30‏/05‏/2010

الأمسية 29


عبد الباسط الجياش يقدم ضيفه الدكتور عبد الجواد عباس .

الدكتور عبد الجواد وهو يلقي المحاضرة .
لأول مرة في أماسي البيضاء الثقافية يعتلي الأستاذ عبد الباسط الجياش منصة التقديم ليتولى تنشيط وتقديم أمسية تدور عن القصة القصيرة في ليبيا . هذه الأمسية أقيمت يوم الإثنين الماضي الموافق 24-5-2010م , وكان ضيفها هذه المرة الأديب الدكتور : عبد الجواد عباس .. كان منتدى أماسي البيضاء الثقافي قد احتفى في السابق بالدكتور عبدالجواد عباس كروائي وأديب من مدينة البيضاء , وفي هذه الأمسية يحتفي به كمؤرخ للقصة في ليبيا فقدم محاضرة عن تاريخ القصة القصيرة في ليبيا واختار قصاصي الجبل الأخضر نموذجاً .
بدأ الأستاذ : عبد الباسط الجياش بالترحيب بالحضور وبضيفه الكريم ثم عرّفه قائلاً :
نرحب بضيوفنا الكرام في أمسيتنا رقم ( 29 ) ، هذه الأمسية تستضيف شخصية مرموقة في مدينة البيضاء وفي ليبيا ، شخصية تحمل للكلمة فكراً وتحاول أن تقتنص من البيان معنى . قبل أن نعرّف بشخصية هذه الأمسية نبدأ بتهنئة القاصّ أحمد يوسف عقيلة لحصوله على جائزة مؤسسة (ناجي نعمان) للقصة لسنة 2010م ، هذه الجائزة مُنحت له عن مجموعة( درب الحلازين). تحصّل عليها وسط (1012) مبدعاً من (51)دولة ، ومن ميزات هذه الجائزة أن يكون صاحبها عضواً فخريّاً دائماً في هذه المؤسسة .
ضيفنا هذا المساء من مواليد البيضاء سنة 1947م . تخرّج من جامعة قاريونس سنة 1979م . عمل مدرساً للآداب واللغة العربية حتى سنة 1990م . دخل سلك التفتيش التربوي واستمر على ذلك حتى عام 2000م . تحصل على شهادة الماجستير في الآداب سنة 2003م . واختتم شهاداته بحصوله على شهادة الدكتوراة في (القصة الليبية بين التقليد والتجريد) . من مؤلفاته مجموعته قصصية ( وحدي في عرض البحر) ورواية ( لقاء في غابة السرو) ،وفي التراث له كتاب (رعي الأغنام في التراث) وتحقيق ديوان الشاعر (جبريل الرعيدي). فازت قصته (سائق الشاحنة) بالتريب الثالث في مهرجان القاهرة الدولي سنة 1995م،وحُوِّلت إلى شريط سينمائي .
لدينا في هذا المساء ضيف ، وإن كُنّا في واقع الأمر ضيوفه ولا نبدأ شيئاً دونه. د.عبدالجواد عباس، يدلنا هذا الاسم على الكثير من المعاني ،ويفتح لنا أكثر من مجال للنقاش ،ويمنحنا براحاً واسعاً لنقول ونسأل ونجيب .
هذا المساء في أماسي البيضاء ندخلُ حيّزاً جديداً في نتاج هذا الأديب الناقد حيث الدراسة والتحليل والمتابعة لنتاج القصة في ليبيا .. هذا المساء مفتوح لكل الأسئلة متجاوب مع النقد ومشارك فيه . يقال إن على المرء أن يعرف شيئاً عن كل شيء لا أن يعرف كل شيء عن شيء واحد . ضيفنا هذا المساء استطاع تجاوز ذلك فعرف كيف يصف لنا الأشياء وإن تباعدت بينها السبل ، استطاع بمقالاته وكتاباته أن يصل إلينا وأن يضعنا في ذلك الحدث تحليلاً ورأياً واستنتاجاً . من سمات ضيفنا أنه يحدثك عن الذئاب والأغنام في الجبل الأخضر بنفس قدرته على تناول فنتازيا التشاؤم والقلق عند (سالم الهنداوي) مثلاً. تراه بارعاً في حديث الناس بما يفهمون في (أستاذية سائق الحافلة) دون أن يمسّ ذلك نغمة الأستاذ الأكاديمي حين يجادل في المستويات اللغوية والفنية في القصة الليبية. يتعامل باحترافية مع نتاج التراث الشعبي عند (جبريل الرعيدي) دون أن يشيح بذائقته عن ديوان (أنفاس) لمفتاح ميلود . هذا هو الدكتور عبد الجواد عباس صاحب هذه الأمسية .. تعالوا لنستمع إلى مالديه :

المحاضرة:"القصة الليبية القصيرة ، قصاصو الجبل الأخضر نموذجاً".
أولا - مقدمة: وتشمل أصل القصة في العالم ـ تعريف القصة ـ القصة عند العرب ـ بدايات القصة في ليبيا ـ عيوب القصة ـ ما يرفع قيمة القصة ـ الرواد الأوائل في القصة الليبية ـ

ثانياـ قصاصو الجبل الأخضر

أحمد يوسف عقيلة:
وتصنيفه قاص ، لأن غزارته في إنتاج القصة أكثر من اهتمامه بفنون أخرى ، كالتراث الشعبي ، فله أكثر من كتاب .. كالجراب أو حكاية النجع ـ وقاموس الأمثال الشعبية ـ وغنّاوة العلم أو قصيدة البيت الواحد ـ وخراريف ليبية .. وكل هذا قام بتوظيفه في قصصه ، فمادة القصص هي مادة التراث نفسها ، ولا يفترقان إلا في صناعة الحدث القصصي وتميزه في القصص الخاصة بطبيعة الجبل الأخضر ، ونادرا ما تخلو هذه القصص من الأسلوب الساخر المنطوي على نقد مغلف حول ايجابيات وسلبياتي العادات والتقاليد في المنطقة وضرب الأمثال بأجناس من الناس بأسلوب واقعي .. وهو عندما يضرب الأمثال يتناول الأشياء الصغيرة والبسطاء ليضرب بحالاتهم صرحا كبيرا ما وكمثال للسخرية وضرب الأمثلة على الأحوال الأحول قصة (غليان المرجل في مناقب حمد المنجل ونكتفي ببدايتها المرصعة بالسخرية والأمثلة تقول : " حمد المنجل " تقلب في عدة وظائف حكومية بطناً وظهراً ابتداءً من محاسب صغير وانتهاءً بمدير شركة لها فروعها في كل أنحاء البلاد وهو " يعرف من أين تؤكل الكتف " ويعرف أيضاً " من أين يؤكل الرأس " باختصار هو من أولئك الذين يجيدون " أكل الداعي والمداعي " والاهم من ذلك أنه يدرك أن"البقرة السوداء تدر حليباً أبيض "كان من فئة " قلال الوالي " وبقفزة غير منظورة من أهل الوالي نفسه .. ومن مصنف في خانة راقد الريح إلى عضو فاعل في خانة فوق الريح بحيث لا تطاله تقلباتها ليس هذا فحسب بل أصبحت الريح " تحطب له " وتجري بما تشتهي سفنه وتحول بقدرة قادر من " ديك أجرب " إلى ديك يبيض ذهبا .. فأحمد يوسف عقيلة يجيد بامتياز استخدام التراث في قصصه ، يجيد استخدام اللغة ، لا يستخدم أدوات العطف إلا نادرا لتكثيف الحدث وبقائه متوهجا .. أحمد يوسف عقيلة لم يكتب المقالة ولا التعليق ولا تقديم للقصص أو الدواوين الشعرية وليس هذا مأخذا .

الصديق بودوارة:
هو قاص وكاتب مقالة وإن غلبت في أدبه القصة على المقالة ، وكثير ما تكون مقالاته صرفة عن الأدب
قصصه نقدية محضة ، يسيطر عليها الغموض الشفاف والأسلوب الفلسفي والجو الفكري المتطرق إلى أشياء بعيدة وكبيرة ونظرة إنسانية واسعة عن الحياة والناس .. حتى القصص التي تبدو على سماتها المظهر الكلاسيكي هي ترمي في النهاية إلى أمور فلسفية وإسقاطية ، فهو من أصحاب ما أسميه بالرومانسية الجديدة التي لا تكتفي بالشكل الرومانسي البريء وإنما هي ممزوجة بهوس تجريدي ، فترى القصة تشتغل على تفجير اللغة ، أي تحميل العبارات والألفاظ بمعانِ جديدة غير المعاني التي عرفت بها من قبل فوظـّف في قصصه الأسطورة الخيالية التي تشتغل على الرمز ، ووظف المثل ووظف الشخصيات التاريخية لإثارة الانتباه انظر مثلا إلى قصة : (تخلف) التي يسخر فيها ممن يقومون بالفرحَ والتطبيلَ عند ولادةِ الولدِ ، وعدم حدوثِ ذلك عند ولادة البنْت ، فيستعين بشخصيات تراثية لزيادة حجم السخرية وتفخيم انتظار الأسرة وشوقها لولادة مولود ذكر فيقول : " أجيالٌ متعاقبةٌ تنتظرُ الجوابَ .. عربٌ أقْحَاحٌ .. عرب عاربةٌ وأخرى مُسْتعْرِبَة .. المناذرةُ يتقدمهم النعمانُ يتْبَعُه خدمٌ مُطِيعُون يحملون يومَ بُؤْسِهِ وسَعْدِهِ .. الغساسنةُ .. الخوارجُ .. شيعةُ علي وشيعةُ معاوية .. الأمويون أقْبَـلُوا وكذلك العباسيون .. بنو حمدان يرْفُـلُون في حُلَلٍ فاخرة من قصائد المتنبي .. حتى أُمَرَاءَ الطوائفِ .. كلُّهم ترَجَّـلُوا مسرعين .. رَبَطُوا أعِنَّةَ خُيُولِهم في أشْجَار حديقةِ المستشفي المركزي وأطْلقُوا العنانَ لإبْلِهم ترعَي في أعْشَابِها اليافعة وصَعَدُوا إلى الطابقِ الرابعِ حيثُ قسمُ الولادةِ ..." .

داود حـــــــلاق:

هذا رجل محنّك ، قاص من نوع آخر ومزاج آخر ، قصصه تبدو عليها رؤىًِ حزينة وكأنما يداوي بها همومه ، قصص متميزة بمسحة مأسوية وحسرة وبكاء على ماضٍٍِِ غير حميد .. يبدو فيها داود حلاق شخصا أنهكته الحياة وعكّر الناس مزاجه ، فهو ذو مزاج شخصي وقابلية وأسلوب خاص به وحده قد يكون قريب الشبه بأسلوب و قابلية صادق النيهوم أو خليفة الفاخري في بعض خصائصها ..ذاود حلاق يكتب القصة ويكتب المقالة الفنية وعلى وجه الخصوص المسرح والرسوم التشكيلة والموسيقى
هو قاص وباحث في التاريخ والتراث ، ورغم أن ما كتبه في التاريخ والتراث يفوق كثيرا ما كتبه في القصة ، إلا أن براعته في القصة يجعله مصنفا بين التاريخ والأدب..فقد هجر القصة مبكرا بعد نشره لمجموعته الأولى (ذات ليلة ممطرة) سنة 1973 وانكب على التأليف في التاريخ والتراث فصدر له أوشاز الأسلاف ـ ومرقص الإنجيلي ـ وعمود السماء ـ والفكر الحرفي ، ثم عاد للقصة بعد توقف سنوات طويلة فصدر له (قناص هرم ) .. وكل من المجموعتين (ذات ليلة ممطرة) و(قناص هرم) محض توثيق لما رأى وما سمع من فواجع الحرب ومآسي الإنسان وتعثره بالفقر والتعاسة والجوع والمرض بعيد الحرب الثانية .
يبدو من خلال قصصه أنه رجل محنّك قد صقلته الدنيا وجعلت عنده ما يقول ، قاص من نوع آخر ومزاج آخر ، قصصه تبدو عليها رؤىًِ حزينة وكأنما يداوي بها همومه ، قصص متميزة بمسحة مأسوية وحسرة وبكاء على ماضٍٍِِ غير حميد .. يبدو فيها داود حلاق شخصا أنهكته الحياة وعكّر الناس مزاجه ، فهو ذو مزاج شخصي وقابلية وأسلوب خاص به وحده قد يكون قريب الشبه بأسلوب و قابلية صادق النيهوم أو خليفة الفاخري في بعض خصائصها ..ذاود حلاق يكتب القصة ويكتب المقالة الفنية وعلى وجه الخصوص المسرح والرسوم التشكيلة والموسيقى .

الناجي الحربــي:
قاص وكاتب مقالة ، له مجموعة (رائحة الجوع) في القصة ، وله (حبل الغسيل) في المقالة الاجتماعية على وجه الخصوص ، وله بعض المقالات السياسية والبحوث التاريخية من الطلائع الأولى المعروفة التي عنيت بالهم الثقافي في منطقة الجبل الأخضر ، وأسلوبه في القصة يطغى عليه الدهاء الصحفي ، فما من ثمة قصة تعلن عن براءتها من حبل الغسيل ..

من مميزات قصصه في خدمة النظام السردي أنه يمتعك بالقصة حتى تسترسل فيها ثم يقطع العقدة بنهايتها في الوقت الذي تكون فيه مشتاقا للباقي ، وكأنه يقول لك خمّن أنت الباقي وتصوره كيفما يكون حلك له .. وهذا ما يطلق عليه في النقد الحديث بمشاركة المبدع في إبداعه .
وتراتبية الحدث عنده عن طريق نقلات سريعة , متجنِّبًا ما أمكن أدوات العطف , بالتعليق على الجملة وليس على الفقرة , كما هو واضح مثلاً في قصة ( لقاء ذات خريف غاضب) ، وقصة ( العدسة الخفية ) , فجملة الفقرة الأولى منها تقول: (أحسُّ بضيق) , وجملة الفقرة الثانية تقول ( امتدَّ بصره) , والثالثة (تهالك على أحد مقاعد المقهى).. في حين نجد قاصًّا آخرَ ـ على سبيل المثال ـ هو أحمد يوسف عقيلة تعتمد النقلات السردية عنده على الجملة وليس على الفقرة ..
كما يركِّز على تحليل شخصيات قصصه منذ البداية وهي طريقة لا نمطية , يمتاز بها القص الكلاسيكي الجيد في قليلٍ من قصصنا الليبية وحتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين الماضي حين بدأ التجريب يتسلَّل باستحياء . وإلقاء الضوء حول الشخصية يمكن الحدث من إعطاء الانطباع وجعله متوهجا ناميا إلى النهاية.. هذا من ناحية الشكل.
أما الموضوعات فيغلب عليها السخرية من المجتمع والناس , وعدم الاطمئنان إلي الناس وسحب الثقة منهم .
من قبيل التجريب في هذه القصص (الفانتازي) الذي يلعب فيه الحلم والخيال دوره , والذي يعتمد في نفس الوقت على الرمز الموضوعي , بتأويل يحيلنا إلى الواقع , ويتجلَّى هذا النوع في قصة (مأدبة الشيطان ) فهي قصة جامعة لما يسود في هذا العالم من فوضى عقائدية ونفسيَّة وأخلاقيَّة .

سعد موسى مهيـــوس:
قاص وكاتب مقالة وشاعر له عدة دواوين في شعر التفعيلة والغنائي والشعبي ، ملازم للكتابة منذ زمن طويل .. له مجموعة قصصية بعنوان (كلمة للقلب وكلمة للريح ) ولا تخلو هذه القصص من اللمسات الفنية التي من شأنها بسط الروعة على القصة وبعدها عن المباشرة كالتكثيف والتناص والمعادل الموضوعي .
ومع أن القصص تعتمد أسلوب الراوي العليم فإنها تعتمد أيضا المنهج النفسي فيما نراه ونحسه من تفاعلات البشر وأحاسيسهم الداخلية بحيث نرى أنفسنا أيضا في شخصيات القصص .. فالقصص في مجملها تميل إلى مخاطبة العقل الباطن وذلك من الأسباب التي أبعدتها عن المباشرة ، مع كون هذه القصص قد وقعت بالفعل أو أنها تحتمل الواقع .
وفي هذه المجموعة القصصية قدم قصة الومضة في خمس ومضات
قصصية تختلف كل واحدة منها على سابقتها في الموضوع ..ومن نماذجها هذه القصة بعنوان تشابه :" تقدم لها جميع فتيان الحي وكانوا جميعا يشبهونني ولكنها وعدتني بأنها ستختارني أنا وبالفعل اختارت أحدا غيري كانت تعتقد أنه أنا "
كما اشتغل كثير على تيار الشعور الداخلي ، أو حديث الشخصية لنفسها كما هو واضح في قصص : مذكرات في القبر ـ رائحة شيء يحترق ـ الجواب

صالح سعد يونس:
قصصه تتغنى بالجبل الأخضر .. طبيعته وبيئته وجوه ، سماءه ومطره ورياحه وغيومه .. من الوهلة الأولى في قراءة قصص صالح سعد يونس تعرف ابن بيئة من هذا الكاتب ، سرعان ما تلتقي بالخروب والبطوم والشماري .. سرعان ما تلتقي بالوديان والكهوف والمنحدرات ، سرعان ما تلتقي بألفاظ شعبية نعرفها أحق المعرفة ..
كان قد أهداني مشكورا مجموعته القصصية الأولى (صور باهتة)2001 ثم مجموعة(أنثى الرحيق)2007 فأنا أحيل عليهما كل ما أقول
هذا الكاتب مازال دائبا في العمل كمن يزرع أرضه ويحسنها بأنواع البذور
قصصه تعلن البراءة والبعد عن الدهاء ..إنها قصص تساهم في تغطية وترسيخ بيئة وعادات وتقاليد الجبل الأخضر .. يشاركه في هذا مع اختلاف الذائقة والأسلوب كل من أحمد يوسف عقيلة وعبدالسلام بدر الدين .

عبدالسلام بدرالدين:
هذا باحث وكاتب مقالة وصاحب المجموعة القصصية (المساء الشتوي)التي تعبر عن عشقه للجبل الأخضر وعمقه وأصالته فيه ، فنراه في هذه القصص يتخذ عين سائح ، فهو يشبع خواطره ويملأ عينه من عبق الجبل الأخضر ، يتوحّد ويذوب فيه مطلقا نفسه على هواها كيفما يشتهي من العبارات ، ولا يضيره تقديمها بأسلوب مباشر أو غير مباشر .. قصصه ممزوجة بمداخلاته وخواطره الخاصة وهو بالأحرى راهب الجبل الأخضر..من مثل قوله :" أما أنا فأتشمم بيئة الإنسان الأول .. أشهق وأزفر الصفاء ، وفؤادي يجول عبر النسيم المطلق " .
يعرض علينا في قصصه تأثير الطبيعة عليه دون تصنع ودون أن يختار الكلمات أو يتأنق فيها .. ومع وجود أخطاء مطبعية وكلمات غريبة ، قد تلازم البدايات دائما ولكن القصد من ورائها مفهوم .
فإذا أردت أن تتعرف أكثر على نباتات الجبل الأخضر وتتعرف على طقسه فاقرأ (المساء الشتوي) فإنه يعج بمعظمها ، وعناوين القصص تبشر بذلك ومنها : وادي العودة ـ مطلع المساء ـ فتاة وشتاء ـ الخريف ـ ليلة بيضاء ـ الجدب .

عبدالله عبدالباري:
صدر له مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان(نزيف الصمت) ، ولا يعنى هذا أنه قاص جديد ظهر فجأة ، وإنما سبق له نشرها في الصحف والمجلات منذ زمن طويل وقد ضاع بعضها فلم يضمنه المجموعة .
وقد أهداني مشكورا المجموعة إثر صدورها وتحمل تاريخ هذه السنة 2010 .. وهو بهذه المجموعة يعتبر من قصاصي الجبل الأخضر المتميزين ذلك لصراحته وشجاعته ، فقد جاء بشيء متميز بالفعل ، لأنه أدخل السياسة في قصصه لغرض الإصلاح العام والخاص وليس لغرض الهدم ، فهي تعبر عن معاناة المواطن وحاجته إلى أولويات المعاش والمأوى كما تعبر بشكل درامي كيف تلاعب الآخرون بمقدرات المجتمع وسرقة أمواله بالاختلاس واستغلال السلطة والدس والخديعة ونصب الأشراك لبعضهم البعض .
بالإضافة إلى هذا كله فالقصص لا تخلو من نظرة اجتماعية نفسية معمقة خلقتها لديه تجارب الحياة وممارسة العمل ومخالطة مختلف طبقات الناس فمن هذه القصص ما يمس الهم اليومي وما يحيق بالمواطن من منغصات وحديث النفس الذي لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة.. ومنها أيضا ما يرجوه من أمل وما يهدف إليه من خير الشيء الذي جعل من هذه القصص ثنائية الإيقاع.

فتح الله المجدوب:
هو شاعر ومخرج وكاتب مقالة وخاطرة .. ليس غريبا على فتح الله المجدوب المتصرف بكل هذه الأنواع من الأدب أن نرصد له محاولات ناجحة في القصة ، خاصة وأنه عضو هام في أماسينا ولم يتغيب عنها طرفة عين .. فقد استفاد من فن المسرح في كتابة هذه القصص ، ولكونه مخرجا ناجحا فقد وظف فن الإخراج والسينارست في تنسيق المشاهد وفي صياغة القصة .. تشعر وأنت تقرأ القصة كأنما هناك شخصية تتلقى الأوامر الدقيقة من المخرج كما في هذا المقطع من قصة الصنم : "بصق على الأرض بعد أن أحسّ بمرارة في رضابه جرّاء طعم السيجارة سيئة السمعة العالقة أبدا بفمه .. جلس على الصخرة المغروسة عنوة فوق التلة ..جال ببصره إلى الأسفل حيث الطريق الملتوي الممتد إلى ما لا نهاية .. بدأ الغروب يتشكل كالسديم ..اختلطت ألوانه في الأفق البعيد .."
فالمسرحية عبارة عن قصة ولها نفس خصائص القصة من حبكة وعقدة وزمان ومكان وفكرة وشخصيات ، إلا أن الشخصيات في المسرحية تعبر عن نفسها بنفسها ، بينما تعبر الشخصيات في القصة بواسطة الراوي وهي تشغل الذهن فقط بينما المسرحية دراما تشغل الذهن والسمع والبصر معا.

بعد أن فرغ الدكتور عبد الجواد عباس من محاضرته التي لم تخلُ من التشويق .. بدأ عبد الباسط الجياش في تنظيم المداخلات , فكانت كما يلي :
القاصّ : أحمد يوسف عقيلة : السلام عليكم ، أشكر الدكتور عبد الجواد على هذا الجهد الكبير – ذكر الدكتور عبدالجواد في محاضرته أن رواية زينب هي الرواية العربية الأولى ولا ألومه في ذلك لأنه من الأخطاء الشائعة ولكن الصحيح هو أن الرواية العربية الأولى هي لسيدة لبنانية وليست مصرية، ولكن مشكلة أخواننا المصريين أنهم لا يؤرخون إلا لأنفسهم ،ويحضرني في هذا الصدد مثالٌ أكثر وضوحاً من هذا وذلك أنني قرأت في سنة 2003 أو 2004م خبراً في مجلة أخبار الأدب المصريّة جاء تحت عنوان " طاغور لأول مرة في العربيّة " ومفاد الخبر أن مترجماً مصرياً ترجم للشاعر الهندي طاغور وأصدر هذه الترجمة في ديوان صغير الحجم . في حين أن الأديب الليبي (خليفة التليسي) كان سباقاً إلى الترجمة للشاعر الهندي طاغور فترجم له في ثمانينيات القرن الماضي ديواناً من ثلاثة مجلدات . وهو موجود في كل أنحاء الوطن العربي !!!!!!.
القاص والمخرج المسرحي ،فتح الله المجدوب : أشكر الدكتور عبد الجواد عباس لأن دراسته قد شملتني – قصتي ( الصنم) التي شملتها الدراسة كانت من وحي واقعة طريفة حدثت لضيفنا هذا المساء الدكتور عباس وتتلخص هذه الواقعة في أنّ الدكتور عبدالجواد كان من هواة السباحة والغطس ،وذات مرةّ أثناء ممارسته لهذه الهواية عثر على جرّة كبيرة غارقة في الرمال في قاع البحر فحاول أن يجرها إلى الشاطيء ولكنها استعصت عليه لثقلها , فقرر أن ينصرف ليحضر أداة تمكنه من تهشيم الجرّة وإخراج ما بداخلها فلما انصرف وعاد أضاع مكان الجرة ولم يعثر عليها .
هذه الواقعة الطريفة هي التي أوحت لي بكتابة قصة الصنم التي أهديتها له – في الحقيقة كنت أحتكم للدكتور عبد الجواد عباس كتابتي للقصة ،كنت أراقب ملامحه وهو يقرأها فإذا استحسنها فرحتُ بذلك – كان كثيراً ما يصحّح أخطائي ويرشدني ويمدني بالمعلومات المفيدة في هذا الجانب .
الكاتب ،حمدي الزايدي : أشكر الدكتور عبد الجواد عباس الذي ذهب بنا إلى بدايات القصّة ووصل بنا إلى مرحلة عندنا فيها شباب لهم اصداراتهم ونفخر بهم كثيراً – تطرّق الدكتور إلى (خليفة الفاخري والصادق النيهوم) وصنّف ما نشروه من قصة قصيرة على أنه مقالة قصصية ،والحقيقة أن القاريء لنتاج الفاخري والنيهوم يتضح له أن الحالة الصحفية في السبعينيات هي مَن فرض هذا النوع من الكتابة فعندما نذكر الكتابة في السبعينيات فإننا بالضرورة نذكر صحيفة الحقيقة –،كتب الفاخري والنيهوم في هذه الصحيفة بشكل مستمر ولذلك فإن لغة الصحيفة فرضت عليهما المقالة القصصية – لقد حاولا أن يتناولا هموم الناس بشكل قصصي غير مرهق في القراءة ويتناسب مع حجم الصحيفة – عندنا هنا في الجبل الأخضر بدأ هذا النوع من الكتابة في الظهور في فترة سابقة من خلال صحيفة أخبار الجبل حيث تراجعت المقالة الصحفية أمام المقالة القصصية التي أعتبرها معززاً للقصة القصيرة باعتبارها لغة سهلة تسهل على القرّاء التواصل معها – أنا أؤكد على أن وجود الصحيفة دائماً هو مدخل للمقالة القصصية أو القصة القصيرة ذات طبيعة المقالة – أما فيما يتعلق بتعظيم المصريين لأنفسهم ففي اعتقادي أن ذلك راجع إلى عجز الآخرين وقصورهم في أن يقدّموا أنفسهم فوجهوا هذه التهمة إلى المصريين – نحن نحتاج إلى الآليات التي تستطيع أن تقدّم نتاجنا الأدبي بشكل يفرض نفسه على الساحة والعربية.
الشاعر ، أ. عبد الله علي عمران : في إطار شكري للدكتور على المحاضرة سأعرّج على القضية التي أثيرت وهي قضية أيُّ الرّوايات أول صدوراً ، إن ما نفتقده في ليبيا حقيقة هو التأريخ للقصة الليبية – أنا أتفق مع حمدي الزايدي فيما ذهب إليه من أننا عجزنا عن نشر نتاجنا الأدبي كما يجب ، فليس العيب في أن يشيد الآخرون بأنفسهم بل العيب في أننا لا نملك مرايا نرى فيها أنفسنا – أنا أستغرب من الدكتور قوله بأن القصة الغربية تأثرت بالقصة العربية فمن وجهة نظري لا وجود لشيء اسمه قصة عربية قبل حملة نابليون بونابرت على مصر – كانت القصص العربية ترد لإثبات حدث ما أو قضية ما ولم يكن القصد منها هو سرد الحكاية ولذلك نجدها تخلو من الجوانب الفنية الواجب توافرها في كتابة القصة – القصة والرواية جاءتنا من الغرب ولم يكن للعرب أي إسهام فيها – هناك قضية أخرى حساسة وهي قومنة الفكر كأن نقول الفلسفة اليونانية أو الفلسفة الألمانية فهل يجوز ذلك ؟ الخطورة تكمن في أن يكون هذا التصنيف معياراً لجودة الفكر، هذه القضية لاحظتها لدى الدكتور عبد الجواد عباس وقد أشار إليها ضمناً ، فهل الحديث عن البيئة شيئاً إيجابيّاً للقصة؟ ، إذا كثر حديث كاتب ما عن بيئته هل سيكون ذلك لصالح كتابته؟ من وجهة نظري فإنني قد أطرب لديستوفسكي عندما يحدثني عن أي شيء ولا أطرب لكاتب يحدثني عن بيئتي – هل يجوز أن نعطي جنسية للفكر ؟ .
د. محمد الطيب خطاب : هذه قضية جدلية فكثير من العرب يؤصّل القصة بأن لها جذور عربية ومن ثم يربطها بالمقامات وما فيها من حبكة قصصية ، ولكن البعض الآخر يرى أن المقامات لم يكن هدفها هو القصة بذاتها – أنا دائماً أقول أن التراث الليبي مغبون إلى حدٍّ كبير في الأعمال الفنيّة من دراما ومن قصص وغير ذلك ، رغم غِنى هذا التراث وتعدد أبعاده ودلالاته ولا أعلم السبب هل هو جهلنا بهذا التراث أو أن الكتّاب الذين تناولوه لم يكونوا قريبين منه بالحد الذي يمكنهم من فهمه واستيعابه ؟ - أعتقد أن الجيل الجديد من أمثال أحمد يوسف وغيره استطاعوا أن يجسّدوا هذا التراث وأن ينصفوه لأنهم فهموه أولاً ثم كتبوا عنه .
الكاتب . سعد موسى : أشكر الدكتور عبد الجواد عباس شكراً جزيلاً لأنه رغم انشغاله بشؤونه الخاصة إلا أنه يحمل همَّ الآخرين ويقرأ نصوصهم ويُقدّمهم للناس – أتساءل إن كانت للدكتور نيّة في إصدار موسوعة بهذا الخصوص .
الشاعر . مفتاح ميلود : قليل هم الذين يرصدون إبداع الآخرين والدكتور عبد الجواد يأتي في مقدمتهم – انجذاب أحمد يوسف للبيئة ليس انجذابا لها في حدّ ذاتها ولكنه يوظف هذه البيئة في تقنيات بناء القصة – يعكس ثقافة وفكر البيئة التي ينبثق منها النصّ , فالبيئة عند أحمد يوسف لا تشارك في الحدث ولكنها خلفية للأحداث .
الفنان التشكيلي،عبد العالي عمر شعيب : أصعب ما يواجهه النقد أن العناصر التي ينتقدها لا ترقى لمستوى النقد ، وذلك يدفعه المجاملة والمواربة وحالات الترقيع – يُفترض أن لا يُنشر كتاب إلا إذا كان جديراً بالنشر- الأشجار والوديان والجبال هي جزء من البيئة وليست كل البيئة،وحياة المبدع وما يتخللها من أحزان وأفراح ورضى وغضب وعُقد ومزاج كلها جزء آخر من البيئة وكلها تقف وراء نتاج المبدع – هل نحن فعلاً في حاجة إلى الكتابة والقراءة والرسم ؟ أم أنها مجرد مجاراة للعالم من حولنا ؟ لابد أن تكون الثقافة هي الدافع الحقيقي لكتاباتنا ونتاجنا الأدبي والفني – الثقافة ليست مجرد قراءة وكتابة الثقافة همّ .
الشاعر ، مفتاح بوعريقيب : لست من كُتّاب القصة ولست متابعاً جيداً لها ولكنني أحببت أن أشكر الدكتور عبد الجواد عباس على تشجيعه لأبنائه المبدعين وفي هذا الصدد أتذكر لقائي بالدكتور عباس ، كان ذلك منذ زمن بعيد وكنت حينها أروي الشعر عن جدّي وعن غيره من الشعراء فلما سمعني الدكتور عبد الجواد عباس قال لي : أنت تروي الشعر بشكل جيد وأنا أتنبأ لك بأنك ستكتب الشعر يوماً ما وستكون شاعراً جيداً . وبعد سنوات من هذا اللقاء كتبتُ الشعر وشاركت في العديد من المسابقات وتحصلتُ على تراتيب متقدمة كان آخرها حصولي على الترتيب الأول في مهرجان الشعر الجامعي الذي أقيم في مدينة سبها الأيام القليلة الماضية .
بعد أن انتهت مداخلات الحضور تحدث الدكتور عبد الجواد فقال :
نحن نكتب القصة لأنها تمثل اتجاهات شعب واتجاهات ذوق ولكنها تخضع للنوازع الشخصية فمنهم من يكتبها في يوم ومنهم من يكتبها في أشهر – أنا كتبت وسأظل أكتب عن المبدعين في الجبل الأخضر وفي ليبيا هذا أحد أبرز همومي الأدبية – سأحاول أن أوسع دائرة البحث وأسوغ ذلك في موسوعة كبيرة حتى تعم الفائدة – ليعذرني من لم أتناوله بالدراسة وعذري في ذلك أن الذين شملتهم الدراسة كانوا قد أهدوني نتاجهم فتمكنت من الاطلاع ليه ودراسته – أشكر منتدى أماسي البيضاء الثقافي على استضافتي للمرة الثانية .

المداخلون :

القاص : أحمد يوسف عقيلة .

المخرج المسرحي والقاص : فتح الله المجدوب .

الكاتب : حمدي الزايدي .

الشاعر : عبد الله علي عمران .

الدكتور : محمد الطيب خطاب .

الكاتب : سعد موسى .

الشاعر : مفتاح ميلود .

الفنان التشكيلي : عبد العالي عر شعيب .

الشاعر : مفتاح بو عريقيب .
وجوه من الحضور :










































هناك 10 تعليقات:

  1. الأخوة القائمين على منتدى أماسي البيضاء
    لكم جزيل الشكر والتحايا لما قدمتموه لنا من وجبة دسمة تحتوي الثقافة والأدب والشعر والموسيقى والمسرح
    ولكن لماذا التوقف على ناصية المتعة ؟
    لماذا الجمود بعد إنطلاقتكم الصاروخية الجميلة ؟
    لماذا هذا الخذلان الباهت لنا نحن من تذوق موائدكم العامرة ؟
    اخوانكم في الغربة

    ردحذف
  2. http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89_%D8%A3%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B6%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A

    ردحذف
  3. تحياتى لكم ع المجهود :)

    ردحذف
  4. Thanks for it .. I hope the new Topic is always

    ردحذف
  5. Le succès .. J'espère que le nouvel écran est toujours

    ردحذف
  6. Dank den Themen .... Ich hoffe, mehr von den Themen

    ردحذف

  7. مدونة مميزة
    كل تقدير واحترامى لكم ... :)

    ردحذف