28‏/08‏/2009

الأمسية 13

الشاعر مفتاح ميلود-إلى اليسار - يقدم القاص صالح سعد يونس


القاص صالح سعد يستعرض بعضاً من قصصه

سعد موسى . أول المعلقين .

أ.ناجي الحربي

د . عبد الجواد عباس
القاصّ : علي بوحرارة .

المخرج : فتح اللله المجدوب, والدكتور : عبدالجواد عباس

بعد الأمسية ( تمر وحليب ) وبعض التعليقات .

بإدارة الشاعر مفتاح ميلود,بدأت الأمسية القصصيّة التي أقامها منتدى أماسي البيضاء الثقافي في السابع من شهر رمضان الموافق 27- 8-2009م . على تمام الساعة الحادية عشر مساءاً للقاصّ الليبي صالح سعد يونس .
بدأ مفتاح ميلود بالترحيب بضيفه القاصّ وبالحضور, وقبل أن يبدأ في استعراض السيرة الذاتية لضيفه ترك للقاص صالح سعد يونس فسحة من الوقت ليرحب هو أيضاً بالضيوف ويتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في تشكيل شخصيّة القاصّ لديه.وأثنى على الجهد المبذول في منتدى الأماسي والذي من شأنه يضمن استمرار الحراك الثقافي في مدينة البيضاء.

بعد ذلك استعرض مفتاح ميلود السيرة الذاتيّة لضيفه والتي يظهر من خلالها مدى مثابرة القاصّ صالح سعد يونس ونشاطه,هذا النشاط الذي أثنى عليه أغلب الحضور. ثم ترك مفتاح ميلود ناقل الصوت للقاص صالح سعد يونس فباشر بقراءة عدّة نماذج من قصصه القصيرة فكانت على النحو التالي : الكاتب والعجوز سدّينا – موكب حضرة المسؤول – العودة – الكنز – الرّحى – الناطور .
وبعد أن فرغ القاصّ من استعراض نماذجه القصصية بدأ الشاعر مفتاح ميلود بإتاحة الفرصة للراغبين في التعليق,فكانت التعليقات على النحو التالي :
1 – سعد موسى امهيوس : القصّة غير الشعر من حيث الإلقاء وتفاعل المتلقي .
2 – الكاتب : ناجي الحربي : القاصّ يستعمل اللهجة العاميّة بكثرة في نصوصه وفي ذلك عيب وميزة فأما العيب فيكمن في أن الإكثار من اللهجة العامية في القصة قد يقف عائقاً دون الانتشار لا سيما عند مَن لا يجيدون فهم معاني هذه اللهجة. أما الميزة فهي أن اللهجة العامية تؤكد قاموسنا الشعبي وتسوّق له. – القاص كاتب مسرحي لم يكتشف نفسه بعد .- القاصّ مثابر وله طموح مميز.
3 – الشاعر عبد الله عمران : يجب أن نحدد ما نريد من اللهجة وظيفيّاً – من المفترض أن القصة تكون موجّهه للمثقفين فما هو مبرر استخدام اللهجة ؟.
4 – د – عبدا لجواد عباس : احتفاء القاص بالبطّوم والخرّوب وبالأمطار على صفائح الزنك هو ترسيخ لبيئة الجبل الأخضر. – أعجبتني للقاصّ قصّة (الأم) التي تضمنتها مجموعته القصصية الأول(صور باهتة),فقد كانت قصة رائعة اتسمت بالواقعية واعتمد القاص فيها أسلوب الراوي العليم .
5 – القاص علي بوحرارة : كنت أعرف القاص وهو لا يزال في بدايته وكنت كثير النقاش معه حول نتاجه القصصي , والآن أستطيع أن أقول أن القاص صالح سعد يونس قرأ كثيراً واطلع كثيراً وانعكس ذلك على كتابته للقصة فشكراً له على ما سمعناه الليلة .
6 – الشاعر مفتاح ميلود : لاحظت أن اللهجة العامية التي استخدمها القاصّ كان يوظفها في السخرية فقط .

وبعد انتهاء التعليقات باشر صالح سعد يونس بالردود عليها فكان ملخص ما قاله هو : إن إلقاء القصة أجده أصعب من الشعر,وقد فكرت جاداً قبل هذه الأمسية أن أستعين بممثلين مسرحيين من أجل أداء بعض الأدوار ولكن الوقت لم يكن كافياً – الحوار بين الشخصيات المحلية يفترض أن يلقى باللهجة التي درج عليها الناس – سبق لي أن كتبت نصّاً مسرحيّاً ولكنني خفت من خوض التجربة فلم أعلن عنه. – أما عن السخرية في إثارة المواضيع فأنا لست ضدها.

السيرة الذاتية للقاصّ :
* صالح سعد يونس
* مواليد مدينة البيضاء – 1975
* حاصل على ليسانس آداب – جامعة عمر المختار – البيضاء – 1998
الكتب الصادرة :
1 – صور باهتة – قصص قصيرة – طبعة أولى – 2001
2 – الحجر الأصفر – قصص قصيرة – طبعة أولى – 2006
3 – أنثى الرحيق – قصص قصيرة - طبعة أولى - 2007
المخطوطات :
1 – امرأة خاصمها القدر – (رواية ) في انتظار الطبع .
2 – البوح بتباريح العشق والوجع –( خواطر ) في انتظار الطبع .
3 – وردة الخريف – رواية
4 – مخالب القهر والجوع والعطش – رواية
5 – طقوس الحب والحرمان – رواية
6 – قطعة حلوى – (قصص قصيرة ) في انتظار الطبع.
7 – قاموس اللهجة البرقاوية – دراسة مقارنة مع اللغة العربية الفصحى
8 – حفنة من التبر – محاولة أولى للمعرفة
9 – مختارات من أقوالهم – حكم وأمثال وروائع
10 – روائع التراث - نظرة في العادات والتقاليد والآداب والفنون والمقتنيات البرقاوية
برامج إذاعية أعدها الكاتب :
1 – برنامج آفاق ثقافية – لإذاعة الجبل الأخضر المحلية المسموعة .
2 – برنامج محطات قصصية – لإذاعة الجبل الأخضر المحلية المسموعة .
محطات هامة :
الفوز بدرع التميّز حول أفضل مجموعة قصصية صدرت بليبيا خلال عام 2006 وذلك عن مجموعة ( الحجر الأصفر ) في الاستفتاء الذي نظمته قناة الجماهيرية الفضائية بالتعاون مع قناة المعلومات عبر برنامج ( مع السهرانين ) خلال شهر رمضان 2006 .
المواقع :
· مدونة البوح بتباريح العشق والوجع :
www.wajaa.maktoobblog.com

نماذج من قصصه :
القصة الأولى : موكب حضرة المسؤول
(1)بإدارة الشاعر مفتاح ميلود,بدأت الأمسية القصصيّة التي أقامها منتدى أماسي البيضاء الثقافي في السابع من شهر رمضان الموافق 27- 8-2009م . على تمام الساعة الحادية عشر مساءاً للقاصّ الليبي صالح سعد يونس .
بدأ مفتاح ميلود بالترحيب بضيفه القاصّ وبالحضور, وقبل أن يبدأ في استعراض السيرة الذاتية لضيفه ترك للقاص صالح سعد يونس فسحة من الوقت ليرحب هو أيضاً بالضيوف ويتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في تشكيل شخصيّة القاصّ لديه . وأثنى على الجهد المبذول
ثلاثتهم كانوا جالسين بالـ (مربوعة) منتظرين بشوقٍ قدوم (عبد الباري) الذى ألحق بـ ( موسى)و(محمد)ليلة البارحة ثلاث هزائم نكراء متلاحقة .
محمد .. الذي هو صاحب البيت الليلة كان الأكثر قلقاً وهو يباصر ساعته .. بينما موسى كعادته يستذكر أحداث الليلة الماضية ويقذف بها دون اكتراثٍ لما يفعله الآخران وهو يستند بمرفقه الأيمن على طرف الصالون ويتسلى فى الوقت نفسه بتنقية أسنانه بمزقةٍ من علبة التبغ .. فى حين يقلِّب (( حميد )) الورق بين يديه فى محاولةٍ لمجاراة القلق الذى استبد به إثر تأخر زميله .
قفز محمد متجهاً صوب الباب وهو يردد :
لقد حضر أخيراً .
أرهف الآخران السمع فتيقنا حين سمعا صوت سيارته وهى تلعلع وتزقزق من بعيد .
رجع محمد ومن خلفه بطل البارحة بشعره الأكرد وقميصه الذى كان ذات يومٍ أبيض .. ثم صار كتلةً من ألوانٍ ورقعٍ مختلفة .. وكالعادة كان القميص قصيراً كاشفاً جزءً من بطنه مما جعل حميد يبتسم ويكرر جملته الترحيبية المعتادة :
لك سنين ما طليت .. .. .. علينا وبطنك حاسرة .
ضحك عبد الباري وجلس قبالة حميد وهو يلقى التحية .. إستدرك :
هيا يا عرب .. خشّوا الميدان .
مد المضيف رقبته من فتحة الباب وهو يصيح لآل بيته :
شاهي يا هوووووه .
تراجع .. جلس قبالة موسى وهو يزعق متوتراً فى وجه حميد :
هيا يا سي حميد .. مَشكِي
· .
(2)
لم يك عبد البارى محظوظاً الليلة فقد ألحقت به الهزائم تباعاً الأمر الذى جعله ينهض محتجاً متهماً خصميه بالغش وسرقة الأوراق .. ثم استدار خارجاً وهو يزبد فيما تطفو على شفتى محمد ابتسامةٌ خبيثةٌ كانت أكثر ما أثار أعصاب الرجل .. أدار محرك مركبته الـ(( داتسون 140 )) وانطلق عبر الشوارع لا يلوى على شىء .
كان يسكن فى أقصى طرف المدينة حيث تنهض مجموعةٌ من بيوتٍ صغيرةٍ بنيت بالحجر الأبيض وسقفت بالزنك .. لذلك فضل الخروج من زحمة المدينة وسلك الطريق الدائرى السريع .
أما العربة فلم تك صالحة للسير بالمرة .. فزجاجها الأمامي متشققٌ والخلفي مخلوعٌ تماماً .. إنارتها ضعيفةٌ بالكاد تمكنه من رؤية مقدمة السيارة .. لا مرايا جانبية ولا مقاعد سليمة .. يتعالى ضجيجها كلما ضغط على دواسة البنزين وتطلق خلفها حبلاً من دخانٍ أبيض كثيف .. فيما يتمايل هيكلها بفعل التواء أذرع الإطارات .. حتى حزام الأمان غيّر وظيفته واستخدمه لشد غطاء المحرك بطريقةٍ تدعو للدهشة .
( 3 )
فجأةً تعالى من خلفه زعيق سيارات الشرطة .. لم يك فى الوقت متسعٌ لوقف العربة إذ كانت سرعة الموكب كبيرةً
جداً .. جانبته المركبة الأولى .. حاول جاهداً السيطرة على الفرامل ولكن بلا فائدة .. كانت أضواء الفلاش تقدح بالأحمر والأزرق وصوت زعيق منبهها طغى على ضجيج الداتسون .. تكلم الشرطي عبر لاقط الصوت آمراً إياه بالتنحي لكنه لم يك بقادرٍ على التصرف بسرعة والتحكم بمقود مثل هذه المركبة أمرٌ زاده ارتباكاً .
أطلع الشرطى رأسه من النافذة وهو يشير ويعربد .. فيما عبد الباري يلتقط بأذنيه الضجيج ويلمح بطرف عينيه رأس الرجل ويديه .
فجأةً .. فرقع الإطار الأمامي الأيمن لمركبة عبد الباري .. أخذت السيارة تتمايل بعنفٍ وهو يحاول عبثاً السيطرة على المقود .. انتبه الشرطي للأمر فمال إلى أقصى الطريق وضغط على دواسة البنزين متجاوزاً إياه,مفسحاً المجال لمركبةٍ ضخمةٍ تقدمت من وسط الـ (رتل) لتتولى مهمة إزاحة عبد الباري وعربته .
تدحرجت السيارة على الخط الترابي المحاذي للطريق حتى سقطت فى خندقٍ كان قد حُفر منذ زمنٍ ثم تُرك لتتجمع به مياه الشتاء وترتاده الضفادع .
هدّأ الموكب من سرعته قليلاً .. نزل زجاج الـ (مرسيدس) السوداء التي كانت تتوسطه .. حدق الرجل فى الداتسون المنكفئة على جنبها ثم التقط جهازه المحمول ليعطى بعض الأوامر .
( 4 )
لم يتضرر عبد الباري ولم يبت بالمشفى سوى لليلةٍ واحدة .. فى الصباح .. كانت سيارة شرطةٍ تقله إلى منزله .
( 5 )
بعد يومين .. كان عبد الباري يتجول بعربته الـ (فورد) ذات اللون الأسود والزجاج الأتوماتيكى الملون والأضواء الليزرية مرتدياً بذلةً جديدةً أنيقةً ونظاراتٍ فاخرة .. بينما كان رفاق الـ(كارطة) يتجولون بعرباتهم على الطريق الدائرى منتظرين بشغفٍ وصبرٍ مرور موكب رئيسٍ أو مسؤول.



ــــــــــــــــــــــــــــ
· إخلط الورق .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الثانية : الكنز
(1)
كثيراً ما كنا نصعد أنا وشقيقي إلى علوة الـ "لب"
(1)..نستمتع بنسمات البحر..نلعب ونلهو..وقد ينضم إلينا بعض الأصدقاء..تلفح الشمس وجوهنا..تنعشنا بين الفينة والأخرى نسمةٌ باردةٌ تنفح بعبير البحر .. وكنا نسميها"ضرطة بحر"..ثم نعود في معظم الأوقات بملابس قذرةٍ إن لم تك ممزقة..ووجوهٍ مغبرةٍ وشعورٍ شعثاء مقرفة.
وقد لا ينجو أحدنا من إصابةٍ بالغة ٍإذ نعود منحدرين بسرعة كبيرةٍ مما قد يؤدي إلى تدحرج أحدنا حتى أسفل العلوة ..لكننا لا نتوب!.
(2)
ذات أحد الأصباح الصيفية صعدنا إلى قمة العلوة بصحبة صديقنا فرج .. أمامنا كان البحر مستلقٍ في سكونٍ .. وإلى خلفنا كانت تربض الـ "شعبية " ذات المساكن المتراصفة.
كنا متلهفين يشدنا شوق طفولي عظيم لألعابنا .. فقد انقطعنا عن الصعود لأكثر من شهرٍ بسبب إصابة أخي إثر تدحرجه من قمة العلوة .
في منتصف القمة .. جهة البحر ,, كانت تختبىء عدة "حْقاف"
(2) حفرت بعنايةٍ في جوف العلوة منذ زمنٍ سحيق ٍ.. وكانت إحداها مخبأ لألعابنا .
أخذنا الألعاب وعدنا إلى القمة ..طرحنا الصقورة
(3) وأخذنا نتبارى ونلعب .. من أحدها كانت تنبعث رائحة كريهة.. كان ذلك حلزوناً تسلل إلى الصقر لكنه مات واستحال لونه إلى سواد .
(3)
الأستاذ الموريتاني "علي ولد محمدي " كان يصعد العلوة عائداً لتوه من الشاطىء .. وصل إلينا وهو يلهث ويجفف عرقه بكم قميصه..جلس قليلاً يتفقد ألعابنا ..ومن بينها قطعة من الزجاج اكتسبت ألواناً براقةً بفعل تعرضها لأشعة الشمس لفترة ٍ طويلةٍ.. التقط الزجاجة بإصبعين وبدأ يمعن النظر بها .. وكنت أمد يدي إليه محاولاً استردادها بهدوء .. لاحظ خوفي فارتسمت على شفتيه ابتسامة كشفت عن لثة سوداء مقرفة . . أردف :
- أين وجدت هذه الزجاجة ؟.
- خلف هذه الصخرة الكبيرة .
نظر إلى الصخرة .. إنها بقايا كهفٍ صغيرٍ تهدم .. مسح على رأسي بلطف وهو يقول :
- ربما تكون هذه علامة ًعلى وجود كنزٍ.. إبحث جيداً فقد تجد الخريطة التي تدلك عليه .
(4)
إنفلت لساني كعادته يروي تفاصيل إنجازاتنا..من جمع أكبر عددٍ من الصقورة .. ومن بكى ومن سعل وكم ضرطة ًضرط البحر..!.
شزرت إلى جدتي بنظراتها المخيفة .. أطالت النظر إلىّ فيما أنا أتحاشى النظر إلى عينيها المشتعلتين .. نادتني هامسةً.. إقتربت.. ضمتني إلى حجرها وهي تقول موشوشةً:
- أين وجدت الزجاجة؟.
- في العلوة .. قرب الكهف .
- هل بحثتما عن الكنز .
- ...........................!.
هززت كتفي نافيا ًًفقرصتني في وركي وهي تقول متجهمةً:
- وليش ما دورتوه .. ليش .. تريدوا عيت محمد يسبقونا وياخذوه يا مضاحك ؟.
إبتعدت قليلاً وقد حنقت غيظاً.. ثم أطلقت العنان لحنجرتي .. ولم أسكت حتى أعطتني قطعةً من الحلوى .
حملنا الفؤوس .. صعدنا لاهثين ننوء من ثقل الحمل ..وحفرنا الصخر بحثا ًعن كذبةٍ كبيرةٍ.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) علوة اللب : تلة صغيرة بالحمامة الشمالية الواقعة شمال الجبل الأخضر
(2) حقاف : جمع حقفة وهي الكهف .
(3) الصقورة : جمع صقر وهي قوقعة الحلزون.









































27‏/08‏/2009

الأمسية 12

الشاعرعبدالله عمران-إلى اليمين-يسرد السيرة الذاتية للشاعر صلاح اعطير.


الشاعر صلاح اعطير أثناء إلقائه لقصائده

الفنان جمال عبدالسلام وإلى يساره المخرج شرح البال عبدالهادي

المخرج المسرحي فتح الله المجدوب, وإلى يساره الفنان التشكيلي أ. عبدالجواد العبد.

كان منتدى أماسي البيضاء الثقافي على موعد يوم الثلاثاء الخامس من شهر رمضان الكريم الموافق 2009.8.25م. مع أمسيته الثانية عشَر . فعلى تمام الساعة العاشرة والنصف مساءاً استضاف المنتدى الشاعر المتألق صلاح اعطير في أمسية شعرية دامت لساعة ونصف الساعة قدّم خلالها الشاعر خمسة عشر قصيدة من الشعر العامودي اختلفت في أغراضها ومواضيعها ونكهتها. فبعد أن فرغ الشاعر عبدالله عمران – مدير الأمسية – من تقديم السيرة الذاتية للضيف الشاعر, ترك له المجال ليقدّم( تشكيلة ) من قصائده جاءت بالعناوين التالية : اغتنم خمساً قبل خمس – النصيحة – قرشيٌّ من غزّة – المفازة – النبأ اليقين – ألا يا قلب مهلاً – نطقَ العراق – فلّوجة الأبطال – غزّة المجد – أمانٍ كاذبات – صدى الهواجس – فرية قلب – المأدبة – أبا شرّاح – مقت البخيل .
ولمّا انتهى الشاعر من قصائده أدار عبدالله عمران دفّة النقاش حول أهميّة الشعر ورسالته وموقف المتطرّفين الدينيين من الشعر ,ثم اختتم الأمسية بالإعلان عن الأمسية التالية للقاصّ صالح سعد يونس يوم الخميس السبع من رمضان الموافق 27- 8 – 2009م.

السيرة الذاتيّة للشاعر :
الاسم : صلاح علي محمود اعطير .
مكان وتاريخ الميلاد : البيضاء , 1978م.
درس الابتدائية وجزء من الإعدادية في مدينة البيضاء عبدالله بن عباس ورويفع الأنصاري,ثم التحق بجمعية الكفيف ببنغازي وتحصّل على الشهادة الإعدادية منها,واستكمل دراسته الثانوية في مدرسة الفاتح الثانوية.وقد تأثر كثيراً بمعلميها من أمثال :سعد الدلال,إبراهيم عنتر,حسن ثابت,وعلي حمودة الذين كان لهم أثر كبير على صقل شخصيته الأدبية والثقافية. ثم نوجه الشاعر صلاح اعطير من جديد إلى بنغازي ليدرس بجامعة قاريونس العلوم القانونية,وقد تحصل على الليسانس منها سنة 1999م.
امتاز الشاعر صلاح اعطير بالتنوع في أغراضه الشعرية ما بين الرثاء والحماسة والنسيب والفخر والمديح والوصف, كما أنه نظم على مختلف البحور فنظم على البحر الطويل والبسيط والوافر ومجزوئه والكامل ومجزوئه وغيرها.

نماذج من شعره :
النبأ اليقين
إذا ما كــــان صــدر اليوم ولى فــإن غـــداً , لـنـاظِــــره قــــريب
وإنّ غـداً لعـــمـــــرٌكَ يومَ يأتي ترى الطـفــــل الرّضيع له يشيب
وإنّ غــداً لَــيـأْتـي بــالــرّزايــا كما يأتي على الحـــطـــبِ اللهيبُ
فَتَرْعَى الخلقَ فيه كما السكارى وما هُـم , إنما الجَّــللُ الرهيبُ

وتذْهَــــلُ كـلُ مُـرضعـةٍ عـن ابنٍ لها , قـد كان يَصْفـو له الحليبُ
وتنتثر الكـواكـبُ في سَــمَـاهَا و تُشـــرِقُ شـمـــسُها أنَّى تَـغِـيـبُ
وتنطــمـسُ النجــــومُ فـلا تراها وكـيفَ وذاك مـوعـدُها المهيبُ
مَشــاهِـدُ إذ تُعـايُنُـهـا الـجـبـال تـصــــيّرَ صَـلـْبُها قـطــــعـاً تـذوبُ

فرية قلب
يا أيهـــا القــلبُ المُـدلِّسُ ما الذي أبرَمــتَ,ثمَّ نكــــثـتَ دون تعـفـــفِ
أبرَمـتَ,ثم نكــثتَ,ثمَّ نقـــضـتَه حـــــتى تخـــابل مِــثل مَـــسْدىً مُتلفِ
حـــتى تخـابَلَ غَـزْلهُ بَعــد المُنَى فاشْـــرَقْ بِدَمْعِكَ خَــــلِّ عينَك تَذْرِفِ
فاشْرَقْ بِدمْعـــــك ساعةً علَّ البُكَا يُنْجِـــكَ مـن جَـبَرُوْتِ يومٍ مُشْرِفِ
ينْجِــيكَ مـن يومٍ ثقـــــيلٍ دَينُهُ حانَ الســدادُ و جـاءَ وقْــــــتُكَ أنْ تَفِي
يــومٌ تَخِـــرُّ له الجـبابِرُ سُجَّـــداً أَعْـــجِــــبْ بـيومٍ وعْـــدهُ لم يُخْــــلَفِ
أتُراكَ تَجهلُ أن دَينَ السـبتِ قد يُقـْــضَى إليكَ متى ترى السبتَ اقتُفِي
سلِمَتْ منَ الكسْرِ العظامُ وأنتَ لــــم تسْلَمْ عظامكَ دونَ كسْرٍ مُجْحِفِ
عـجَباً لِقَــلْبٍ هَـــمُّهُ شُـرْبُ القــذى فصـفــاءُ مــــاءِ الورْدِ لـمّا يـألَفِ
يا قـــلبُ ما ضرَّ اتِّــعاظُــكَ بالذي في كــلِّ يومٍ يســـــــتــــبينُ ويخْتَفي

ما ضَرَّ لو أقــــــسَمْتَ أنْ لا تكْذِبنْ و صدَقْتَ يومَ عرفْتُ أو لم أعرِفِ





07‏/08‏/2009

الأمسية الحادية عشر



الدكتور : عبدالجواد عباس , وإلى يساره القاص: صالح سعد يونس.


الأستاذ: الناجي الحربي أثناء سرده لسيرة الضيف الذاتية،وسرد ذكرياتهما معاً.

الدكتور: عبدالجواد عباس ضاحكاً من إحدى قفشات الحربي .

الدكتور : عبدالجواد عباس أثناء حديثه عن تجربته القصصية


أقام المنتدى أمسيته الحادية عشر يوم الاثنين الموافق : 25-5-2009م. وكان الدكتور الأديب عبد الجواد عباس هو الضيف المُحتفى به في هذه الأمسية التي انبرى لتقديمها القاص : صالح سعد يونس . وكالعادة استـُهِلت الأمسية بسرد السيرة الذاتية للضيف الأديب عبدالجواد عباس وقد تكفل الأستاذ الكاتب الناجي الحربي بهذه المهمة وذلك بسبب علاقته الشخصية الوثيقة بالضيف من جهة , وبسبب اطلاعه بشكل واسع على تجربة الأديب عبدالجواد عباس .وربما لهذا السبب استفاض الناجي الحربي في سيرة الأديب على البداهة من دون الاستعانة بورقة مُعدّة لهذا الشأن . وكعادته دائماً لم تخلُ كلمة الناجي الحربي من بعض المناوشات الودودة للضيف أثناء سرده لسيرته الذاتية .
وبعد أن فرغ الناجي الحربي من كلمته , بدأ الدكتور عبدالجواد عباس بتوجيه الشكر للحربي , وبالثناء على أسرة المنتدى وجهدهم المبذول . ثم أكد على أن هناك عدّة مؤثرات كانت وراء تجربته القصصية من بينها المعاناة والدهشة والطفولة وثراؤه العاطفي بالإضافة إلى تجربته في الحياة وكثرة ما قرأه من شعرٍ ونثر .
ثم خالف الدكتور عبدالجواد عباس المألوف والسائد في مثل هذه الأمسيات فسرد مختارات من رواياته باللهجة الليبية بدلاً من قراءتها بالفصحى وذلك حتى لا يتسرب الملل للحضور بسبب طول الروايات, وقد وفق في ذلك إلى أبعد حد حيث استطاع أن يضفي على الأمسية نكهة أخرى ومذاقاً مغايراً وجعلها ( لمّة عائلية ) أكثر من كونها أمسية رسمية . واختار لهذا الغرض ثلاث من رواياته ألقاها على التوالي وهي : وحدي في عرض البحر – حارس المنارة – يوميات من المعتقل .
ثم بعد ذلك بدأت مداخلات الحضور والتي كان أبرزها مداخلة الفنان التشكيلي والمخرج المسرحي عبدالعالي شعيب,ويمكن تلخيص مداخلة عبدالعالي فيما يلي : شكراً للضيف على الطرح والقراءة الأخرى للرواية.- ما سمعناه هو روايات اجتماعية والمؤلف نقلها وترجمها في شكل أدبي . – أما على صعيد التقنية فالضيف متخصص في اللغة العربية ولكنه رغم بساطة أسلوبه تظهر منه تحديات للغة تبرز في بعض الكلمات القاموسية.
كذلك شارك الدكتور العراقي جعفر حسن الطائي بمداخلة قيّمة اشتملت على عدة ملاحظات من بينها: طابع الألم يميز كتابات الضيف , وتساءل عن السبب؟. – كما تساءل عن سبب قراءتنا بتركيز للكتاب من خارج الوطن مثل ماركيز على سبيل المثال ,رغم أن وطننا يزخر بالكتاب الجيدين الذين لا تحتفظ ذاكرتنا بنتاجهم.- وأكد الدكتور جعفر على ملاحظتين هامّتين ,وهما : - غياب العنصر النسائي. - وعدم الانتشار الواسع لكثير من الأسماء الليبية اللامعة محلياً.
وبعد أن فرغ الدكتور عبدالجواد من ردوده على المداخلات ,اختتم القاص صالح سعد يونس الأمسية متمنياً للجميع التوفيق والاستمرارية في إثراء الحركة الثقافية تحت مظلة منتدى الأماسي .

السيرة الذاتية:
· - من مواليد مدينة البيضاء سنة 1947م.
· تحصل على ليسانس آداب من جامعة قاريونس سنة 1977م.
· اشتغل بالتدريس بالمدارس الإعدادية والثانوية في مجال اللغة العربية وآدابها حتى سنة 1990م.
· واصَلَ العمل التعليمي كمفتش حتى سنة 2000م.
· تحصل على درجة الماجستير في الأدب( اتجاهات القصة الليبية القصيرة ما بين عامي 1957- 1987م ),وذلك سنة 2003م من جامعة عمر المختار .
· بدأ في التدريس الجامعي في مادة تخصصه في كل من : البيضاء – المرج – الكفرة – القبة.
· تحصّل سنة 2007 م من جامعة قاريونس على درجة الدكتوراة في الأدب الحديث ( القصة الليبية من التقليد إلى التجريب ) .
مؤلفاته :
· ألف مجموعة قصصية بعنوان ( وحدي في عرض البحر ) , صدرت عن الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع سنة 1991م . كما صدرت له رواية بعنوان ( لقاء في غابة السرو) عن دار نقوش عربية بتونس سنة 1998م. وصدر له كتاب في التراث بعنوان ( رعي الأغنام في التراث ) عن دار الجبل الأخضر للطباعة سنة 1992م. كما اشترك مع الأستاذ عبد الله عقيلة في تأليف كتاب ( اسلنطة المكان يتحدث ) الصادر سنة 2001م عن مطابع الثورة ببنغازي . كما قام بشرح وتحقيق ديوان الشاعر جبريل الرعيدي والمعنون بـ ( جبريل الرعيدي في قصائد الحرب والحنين والشكوى ) سنة 2000م , وأعدّه إسرافيل الرعيدي .
· له مخطوطات منها : ( البيضاء وتذكرات صبيّ الخمسينات ) ومجموعة قصصية بعنوان ( ثروة أمي ) . وكتاب منهجي بعنوان ( توضيحات إملائية ) .
جوائزه :
· فازت قصته ( سائق الشاحنة ) بالترتيب الثالث في مهرجان القاهرة الدولي سنة 1995م بعد تحويلها إلى شريط مرئي.
نشاطاته الأدبية:

· كتب في الصحف والمجلات عن مجموعة كتاب وشعراء عرفهم أو قرأ لهم , منهم : أحمد رفيق المهدوي – خليفة التليسي – أحمد الشارف – صادق النيهوم – إبراهيم الأسطى عمر – خليفة حسين مصطفى – حسن السوسي – طالب الرويعي – علي صدقي عبد القادر – عبدالرسول العريبي – أحمد يوسف عقيلة – الصديق بودوارة – الناجي الحربي – مفتاح ميلود – صالح سعد يونس – مفتاح الشاعري – سالم الهنداوي – جمعة عبدالعليم – جمعة الفاخري – علي الفزاني – عبدالله هارون – عوض الشاعري – أحمد الفيتوري – رجب الماجري – سليمان كشلاف – عبدالحميد بطاو – داود حلاق – علي مصطفى المصراتي – إبراهيم الكوني – عبدالله القويري – صالح السنوسي – علي الخرم , وغيرهم . وسيضمهم مشروع كتاب بعنوان ( أدباء ليبيون ).
· كتب عنه : الناجي الحربي – محمد بوسويق – عبدالرسول العريبي – عادل عبدالواحد – فوزي البشتي – بالقاسم صميدة – وإسرافيل الرعيدي .

نموذج من روايات الدكتور الأديب عبدالجواد عباس :
حارس المنارة
كانت الطائرات تقصف المدن وبعض القرى العامرة بالسكان,وقد ألقت ببعض قنابلها إلقاء عشوائياً على بعض الأماكن الخالية. إحدى القنابل وقعت في المياه الضحلة بالقرب من بيت مصطفى. لقد أحدَثت دويّاً هائلاً حتى كسرت صخور المنطقة الأثرية المغمورة في الماء , ورمت ببعض الرمال وحشائش البحر إلى الشاطيء.
كان مصطفى يقيم في بيته المتواضع بجوار الشاطيء , ومن حسن الحظ أنه لم يُصب بأذى .إنه بيت ملحق بالمنارة,له سور عتيق تعشش فيه الطيور , جانبه الشمالي غير مشيّد ,فماء البحر يقوم بالحماية.
البيت والنواحي القريبة منه يُوحيان بجَمَالٍ مُريح يليق بسكن شاعرٍ أو رسّام يستلهمان فنهما من المنظر الجذّاب حيث الهدوء والنسيم العليل.
كان مصطفى راضياً عن حياته تمام الرضا, فهو شغوف بالبحر وقد واتته الفرصة ليحصل على عمل يرضي حبه هذا,إنه أقصى ما يتمناه,ولذلك تراه متفتح النفس على الحياة وعلى الناس, فهو يعيش في وئام تامّ مع أسرته ومع الآخرين ,خاصة أن حراسة المنارة ليست عملاً مُرهقاً بل يصبح مع مرور الأيام عملاً عاديّاً وكأن الإنسان يعمل في بيته. يمضي في الصباح نحو شِباكه وخيوطه التي كان قد ألقاها في الماء قبيل الغروب, وكثيراً ما ترافقه زوجته وابنهما الصغير. يُبقي من صيده لنفسه ويحمل الباقي لبيعه في سوق القرية.
كان هذا دأبه,لا يأبه لفقر ولا يطمع في غِنى إلى أن جاءت تلك الأيام التي تردد فيها أحد الرعاة سائلاً عن مصطفى إن كان موجوداً أم لا,فتجيبه زوجته بأنه غير موجود,فيسوق غنمه لترعى قريباً من الشاطيء,بل هي البقعة الوحيدة التي وقعت عندها القنبلة,ويمكث هناك ساعة من نهار مما أدخل الريبة في نفس المرأة التي أخبرت زوجها بتردده على تلك المنطقة,فقال لها: إن سألك غداً عني فقولي له غير موجود.
اختبأ مصطفى في بعض الشجيرات وترقب قدوم الراعي, وما هي إلا فترة انتظار قصيرة حتى جاء يسوق قطيعه سوقاً حثيثاً ويتجه نحو بقعته المفضلة بعد أن علم بغياب مصطفى.
خرج مصطفى من مخبأه وأخذ يرقبه من بعيد,رآه يلتقط شيئاً ويضعه في جيبه بعناية فلم يُثر ذلك اهتمام مصطفى أول الأمر,ولكن الراعي كرر ذلك عدّة مرّات بتلهف وحِرصٍ شديدين,يتلفت ويتحرك هنا وهناك ونظره لا يفارق الأرض,فتارة ينبش في الرمال,وتارة أخرى يقف في الماء ويستمر في الالتقاط.اقترب مصطفى أكثر وبقي يرقبه عن كثب حيث توارى خلف صخرة وأخذ يختلس النظر,رآه ينحني ويُمسك بشيء ويهم بوضعه في جيبه الداخلي ولكنه يقع منه على الحصى محدثاً رنيناً مسموعاً,وقبل أن يُعيده الراعي من جديد كان مصطفى أسرع منه في التقاطه. كان معدناً أصفرَ عليه بعض الشوائب,ولكنها لم تفقده لمعانه,إنه من الذهب الخالص,لقد كان عملة في زمن غابر.
وبينما مصطفى يتأمل القطعة كان الراعي قد تسمّر في مكانه ولعله ارتبك ولم يدر ما يقول,فالتفت إليه مصطفى وقال:إذن كنت تخفي هذا السرَّ عني طيلة الأيام الماضية. قال الراعي هو يتلعثم:لم أجد إلا العدد القليل. قال له مصطفى على الفور:هذا من أثر القنبلة على المنطقة الأثريّة داخل الماء,والمنطقة الأثريّة والساحل والمنارة تحت حراستي. كان عليك إبلاغي بالأمر,إني لا أدري كم أخفيت من القطع... جميع مناطق الآثار مناطق محمية ومحظور تنقيبها.. واستمر مصطفى في وابل من اللهجة الحادّة دون توقف,وقال للراعي:سأبلغ عنك,سيفتشون بيتك,ستُصادر أغنامك,سوف تقضي بقية أيامك في السجن.
تضايق الراعي من حديث مصطفى وقال:لا,لا تبلغ عني,لم أجد سوى عشرين قطعة,ها هي في جيبي أرجوك أنا في غِنى عن هذه المتاعب. عندها هدأ مصطفى وقال:حسناً حسناً,هات القطع, سأسكت عنك. أعطاه الراعي ما بحوزته من قطع ذهبيّة وساق غنمه ومضى مسرعاً.
هرع مصطفى إلى بيته وأحضر النظارة البحرية وسبح نحو موقع القنبلة,وغطس ويا لعجب ما رأى,لقد رأى ما يشبه الصندوق ولكنه من الحجر قد انشقّ نصفين,وجده يحتوي على آلاف من القطع الذهبية التي كان الراعي يجد مثلها على الشاطيء.
عاد مصطفى إلى بيته مرة أخرى وهو لا يتمالك نفسه, أحضر كيساً وغطس للمرة الثانية وأخذ يملأ يده بالقطع ويدسّها في الكيس,ثم يطفو إلى السطح ليتنفس ثم يعود حتى أفرغ الصندوق الحجري مما فيه من ذهب عدا بعض القطع اللاصقة بالصخر أو التي جرفها التيار إلى الشاطيء.
لقد جمع عدة كيلوجرامات من الذهب,أخفاها جيداً,ومكث في البيت إلى ما بعد الغداء يغمره التعب والدهشة معاً,لا يدري أكان ذلك حلماً أم حقيقة,ولم تخرجه عن دهشته إلا ضوضاء على طول الشاطيء لجماعات من الناس تبحث عن الذهب.
الواضح أن الراعي لم يسكت بل أخبر الناس بالخبر الخطير فهبَّ جميع من في الجوار ليصيبوا من المغنم. ربما كان ذلك نكاية في مصطفى حتى لا يستحوذ على الكنز وحده,وربما كان الراعي أيضاً قد أصاب الكثير من القطع الذهبية وأخفى خبرها عن مصطفى.. ربما هذا وربما ذاك.. مكائد كثيرة تحدث في مثل هذه الظروف فالكل يريد الخير لنفسه خاصة أن المال ليس لأحد بل جاد به البحر,إضافة إلى أنه لا سلطة مستقرة تبحث عنه لظروف الحرب,فالكل في شغل شاغل.
تجاهل مصطفى جموع الناس الباحثة عن الذهب بل دخل في غمار المنقبين عن الذهب وأخذ يبحث هو الآخر وكأنه لم يظفر من الغنيمة بالكثير.
لقد فتش الأهالي الشاطيءَ بعناية ونصب الكثيرون منهم خيامهم قريباً من المكان.نبشوا المكان وقلبوا الحجارة داخل الماء وخارجه.استمر ذلك عدة أيام,وعلى الرغم من ذلك فإن أوفرهم حظاً لم يحصل على عُشر ما حصل عليه مصطفى,بل إن أكثر الذين خيّموا بأسرهم قد فقدوا كل ما جمعوه نتيجة كيد كائد,فقد جاء أحدهم متأخراً عن الغنيمة فلم يحصل على شيء,فما وسعه إلا أن أعلن أن الشرطة ستأتي غداً وتفتش الخيام وتأخذ الذهب,وعندما خبّأ كل منهم ذهبه خارج الخيام لم يجدوه في مخبئه عندما رجعوا إليه.ثارت شكوكهم حول ذلك الرجل بأنه تلصص على المخابيء خارج الخيام وأخذ ما فيها من ذهب.
جاءت الشرطة على كل حال,ربما بإيعاز من الراعي,وربما لم يأتوا بصفة رسمية بل دفعهم الطمع في شيء من الذهب.استضافهم مصطفى وأجزل لهم العطاء على أن يعتبروا الأمر قطعاً قليلة تفرقت في أيدي الناس.
أخفى مصطفى سرَّ الذهب لعدة أشهر ثم انتقل بعدها إلى مدينة بعيدة عن معارفه,واشترى بيتاً فخماً وسيارة شاحنة عيّن لها سائقاً خاصاً,كما اشترى مزرعة واسعة.
لقد تحول مصطفى الحارس البسيط إلى مصطفى الثري الواسع الثراء.لقد أيقظ المال في نفسه رغبات لم تكن لتخطر له على بال أيام البساطة,لم يتردد في الزواج بأخرى,ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل راح يتزوج متى شاء ويُطلق متى شاء وفي كل مرة يذهب قسط كبير من المال إلى أصهاره الذين أصبحوا أيضاً من الأغنياء. لقد كان يبذر حتى أن السيارة إذا تعطلت في مكان ما فإنه يشتري غيرها فوراً ويُوصي بالأخرى إلى أحد المقربين منه .
كان يتنقل من مدينة إلى أخرى في لباس جديد وأصدقاء جدد,فهم ملازمون له طالما جيوبه مترعة,حتى أن العلاقة قد توثقت بينه وبين أقاربه,وأصبحوا يزورونه كثيراً ويُصرّون على حضوره كلما حدثت مناسبة كبيرة أو صغيرة,فلقد شملهم بعطاياه أيضاً.
كان مصطفى طيب النفس هانيء البال,لا يأمل إلا في استقرار المعيشة عندما كان حارس منارة,ولكن المال الذي هبط عليه فجأة غيّر مجرى حياته فقد أربكه ووضعه في حيرة مما جعله يُقلّب حياته على تصرّفات عدّة تعلو وتسفل.أصبح يخرج عن طوره ويتيه عجباً وخيلاء,فقد شوهد مرات كثيرة يمشي في السوق وفي يده قطعة أو قطعتان من الذهب يعبث بهما كمَن يعبث بمسبحة لغير تقوى,وأحياناً يركز قطعة على إبهامه ويجعلها تفرّ في الهواء,فإذا لم تقع في يده فلا يلتقطها ثانية بل يلتقطها الصبيان,حتى إنهم صاروا يعرفون ذلك ويترقبون دخوله السوق.
لقد تحدث عنه أحد أقربائه الناصحين فقال:كانت عطاياه كلها فخراً وتيهاً,فإما أن تكون لحاشية وقربى يبغي بها التأييد أو لزيادة فراهة أو لزواج جديد. لم يفكر في استثمار ماله في شؤون تنفعه مستقبلاً أو تنفع الناس.صحيح أنه قد حصل كثير من الناس على نصيب من ماله ولكن حصولهم عليه عن طريق النصب والاحتيال والتملق,لا عن طريق العمل والكدّ, وبالجملة فإن مصطفى لم يعرف كيف يتصرف بذلك المال .فلم يوجهه نحو عمل يبتغي به وجه الله. نسي مصطفى وما كان لمثله أن ينسى ... نسي الطريق الصحيح,تزوج بالعديد من النساء شهوة وغيّاً, وليس طلباً للولد,فقد كانت زوجته الأولى منجبة.
بذّر المال يمنة ويسرة في غير وجوهه الصحيحة حتى نفد ما بيده من ذهب ولم تبق إلاّ العقارات والمزرعة فأخذ يبيعها الواحد تلو الآخر حتى أتى عليها جميعاً. أخيراً خوت جيوبه,تلفت حوله فلم يجد صديقاً يسعفه,لقد فرّوا جميعاً وكأنه كان في حلم,استمرّ ذلك الحلم خمس سنوات,عاد لعدها فقيراً معدماً. لم يقف إلى جانبه أحد,تنكروا له,ترفعوا حتى عن الحديث معه,لقد أضحى إنساناً منبوذاً.ويستمر ذلك القريب ويقول:كان يُشاهد على الشاطيء مطرقاً مفكراً في همه وكأنه يجترّ ماضيه ويتحسر على المال الذي ضاع. تردد على الجهات لكي يعيدوه إلى عمله السابق وبعد لأيٍ طويل عاد لحراسة المنارة ولكن غناه المُفاجيء وزوال ذلك الغنى كان قد أخذ من عقله ما أخذ .