة إذا كانت هناك بعض العوامل التي تهدد بعدم أمان الأم أو جنينها .
- مرض الدرن , التهاب الشعب الهوائية المزمن , مرضى عدوى الجهاز التنفسي والحالات التي يكون فيها السعال مصحوباً ببلغم والذي يؤدي إلى نشر العدوى .
الضحك غير الطبيعي :
يعي مخ الإنسان بالحالات غير الطبيعية التي يمر بها الفرد , ويستطيع التفريق بينها . وكذا الحال مع الضحك الطبيعي والضحك غير الطبيعي , حيث نجد أن الضحك المرضي إن جاز القول يكون مصاحباً للحالات التالية :
- تلف في أنسجة المخ , من الممكن أن يتسبب في حالة الضحك غير الطبيعي .
- بعض أورام المخ .
- بعض أنواع الحول .
- بعض الاضطرابات النفسية مثل العته أو الهستيريا .
- الصرع .
ومن الآثار السلبية التي يولدها الضحك غير الطبيعي " إغماء الضحك" التي يفقد فيها الإنسان وعيه من شدة الضحك .
أقوال في الضحك :
* قديماً قالوا : الضحك فرج النفس , فمتى استطعنا الضحك استطعنا الحياة .
* الأفضل أن تثير الضحك من أن تثير الاشمئزاز .
* ليس هناك من عقوبة إطلاقاً إذا جعلت الآخرين يموتون من الضحك . (مثل صيني)
* إن يوماً لا تضحك فيه هو يوم ضائع . (مثل فرنسي)
* الإنسان الذي يحب الضحك له أسنان بيضاء .
* إذا أردت أن تضحك الناس عليك فيجب أن يكون وجهك صارماً جاداً .
* إذا كانت الحياة هي الفردوس المفقود فإن الضحك هو الفردوس المستعاد . (شارل لالو) .
* إن الضحك في جوهره يشبه التفريخ للطاقة العصبية البالغة القوة التي لا تجد متنفساً آخر لها . (هربرت سبنسر)
* كما أن هناك اختلافات في اللغة من وطن لآخر هناك اختلافات في الفكاهة والنكات من وطن لأخر . (جان بياجيه) .